توفي أحد أطفال الجعاشن المهجرين في العاصمة صنعاء عصر اليوم الاثنين، نتيجة إصابته بسرطان الدم قبل حوالي شهرين. ونُقل علام طه أحمد قائد (13 عاماً) إلى مدينة القاعدة بمحافظة إب ليدفن هناك حيث بقية أفراد أسرته. صدمة أصابت المهجرين من أبناء الجعاشن في العاصمة صنعاء، بعدما رأوا الفتى يفارق الحياة، دون أن يتحقق حلمه بالعودة إلى قريته وبيته الصغير بمنطقة الجعاشن.
كغيره من أبناء المنطقة الذين فروا من سياسات باطشة يقولون إن الشيخ محمد أحمد منصور ينزلها بهم، يعيش طه أحمد قائد ونجله علام في المخيم الذي يقع وسط العاصمة صنعاء, فيما تعيش زوجته وباقي أطفاله في مخيم الجعاشن بمديرية القاعدة بمحافظة إب.
حوالي عام ونصف العام ولا زال طه ونجله وغيرهم الكثير يحلمون بالعودة إلى منازلهم، تحت حماية الدولة التي عجزت من أن تتقدم شبراً واحداً باتجاه المديرية التي يقطنها "شيخ ظالم لا يرحم أحدا".
قبل حوالي شهرين من اليوم، غادر طه مصطحباً ابنه علام إلى مديرية القاعدة لتفقد زوجته وأطفاله الذين يعيشون في مخيمات صغيرة تؤويهم، وحين وصل هناك، لم يمنحه القدر سوى بضعة أيام ليمرض علام ويقوم والده بإسعافه حينها إلى أحد المستشفيات بمحافظة تعز.
تساقطت الدموع من عيني طه وزوجته، وهما ينظران في وجه فلذة كبدهم, ويستمعان لنبأ صادم من الطبيب المعالج، مفاده أن أن علام مصاب بسرطان الدم، و حياته في خطر.
استمر طه يزاول بعض الأعمال اليومية التي كان يكسب منها مبالغ صغيرة، لم تكن تكفي إلى جانب ما يتبرع به فاعلو خير لتكاليف العلاج.
وبعد أن أنهى فرحته بالعيد في أروقة المستشفى بتعز، كان الألم يشتد على نجله لينصحه الأطباء بنقله مباشرة إلى العاصمة صنعاء، فحالته أصبحت في خطر، الأمر الذي دفعه إلى نقله للمستشفى الجمهوري بصنعاء، ليتم إدخاله العناية المركزة لخطورة الحالة التي كان يمر بها.
بعد أربعة أيام مرت، وعصر يوم الاثنين سقط الأب مغشياً في رصيف المستشفى, بعد إعلان وفاة علام الذي لم يتذوق خلال ال13 عاماً التي قضاها مع أسرته، سوى الذلة والمهانة في قرية يسودها حكم شيخ، وبين الشوارع والمخيمات هروباً من القرية.
أهالي الجعاشن في صنعاء صعقهم الخبر، وقالوا ل"المصدر أونلاين" إن موت علام نازحاً دليل كامل على أن لا دولة في اليمن، بل مشايخ ومتسلطين يستعبدون الناس، "ولا نعلم كيف ستكون نهايتنا ، وموت علام إشارة إنذار لنا بأن لا أحد سيقف معنا مهما حدث".
وشكر الأهالي منظمتي هود وبلا قيود اللتين قالوا إنهما وحدهما من المنظمات التي لا زالت تقف معهم حتى اللحظة في مواجهة الظروف التي يعيشونها، مشيرين إلى أن اللجنة التي تم تكليفها لم تستطع عمل شيء لهم. وقالوا "بعدما أعلن عن تشكيل اللجنة زادت المشكلة أكبر، خصوصاً ان الناس ظنوا أن مشكلتنا حلت، فتركونا لوحدنا نقارع الظروف الصعبة التي نمر بها ولا يشعر بها أحد غيرنا".
45 طفلاً يعيشون في مخيم صنعاء لازالوا يبحثون عن مدرسة ليكملوا تعليمهم الذي انقطع بمجرد فرارهم من القرية, ويخشون في الوقت نفسه من أن يذهبوا للتعليم في إحدى المدارس وينقطع رزقهم الذي يكسبونه من خلال بيعهم المناديل والماء في الجولات لمساعدة أهاليهم في مصاريفهم.
يدخل العام الدراسي الثاني، حيث ينعم الأطفال بالتعليم الذي هو حق لكل طفل، بينما يحرم أطفال الجعاشن الذين كانوا يقرأون ويكتبون ويتطلعون لمستقبل أفضل، لكنهم اليوم لا يحلمون سوى أن يعودوا وقت الظهيرة إلى مخيمهم وقد كسبوا بعض الريالات لسد حاجياتهم.
وفي الجعاشن يعيش مئات المواطنين في خوف ورعب من عسكر الشيخ، ولا يفكرون بالهروب من المنطقة، خوفاً من أن يلحق بهم الأذى والتشريد كما حدث لسابقيهم، الذين لم يشكل فرارهم من قراهم أدنى اهتمام لدى المسؤولين في الحكومة.
تشريد المئات من المواطنين بعد أن هدمت منازلهم ونهبت أموالهم، والاعتداء عليهم في مخيماتهم التي تؤويهم في صنعاءوإب، وحبس العديد منهم بسبب وجوده بين الاعتصامات التي ينفذها أهالي الجعاشن، كانت نهاية قاسية لموت علام طه الذي مات دون أن يرى أسرته مجتمعة حول مائدة واحدة وتحت سقف بيت واحد، في قريتهم الصغيرة.
فهل سيكون موت علام بداية لمرحلة جديدة من النضال، ورسالة عاجله للحكومة والمسؤولين بالالتفات إلى أهالي الجعاشن الذين يأملون حل مشكلتهم ليعيشوا مواطنة متساوية مع بقية المواطنين !!