تغير جديد في أسعار صرف الريال اليمني مقابل العملات الأجنبية    دعاء قضاء الحاجة في نفس اليوم.. ردده بيقين يقضي حوائجك ويفتح الأبواب المغلقة    فلنذكر محاسن "حسين بدرالدين الحوثي" كذكرنا لمحاسن الزنداني    رشاد العليمي حاقد و"كذّاب" تفوّق على من سبقه ومن سيلحقه    شعب الجنوب أستوعب صدمة الاحتلال اليمني وأستبقى جذوة الرفض    ليس وقف الهجمات الحوثية بالبحر.. أمريكا تعلنها صراحة: لا يمكن تحقيق السلام في اليمن إلا بشرط    الحوثيون يراهنون على الزمن: هل ينجحون في فرض حلولهم على اليمن؟ كاتب صحفي يجيب    أنباء غير مؤكدة عن اغتيال " حسن نصر الله"    آخر مكالمة فيديو بين الشيخين صادق الأحمر وعبد المجيد الزنداني .. شاهد ماذا قال الأول للأخير؟    شيخ بارز في قبضة الأمن بعد صراعات الأراضي في عدن!    الأمل يلوح في الأفق: روسيا تؤكد استمرار جهودها لدفع عملية السلام في اليمن    قيادة البعث القومي تعزي الإصلاح في رحيل الشيخ الزنداني وتشيد بأدواره المشهودة    «كاك بنك» فرع شبوة يكرم شركتي العماري وابو سند وأولاده لشراكتهما المتميزة في صرف حوالات كاك حواله    دوري ابطال آسيا: العين الاماراتي الى نهائي البطولة    تشييع مهيب للشيخ الزنداني شارك فيه الرئيس أردوغان وقيادات في الإصلاح    كلية القيادة والأركان بالعاصمة عدن تمنح العقيد أديب العلوي درجة الماجستير في العلوم العسكرية    «كاك بنك» يكرم شركة المفلحي للصرافة تقديراً لشراكتها المتميزة في صرف الحوالات الصادرة عبر منتج كاك حوالة    نزوح اكثر من 50 الف اثيوبي بسبب المعارك في شمال البلاد    أعلامي سعودي شهير: رحل الزنداني وترك لنا فتاوى جاهلة واكتشافات علمية ساذجة    بن دغر يوجه رسالة لقادة حزب الإصلاح بعد وفاة الشيخ عبدالمجيد الزنداني    مفسر أحلام يتوقع نتيجة مباراة الهلال السعودي والعين الإماراتي ويوجه نصيحة لمرضى القلب والسكر    مركز الملك سلمان يدشن توزيع المساعدات الإيوائية للمتضررين من السيول في الجوف    كان يدرسهم قبل 40 سنة.. وفاء نادر من معلم مصري لطلابه اليمنيين حينما عرف أنهم يتواجدون في مصر (صور)    رئيس مجلس القيادة يجدد الالتزام بخيار السلام وفقا للمرجعيات وخصوصا القرار 2216    إعلان موعد نهائي كأس إنجلترا بين مانشستر يونايتد وسيتي    إنزاجي يتفوق على مورينيو.. وينهي لعنة "سيد البطولات القصيرة"    الاعاصير والفيضانات والحد من اضرارها!!    "ريال مدريد سرق الفوز من برشلونة".. بيكيه يهاجم حكام الكلاسيكو    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 34 ألفا و183    لابورتا بعد بيان ناري: في هذه الحالة سنطلب إعادة الكلاسيكو    انقطاع الشريان الوحيد المؤدي إلى مدينة تعز بسبب السيول وتضرر عدد من السيارات (صور)    السعودية تضع اشتراطات صارمة للسماح بدخول الحجاج إلى أراضيها هذا العام    مكان وموعد تشييع جثمان الشيخ عبدالمجيد الزنداني    التضامن يقترب من حسم بطاقة الصعود الثانية بفوز كبير على سمعون    قيادي حوثي يقتحم قاعة الأختبارات بإحدى الكليات بجامعة ذمار ويطرد الطلاب    مؤسسة دغسان تحمل أربع جهات حكومية بينها الأمن والمخابرات مسؤلية إدخال المبيدات السامة (وثائق)    ميلشيا الحوثي تشن حملة اعتقالات غير معلنة بصنعاء ومصادر تكشف السبب الصادم!    دعاء مستجاب لكل شيء    ديزل النجاة يُعيد عدن إلى الحياة    رئيس مجلس النواب: الفقيد الزنداني شارك في العديد من المحطات السياسية منذ شبابه    من هو الشيخ عبدالمجيد الزنداني.. سيرة ذاتية    مستشار الرئيس الزبيدي: مصفاة نفط خاصة في شبوة مطلبا عادلًا وحقا مشروعا    ارتفاع الوفيات الناجمة عن السيول في حضرموت والمهرة    تراجع هجمات الحوثيين بالبحر الأحمر.. "كمل امكذب"!!    مع الوثائق عملا بحق الرد    لماذا يشجع معظم اليمنيين فريق (البرشا)؟    الزنداني يكذب على العالم باكتشاف علاج للإيدز ويرفض نشر معلوماته    الدعاء موقوف بين السماء والأرض حتى تفعل هذا الأمر    الحكومة تطالب بإدانة دولية لجريمة إغراق الحوثيين مناطق سيطرتهم بالمبيدات القاتلة    المواصفات والمقاييس تختتم برنامج التدريب على كفاءة الطاقة بالتعاون مع هيئة التقييس الخليجي    لحظة يازمن    بعد الهجمة الواسعة.. مسؤول سابق يعلق على عودة الفنان حسين محب إلى صنعاء    المساح واستيقاف الزمن    - عاجل فنان اليمن الكبير ايواب طارش يدخل غرفة العمليات اقرا السبب    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    الممثل صلاح الوافي : أزمة اليمن أثرت إيجابًا على الدراما (حوار)    تصحيح التراث الشرعي (24).. ماذا فعلت المذاهب الفقهية وأتباعها؟    وزارة الأوقاف تعلن صدور أول تأشيرة لحجاج اليمن لموسم 1445ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبد الحميد الحدي: هكذا تعرفت على الثائر علي عبد المغني وصدام حسين
نشر في المصدر يوم 25 - 08 - 2010

تنشر صحيفة "السياسية" الصادرة عن وكالة الأنباء اليمنية "سبأ" حوارات أسبوعية تتناول جوانب مخفية عن شخصيات سياسية واجتماعية عرفنا نصف حياتها لكننا لا نعرف شيئاً عن نصفها الآخر.

المصدر أونلاين وبالاتفاق مع الصحيفة ومع الزميل صادق ناشر الذي قام بإجراء هذه الحوارات يعيد نشرها، وفيما يلي الحلقة الثانية من الحوار مع عضو مجلس الشورى عبدالحميد الحدي.

حياة جديدة في مكتب الأيتام
* بعد أن تركت القرية وأنت في سن الثامنة تقريباً، بدأت تتشكل حياة جديدة في صنعاء، كيف قضيت أول أيامك في مكتب الأيتام؟
- كانت حياتي طبيعية؛ وصلت إلى صنعاء، وقد ذهلت لنمط العمارة في "باب اليمن"؛ فمقارنة بالقرية الصغيرة التي كنت أعيش فيها طفولتي الصغيرة، كان الوضع في صنعاء يختلف؛ فقد كانت مدينة كبيرة، والمباني فيها ضخمة وجميلة الشكل.

وأول شيء بدأت أفكر به هو أن أذهب إلى من دلوني عليهما، وهما المرحوم القاضي عبد الغني الكهالي، وكذلك المرحوم الشهيد علي عبد المغني، وهما من منطقة "النادرة"، فقد قالوا لي في القرية إنه لن يفيدني أحد سواهما؛ فكان هذا هو الذي حدث.

لقد صاغ لي الشهيد علي عبد المغني رسالة مؤثرة جداً إلى وزير المعارف في ذلك الوقت، الحسن ابن علي. فأخذت الرسالة واتجهت بها إلى الوزارة. وكان مبنى الوزارة في ذلك الوقت بجانب مبنى الاتصالات بمنطقة التحرير. وأثناء خروج الوزير قدمت له الرسالة، فوجه بالموافقة؛ في الوقت الذي كان البعض يقول لي إنني لن أحصل على موافقته؛ لأنني ابن شيخ؛ مع ذلك حصلت على الموافقة بدخول مكتب الأيتام.

* هل تتذكر ماذا كتب علي عبد المغني في الرسالة؟
- علي عبد المغني كتب الرسالة باسمي إلى وزير المعارف، وقد تأسفت لأنني لم أحتفظ بنسخة من الرسالة، إلا أنه في ذلك الوقت لم تكن هناك وسيلة تصوير حتى أتمكن من الاحتفاظ بنسخة من الرسالة، كما أنه لم يكن هناك شعور بأهمية الوثائق.

ظهر ذات يوم وأنا في مقهى في "باب اليمن"، وهو جزء من بيت والد الفنان علي السمه، شخص على متن عربية يجرها حصان ويحيط بها عسكر للحفاظ عليه، وكان يلبس عمامة ودشداشة بيضاء وجنبية ليقف أمام المقهى، وحينها خفت؛ لأن أحد الجنود اتجه نحوي وأنا مرعوبا، وقال لي: "جاوب!"، فجاوبت. وقال لي: "أنت من عمار؟ أنت ابن فلان؟"، قلت له: نعم. فقال لي: "تعال معنا!"، رغم أن العسكري مازال ممسكاً بيدي؛ فقال لي: "أنا فلان، زوج عمتك". وأخذني معه إلى البيت، وقد فوجئت أنه رئيس الاستئناف المرحوم السيد يحيى محمد عباس المتوكل رحمه الله.

عندما وصلت إلى بيته عرفت أن لدي عمة موجودة في صنعاء، وبدأت أطمئن تدريجياً، وزال ذلك الخوف الذي كنت فيه، وقد استمررت في دراستي في مكتب الأيتام، لكنني كنت أجيء إلى البيت في المساء ولم أبق في القسم الداخلي للأيتام، وهذه أعتبرها نقطة مؤثرة لا يمكن أن تنسى في حياة التلميذ العادي البسيط الذي انتقل من الريف إلى المدينة.

* كم من السنوات قضاها عبد الحميد الحدي في مكتب الأيتام؟
- بقيت في مكتب الأيتام من عام 1985 وحتى أواخر عام 1961، عندما انتقلت للدراسة في المدرسة المتوسطة.

* ماذا تركت لديك مدرسة الأيتام؟
- حصلت لي مواقف كثيرة، فأول شيء فاجأتني كلبة المدير، وكلبة المدير هذه تعني أن الطلبة المتقدمين في السنوات الدراسية يقومون بعملية الجباية من الطلبة الجدد، وكان هناك من هؤلاء من يستبد بنا كطلاب وافدين، لدرجة أنهم كانوا يقومون بأخذ الكدم علينا، كنوع من الجباية. بعضهم قد توفاه الله. وكان هناك طالب من "بيت أبو طالب"، وآخر "مطري" كان مركزا عليَّ، بمعنى أنه كان من الواجب عليَّ أن أعطيه كدمة كل يوم، وكان إذا أخذها مني فمعنى ذلك أن أبقى جائعاً طوال اليوم. وشعرت بعد مرور شهر ونصف بأن الكيل قد طفح، ولم أعد أحتمل، وقررت أن أواجهه، فإما أن أضربه وإما أن يضربني.

كان هناك ما يسمى "الفلكة"، وهي قضيب خشبي فيه حبل مربوط من الأطراف على أساس أنه لو ارتكب أحدنا مخالفة تربط رجلاه بها. يومها طلعت فوق الطاولة وأمسكت به وضربته، وكان الطقس في ذلك الوقت حاراً، أي في منتصف اليوم، فسال دمه كثيراً؛ يومها قيدوني وحبست لثلاثة أيام في المدرسة بالقيد؛ لكن من يومها يشعر الواحد أنه تحرر وذهب منه الخوف. ومن الطريف أن هذا الشخص -وكان اسمه محمد- أصبح أقرب أصدقائي في تلك الفترة، وكما يقال في المثل: "لا صاحب إلا بعد ملطام".

* ألم تتحول أنت إلى "مطري" ثان؟ أي ألم تمارس ما كان يمارسه، على من كانوا أصغر سناً منك؟
- لا؛ لأنني والحمد لله منذ صغري وأنا منضبط؛ ربما التربية كان لها الأثر في ذلك؛ لأن والدتي كانت قوية جداً في تربيتها لنا.

* هل أثر عليك السجن أو العزل والتعذيب؟
- لا، لم يؤثر؛ لأنه لا يوجد سجن بمعنى السجن، فقد كنت مع الطلبة، لكنني كنت مقيداً ولا أخرج من مكتب الأيتام، ولم يحصل لي في حياتي أبداً أن دخلت السجن إلا هذه المرة.

* مَنْ من الأصدقاء الذين تتذكرهم ومازالوا أحياء أو من الذين ماتوا في السنوات التي قضيتها في مكتب الأيتام؟
- أتذكر منهم الأخ اللواء عبد الملك السياني، وهو حي يرزق أطال الله في عمره، والأخ اللواء عباس العماد رحمه الله... وطبعاً كان هناك آخرون؛ لكنهم لم يكونوا في المدرسة، بعضهم توفاهم الله، وكانوا أصدقاء أعزاء.

في عدن
* بعد مكتب الأيتام انتقلت إلى المدرسة المتوسطة، كيف شعرت بهذه النقلة الجديدة في حياتك؟
- انتقلت إلى المدرسة المتوسطة، وكان مديرها الأستاذ علي أحمد العيني، أخو الأستاذ محسن العيني. وكان هذا الرجل -رحمه الله- جاداً وصارماً. في فترة دراستي في المتوسطة حصلت مظاهرات في صنعاء وتعز، قبل قيام ثورة 26 سبتمبر 1962، وقبل اندلاع الثورة بأشهر، ومع الأوضاع المقلقة حينها اضطررت للهروب مع بعض الطلبة إلى عدن، والبعض دخل سجن "الرادع"، الذي هو الآن مواقف السيارات بجانب وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، أمام التوجيه المعنوي، والبعض سجن في وشحة والبعض في حجة.

كان ذلك -إذا لم تخني الذاكرة- في فبراير. وكان من حسن حظي أن هربت إلى عدن، وقد ساعدني في هذا موقع منطقتي، التي كانت تقع في المنطقة الفاصلة بين الشمال والجنوب.

وفي طريقي إلى عدن، مررت بمدينتي الرضمة وقعطبة، حيث لنا بيوت هناك في "عمار" وإن كانت خربت من قبل الإخوان الثوريين الديمقراطيين في السبعينيات. وقد ساعدني في الخروج من قعطبة إلى سناح مشياً على الأقدام المرحوم الشيخ الرويشان، حيث كان المسؤول عن جمرك قعطبة. ومن هناك نزلت عدن. وفي عدن بقيت في الاتحاد اليمني حتى قيام ثورة سبتمبر، وربطتني علاقة ممتازة مع الإخوان في حزب الشعب الاشتراكي وفي المؤتمر العمالي وفي رابطة أبناء اليمن، بالإضافة إلى رئيس تحرير مجلة "الفتاة" الأستاذ لقمان، وجميع هؤلاء كانوا مهتمين بالطلبة القادمين من شمال البلاد رغم اختلافات توجهاتهم.

وكان هناك المرحوم حسين عبيد من صنعاء، والدكتور حمود العودي، وهذا كان رفيقي في العودة من عدن إلى صنعاء، وفي الطريق تم استقبالنا في تعز، من قبل اللواء محمد الخاوي أطال الله في عمره، الشهيد سعد الأشول، وهذا من أهم ضباط الثورة، ومن الذين كانوا يقفون إلى جانب الشهيد علي عبد المغني رحمه الله.

وأتذكر أنه تم توفير سيارة جيب أميركية مطربلة، لنقلنا، الأخ العودي وأنا، إلى صنعاء، واستبشر الجميع بقدومنا وتم الاحتفاء بنا وكأننا أبطال، وقد قابلنا المرحوم الرئيس المشير عبد الله السلال، الذي حول لكل منا 18 ريالاً، وكان هذا المبلغ في حينه كبيراً. بعدها عدنا إلى المدرسة بعدما تم منحنا إجازة قصيرة لزيارة أهلنا. وأتذكر أن الأستاذ علي العيني، الذي عرف بصرامته، اشترط علينا أداء الامتحانات بعد عودتنا عقوبة لهروبنا، وهو ما كان.

* هل أدهشتك عدن عندما وصلت إليها؟
- طبعاً! عدن مدينة أخرى. صحيح أننا كنا قد تعرفنا على الكهرباء في صنعاء وذمار؛ بالمناسبة أنيرت ذمار بالكهرباء قبل صنعاء؛ إلا أن عدن كانت تعد في تلك الفترة –ومازالت- مدينة حديثة، هي مدينة خدمات، وفيها حركة تجارية نشطة، وأساليب الحياة فيها تختلف عما عشناه في صنعاء أو في الشمال عموماً.

وفي عدن هناك تعدد بشري مختلف؛ فيها الهنود والفرس والصومال وغيرهم من الأجناس، والنشاط السياسي كان فيها كبيراً، وفيها بدأنا نقرأ الكتب ونفكر بالهجرة إلى الخارج؛ لأنه لم يكن لدينا أمل بالعودة إلى الشمال. وشخصياً بدأت البحث عن هجرة إلى أميركا؛ لأنه كان معي أخ هناك يساندني. والأخ العودي كان لديه نفس الشيء. كما فكرنا بالذهاب إلى مصر للدراسة.

الاتحاد اليمني كان يتعاطف معنا كطلاب قادمين من الشمال. كما حصلنا على تعاطف من شخصيات لم نكن نتوقعها. وأتذكر أن الطلبة الذين كانوا يأتون من المناطق الشمالية يأكلون الوجبات اليومية الثلاث مجاناً في مطعم المرحوم الأستاذ أحمد الحكلاني في عدن، والذي كان يقع في شارع الزعفران بمنطقة كريتر، وقد تزاملت معه بعد ذلك في عضوية مجلس الشعب التأسيسي في صنعاء، هو من مدينة رداع بمحافظة البيضاء، وكان شخصية معروفة ومرموقة.

من أهم ما شاهدته من أحداث في عدن كان الزحف على المجلس التشريعي، وقد كانت بدأت في عدن الانتفاضات ضد الاستعمار البريطاني، وكان المحرك السياسي للأوضاع في ذلك الوقت هو حزب الشعب، ومن رموزه: الأستاذ محمد سالم باسندوة، الأستاذ عبد الله الأصنج، والأستاذ عبد الله عبد الرزاق باذيب (من شبيبة السلفي)... وكذا منخرطون فيما يسمى "النقابات الست" التي بدأت تتحرك في ظل مفهوم حركة القوميين العرب في تلك الفترة. كما شاهدت الحماس الكبير من القيادات، منهم: علي حسين القاضي، الأستاذ محمد سعد قباطي أطال الله في عمره، والأستاذ المرحوم سعيد الحكيمي، وشخصيات سياسية عدة. كنت تشعر أن النشاط الفكري والسياسي في عدن كبير، رغم وجود الاستعمار البريطاني. كانت هناك حرية متاحة للعمل السياسي والفكري، جعلت الكثير من الشخصيات السياسية والفكرية تتبنى القضايا الوطنية الكبيرة، ومنها المفهوم الوحدوي لليمن؛ فلم تكن هناك حالة من حالات المناطقية، رغم أن البريطانيين كانوا يعتبرون القادمين من الشمال والسلطنات في الجنوب أجانب.

كانت بريطانيا تحاول في تلك الفترة التركيز على شعار "عدن للعدنيين" نتيجة لوجود الجالية اليهودية والهندية والباكستانية، وهذا الخليط من الأجناس والثقافات المتعددة هو الذي أضاف لنا آفاقاً واسعة وفتح أذهاننا على أشياء كبيرة؛ لذلك فإنني أشعر أن فكري السياسي اكتسبته من بقائي في عدن.

عشت أياماً جميلة في عدن، كانت تجمعنا جلسات ولقاءات في الاتحاد اليمني، وكان مقره في شارع القاضي في كريتر ب"حافة حسين"، وأول مرة أشرب شيئا اسمه "الثريب"، خاصة في ظل الطقس الحار الذي تشتهر به عدن.

كل شيء أدهشني في عدن، من جبال وبحار وإنسان... لكن ما أذهلني أكثر هو حركة السيارات؛ لأنني لم أكن متعوداً عليها في صنعاء؛ لأن كل ما كان موجوداً في صنعاء عبارة عن سيارات يسمونها "عبلة". وكانت "عبلة" هذه تعتبر أكبر سيارة. أما في عدن فكانت أعداد السيارات بالمئات، إن لم يكن بالآلاف. كما أدهشتني المتاجر والأضواء المتنوعة، ولا أنسى البخور، الذي تصدمك رائحته وأنت تسير في شوارع عدن، حيث تشم رائحة البخور تفوح من كل بيت.

* ألم تتعرف على نساء في عدن؟
- تعرفت على المجاهدة الكبيرة رضية إحسان يوم الزحف على المجلس التشريعي، وانبهرت بحال المرأة في عدن، التي كانت تلبس غير ما اعتدنا عليه في الشمال؛ لم يكن هناك تبرجاً كما يشاع، لكن كان هناك كشف الوجه، والكثير من النساء كن يلبسن القصير من الملابس، لكن كان ذلك يعود إلى وجود الاستعمار البريطاني في الجنوب.

* غادرت صنعاء قبل الثورة، وعدت إليها بعدها، فكيف وجدتها؟
- كانت الحركة في صنعاء ما بعد الثورة تختلف، لم تعد تلك الحياة الجامدة في الماضي حيث الهدوء والرتابة؛ كان هناك حركة بناء وحركة نضال سياسي واسعتان. وفتح باب التطوع في عدن لنصرة الثورة في الشمال. وقد انخرط إخواننا من المحافظات الجنوبية في التطوع، وليس فقط أبناء الشمال، وكان عندهم إحساس من الناحية السياسية بضرورة الحفاظ على النظام الجمهوري في الشمال ربما أكثر من أهل الشمال أنفسهم؛ إذ إن الناس أصيبوا عند اندلاع الثورة بحالة من الارتجاج الدماغي، كانوا مذهولين مما جرى، وكانت هناك تساؤلات تدور في أذهانهم: هل نجحت الثورة أم لم تنجح؟ كما كان ما جرى في ثورة 1948 مؤثرا على عقول الناس، خاصة عمليات نهب صنعاء، مع حبي لصنعاء وأبنائها، لكن هذه حقيقة. فمن الناحية الإنسانية تجد أن عدن وأبناء المحافظات في الجنوب كانوا أكثر خوفاً على صنعاء من أية انتكاسة، وقد استشهد بعضهم في صعدة وفي حجة... وأتذكر أن من بين الذين جاءوا للدفاع عن النظام الجمهوري المرحوم سعيد صالح، الذي قاتل في المحابشة.

القاهرة وبغداد وصدام حسين
* كيف جاءت فكرتك للدراسة في الخارج؟
- بعد عودتي إلى صنعاء أكملت المدرسة المتوسطة، وبدأ يتكون لدي الطموح لتكوين المستقبل. انضم أخي "علي" إلى الحرس الوطني؛ لأنه كان موجوداً في صنعاء. أما أنا فقد تقدمت بطلب إلى المشير السلال رحمه الله للسفر والدراسة في الخارج؛ فكلف مدير مكتب الاتصال مع الإخوان المصريين، اللواء علي محمد الشامي، وهو من أشرف وأنقى ضباط الثورة على الإطلاق، ومازال والحمد لله حياً، بأن يدبر لي منحة للدراسة في الكلية الحربية بمصر؛ لكنني وأنا في مصر اخترت كلية الشرطة، وطلبت من أخي مرافقتي في الدراسة بمصر، فوافق وذهبنا معاً للدراسة، فدخل هو الكلية الحربية، وأنا دخلت كلية الشرطة.
سافرنا إلى القاهرة. وأتذكر أن الأستاذ يحيى الشامي، عضو المكتب السياسي للحزب الاشتراكي الحالي، الذي كان يومها نائباً لوزير التربية والتعليم، كان معنا على الطائرة، بالإضافة إلى الأستاذ محمد الرعدي أطال الله في عمره.

* هناك ثلاث مدن مختلفة في حياتك: صنعاء، عدن، والقاهرة. وقد تعرفنا على حياتك في عدن وصنعاء، كيف كانت انطباعاتك في القاهرة؟
- بحكم معرفتي بعدن خف الانبهار بالقاهرة، رغم أن هناك فرقاً من حيث الكبر والمساحة، ومن حيث النشاط بين المدينتين؛ لكن لم تكن هناك مفاجآت يمكنها أن تهز الوجدان.

* كيف بدأت تتعامل مع المجتمع المصري؟ وهل وقعت مواجهات طريفة في القاهرة؟
- التعامل مع المصريين بالنسبة لي كان طبيعياً. لكن كان من ضمن المواقف اللطيفة التي حدثت لي مع بعض الإخوان اليمنيين، بعضهم أحياء، أنه في يوم من الأيام ذهبنا إلى مطعم دمياطي في "باب اللوق"، وهذا المطعم يقدم الفول المدمس في الثلاث الوجبات، ومنها الغداء، على أساس نأخذ لنا الفول والبيض المسلوق، فالأخ عبد الرحمن مهيوب، وهو عصبي بعض الأحيان، طلب من "الجرسون"، وهو يضع لنا الأكل، أن يبدل لنا بدل الطعمية بيضاً. لم يفهم "المباشر" ما أراده الأخ عبد الرحمن، وعندما عاد لم يأت بالطلب، فأحضر أيضاً طعمية... ومن كلمة إلى كلمة قال "الجرسون": "نحن هنا بنتكلم بالعربي، مش بالعبري"، فأخذ الأخ عبد الرحمن الطبق وضرب "الجرسون" على رأسه، فصرخ "الجرسون"، وكنت يومها لابساً قميصا نايلون أبيض، ولأن "الجرسون" كان واقفاً فوق رأسي فقد نزل الدم من رأسه على قميصي، وبدا كما لو أنني أنا المعتدي، وحصلت معركة بيننا وبين المصريين، الذين أخرجونا إلى مغارة؛ فحول الله لنا بسوداني صرخ على المهاجمين باعتباره من البوليس، وقال لهم إن هؤلاء طلبة وضيوف عبد الناصر، فتوقف الهجوم علينا. المهم دفعنا عشرة جنيهات ل"الجرسون" على أساس أن يقوم بمعالجة الجرح الذي أصابه.

هذا من المواقف التي سببها لي الأخ عبد الرحمن، لهذا أنا أطالب الأخ عبد الرحمن بالتعويض؛ لأنهم كانوا يلاحقونني باعتباري أنا صاحب المشكلة وليس هو!

* كم ظللت في القاهرة؟
- بقيت في القاهرة إلى عام 65، ثلاث سنوات، درست خلالها في كلية الشرطة، ثم بعد ذلك قدم العراق لليمن 35 منحة دراسية؛ فسافرنا إلى بغداد لدراسة الحقوق.

* أي المدن كانت أقرب إلى نفسك من كل المدن التي زرتها؟
- لا شك أن المدينة التي تعيش فيها أطول فترة من عمرك هي التي سوف تؤثر. وصنعاء أرتاح لها كثيراً، أعتبرها الأولى، وبعد ذلك المدن اليمنية الأخرى. كما أعتز ببقية المدن العربية التي درست فيها وشكلت جزءاً من حياتي.

* بين القاهرة وبغداد أيهما تفضل؟
- لا شك أن القاهرة منارة ثقافة وعلم وتاريخ، وبغداد أيضاً، وقد كانت المدن الثلاث: القاهرة، بغداد، ودمشق، المدن الرئيسية والأساسية المحورية في الوطن العربي كله؛ لكن القاهرة كانت تعيش حالة من الاستقرار على المستوى الاجتماعي وعلى المستوى السياسي والفكري، وبحكم كبر حجمها ونشاطها قد لا يتسنى لك أن تعرف مدى الحراك الاجتماعي والسياسي فيها، عكس بغداد؛ حيث كانت الحركة الحزبية السرية فيها قوية جداً.

فالصراع في بغداد كان حاداً؛ فالشيوعي لا يطيق القومي، والقومي لا يطيق الشيوعي أو الإخوان المسلمين... فكان صراع الأفكار والقوى السياسية في العراق حاداً جداً. مع ذلك فرغم هذا التنافر الشديد وحالة العداء بين القوى السياسية، إلا أنك تفاجأ في بعض الأحيان وكأن هناك ثلجاً نزل على قلوب الجميع، فيتحولون بشكل مزاجي إلى اتجاه آخر. مثلاً كان المرحوم عبد الرحمن البزاز، رئيس وزراء العراق في أيام الرئيس عبد السلام عارف رحمه الله، يتهم بأنه كان على علاقة بالبريطانيين، كما هو حال التهم العربية اليوم، لكنه حينما يدخل يحاضر في الجامعة يصمت الجميع.

وأتذكر أنه جاء ذات مرة إلى كلية الآداب، وهي قريبة من كلية الحقوق، وكنت في الكلية حينها، وإذا بكل القوى السياسية متمثلة في الاتحادات الطلابية وحتى الحزبيين، يستقبلونه بشعارات معادية وتهم بالتخوين وبالعمالة حتى داخل القاعة. وعندما بدأ محاضرته إذا بالجميع يهتفون له؛ لهذا تجد حالة عاطفية عجيبة.

* ما هو السر برأيك؟
- أعتقد أن في النفسية العربية خصوصاً، والشرقية عموماً، حالة عاطفية عجيبة؛ فالعربي عندما يحب يحب بعنف، وعندما يكره يكره بعنف؛ لهذا تجد أن الحب عندنا كعرب يمتزج بالغضب.

* عندما ذهبت إلى القاهرة كان خطاب عبد الناصر طاغياً على المجتمع، إلى أي مدى أثرت فيك مواقف عبد الناصر ومصر عموماً؟
- لا يوجد أي مواطن عربي لا يحب جمال عبد الناصر، وأنا أحتفظ في منزلي بآخر صور لعبد الناصر مع أمير دولة الكويت عند وداعه في مطار القاهرة عام 1970، حتى أنني أمازح بعض الإخوان في الحزب الوحدوي الشعبي الناصري أو الحزب الديمقراطي وأقول لهم: أتحداكم أن تكون معكم هذه الصورة! ولهذا فإن هذه الصورة غالية جداً بالنسبة لي. والتيار الناصري لم يكن قد ظهر بعد في ذلك الوقت.

لكن علاقتي بالدكتور قاسم سلام تركت أثراً فيَّ من ناحية التوجه القومي دون التنظيمي، فأنا لم أنضم إلى حزب البعث، لكن كان عندي شعور بأن التوجه القومي أو الفكر البعثي هو الأقرب إلى معالجة قضايا الأمة، رغم علاقتي بكل القوى السياسية.

أتذكر أنني استُدعيت ذات مرة إلى المباحث السياسية في مصر، بناء على شكوى كيدية، وكان مدير قسم الدقي في مصر العقيد علي نور الدين، إذا لم تخني الذاكرة، فدعاني وسألني عن سبب عدم عودتي بعد تخرجي في كلية الشرطة إلى صنعاء، قال لي يومها: "لقد حيرتنا، فلم نعد نعرف أنت إيه! بعثي ولا شيوعي ولا ناصري ولا إخواني، إحنا عايزين نعرف!". قلت له: "أنا عربي من اليمن"، فزاد تساؤله وقال: "كمان؟!".

من حسن حظي أني كانت تربطني علاقة جيدة بالأستاذ الفاضل حسن السحولي، سفير اليمن السابق في مصر، فلم أمكث في المباحث السياسية أكثر من ثلاث ساعات تقريباً. وعندما اتصلت به قبل ذهابي جاء وأخرجني وقال للمصريين إن خروجي على مسؤوليته، وكأنه قدم ضمانة على أساس أنني إنسان في حالي ولا أخالف في شيء.

* ما الذي شدك إلى فكر حزب البعث، رغم طغيان الناصرية في ذلك الوقت؟
- كما قلت سابقاً، إن ذلك ربما كان لاهتمام الدكتور قاسم سلام في استقبالنا في القاهرة. وقتها كان الرجل نشطاً في أوساط الحركة الطلابية اليمنية في مصر، وأنا كنت مرتاحاً؛ لأنه كان يتعامل مع جميع الطلبة بغض النظر عن توجهاتهم السياسية، وهذه نقطة حميدة يشكر عليها الدكتور قاسم. وكذلك علاقتي الطيبة بالأستاذ الدكتور عبده علي عثمان، وبالمرحوم الشاعر الأديب عبد الله سلام الحكيمي، والأستاذ رجل الأعمال المفكر والمثقف عبد الله حمود الحسيني، والأستاذ عثمان عبد الجبار، والأستاذ محمد أحمد الصايدي، والمرحوم الأستاذ زين السقاف.

وقد كان يشدنا حتى بعد عودتنا من الدراسة سلوك بعض الشخصيات التي تمثل القدوة والمثل، كالأستاذ القدير علي لطف الثور أطال الله بعمره.

* كيف جاء تعرفك على صدام حسين؟
- تعرفت على المرحوم الشهيد صدام حسين في كلية الحقوق عندما كنت أدرس في بغداد؛ كان يأتي يمتحن، ولكنه كان مطارداً، وكان وضعه خاصاً، كان عندما يأتي صدام حسين يتحول الدكاترة الذين يدرسونا إلى تلاميذ، كانت شخصيته طاغية، فقد كان مثقفاً وشخصيته مؤثرة كثيراً على من حوله.

* كم بقيت في العراق؟
- أربع سنوات، وكنت قد عدت خلالها مرتين إلى صنعاء، والتحقت بالعمل في وزارة الداخلية، وأخذت إجازة دراسية رسمية تأكيداً للمنحة التي حصلت عليها وكانت بموافقة الوزير اللواء حسين الدفعي أطال الله في عمره. كان الهدف من ذلك أن أثبت المرتب لوالدتي، ثم بعد تخرجي في عام 69 عدت إلى صنعاء بشكل نهائي، وأول منصب لي كان مساعد أركان حرب كلية الشرطة. بعدها توليت منصب مدير عام مكتب وزير الداخلية بعد عودتي بفترة وجيزة بأشهر. كان في ذلك الوقت الوزير هو اللواء أحمد الرحومي أطال الله في عمره. ثم جاء من بعده اللواء عبد الله الظبي، الذي أتمنى له الشفاء وطول العمر. ثم جرت انتخابات لمجلس الشورى في أبريل 71، وكان هناك نص في الدستور يقول إن 20 بالمائة من المجلس يتم بالتعيين، وكان من حظي أن أكون أحد أعضاء المجلس بناء على رغبتي؛ لأنني بدأت أشعر وأنا في الداخلية أن العمل التشريعي أفضل بالنسبة لي، فقد كنت في ذلك الوقت أحد الحاصلين على بكالوريوس الحقوق.

كان عدد أعضاء مجلس الشورى حينها 159 عضوا، وكانت هناك ما أطلق عليها في ذلك الوقت "كتلة الشباب"، وعدد أعضائها قليل ومعظمهم كانوا من المعينين، لكن كان لهم التأثير الأكبر في تحريك المجلس. كما كانت هناك شخصيات كبيرة انتخبت انتخاباً مباشراً، لهذا كان مستوى المجلس ممتازاً، وقد مارس العمل التشريعي والعمل الرقابي بطريقة راقية جداً. وأتمنى لو أنكم تعودون إلى محاضر مجلس الشورى كأول تجربة تشريعية في اليمن بشطريه، فقد كانت تجربة راقية جداً.

لمتابعة الحلقة الأولى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.