يجسد عناصر النخبة في الجيش الأميركي الذين يتولون تدريب الجيش اليمني ونادراً ما يظهرون في الجبال اليمنية، سعي ادارة باراك اوباما الى مكافحة الارهاب من دون اثارة المشاعر المعادية للاميركيين. وقد بات هذا العمل المتوازن الطابع المميز للادارة: تقديم ملايين الدولارات وتوفير المدربين العسكريين غير المرئيين الى دول مثل باكستان واليمن بهدف التصدي لشبكات «القاعدة» التي باتت اكثر استقلالاً وانتشاراً.
ويتسع ببطء مجال وحجم التدريب العسكري في اليمن، بما يعكس نية البنتاغون في القضاء على التهديد الارهابي بالتزامن مع إدراكه بأن ظهوراً اميركياً أوسع في هذا البلد قد يغذي التمرد.
وخلال السنة الماضية، زاد عدد المدربين الاميركيين من قوات النخبة من 25 الى نحو 50 حالياً. ويتوقف ارتفاع عددهم وانخفاضه على جدول التدريب، لكن القوات الاميركية تقدم الآن مستوى اكثر تعقيداً يجمع بين التكتيكات الارضية والعمليات الجوية.
اما الرهان، فعلى استقرار بلد فقير مضطرب يواجه فورة ارهابيين مرتبطين ب «القاعدة» يزدادون قوة يوماً بعد يوم، ويستهدفون اكثر فأكثر المصالح الاميركية والغربية.
ويقول الخبير في مكافحة الارهاب من «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية» ريك نيلسون ان «اليمن هو النموذج لما سيكون عليه نشاط مكافحة الارهاب في المستقبل. لن تكون هناك عمليات تدخل واسعة النطاق مثلما كان عليه الامر في ظل ادارة جورج بوش، ليس لأن هذا الاسلوب لم ينجح، بل لانه غير ممكن اقتصادياً» مواصلة شن حروب مكلفة.
ويوضح منسق شؤون مكافحة الارهاب في وزارة الخارجية الاميركية دانيال بنجامين ان الولاياتالمتحدة تولي الوضع في اليمن اهمية غير مسبوقة، مشيراً الى البرنامج الثنائي الهدف المتمثل في اجتثاث الارهابيين وفي إزالة اسباب التطرف أي الفقر والفساد وسوء الادارة.
وفي كلمة امام «المعهد الاميركي للسلام» قال بنجامين ان اميركا تنوي هذه السنة تقديم مبلغ 300 مليون دولار الى اليمن، نصفه للجيش والنصف الآخر مساعدات انسانية وتنموية. وأشار الى ان الرئيس اوباما يستبعد حتى الآن اي تدخل عسكري اميركي في اليمن ويريد في المقابل التركيز على بناء قدرات الحكومة للتعامل مع المشكلات الاجتماعية والأمنية.
وفي رأي مسؤول دفاعي كبير فإن التدريب العسكري الاميركي في اليمن يهدف الى معالجة اوجه النقص في سلاح الجو اليمني وفي التقصي والعمليات التكتيكية، كما ان هناك تدريباً على صيانة الطائرات والانظمة الاخرى.
وفي شكل عام فإن المدربين الاميركيين نادراً ما يظهرون علناً، ويعتقد ان القوة الاميركية الخاصة مركزة في المنطقة الجبلية الى الغرب من العاصمة صنعاء، وتنتشر معها قوات مكافحة الارهاب اليمنية ومدربون بريطانيون على العمليات الخاصة.
وتحرص السلطات اليمنية على عدم خوض اي نقاش علني حول الوجود الاميركي، نظراً الى حساسية الموضوع في نظر المواطنين اليمنيين. وسبق للرئيس علي عبدالله صالح ان اعلن رفضه وجود قوات اجنبية على الارض اليمنية رغم اعترافه بوجود مدربين اميركيين لا يتجاوز عددهم الخمسين شخصاً.
ويماثل النمو المضبوط لبعثة التدريب الاميركية في اليمن، توسعاً بطيئاً لبرنامج تدريب مماثل في باكستان، يعتبره المسؤولون الاميركيون «خريطة طريق» لكيفية بناء علاقات عسكرية مع حكومة دول تعتبر معاقل للارهابيين.
فالمدربون الاميركيون لقوات الحدود الباكستانية شبه العسكرية لا يعززون فحسب قدرات القوات الامن الوطنية بل يسهلون ايضاً للقوات الخاصة الاميركية بجمع المعلومات واقامة اتصال بالسكان المحليين والتحرك بحرية في هذا البلد. ويعمل المدربون الاميركيون في باكستان في مركزين قرب الحدود مع افغانستان، لكن قربهم من معاقل الارهابيين قد تكون له آثار سلبية ايضاً، اذ قتل ثلاثة مدربين وجرح اثنان آخران بانفجار قنبلة زرعت على طريق.
وفي الاطار نفسه، قتل امس ثلاثة جنود يمنيين واصيب اربعة آخرون بجروح في هجوم شنه مسلحون على نقطة تفتيش في مدينة مودية بمحافظة أبينالجنوبية. والقى مسؤول امني بالمسؤولية على تنظيم «القاعدة» الذي كان تبنى قبل يومين سلسلة هجمات استهدفت القوى الامنية ومسؤولي استخبارات في مناطق مختلفة من جنوب البلاد.
الى ذلك، ذكر مسؤول محلي وسكان ان مسلحين شنوا هجوماً على دورية امنية قرب ادارة الامن في مدينة لودر بأبين، وهي مدينة شهدت معارك طاحنة الشهر الماضي بين القوات اليمنية ومسلحي «القاعدة» اسفرت عن مقتل العشرات.