لم تكن زيارة الدبلوماسيين الأمريكيين برئاسة السيد ستيفن سش، الاثنين الفئات، إلى محافظة حضرموت خارج أجندة التطورات الأخيرة التي تشهدها الساحة الجنوبية، منذ نحو ثلاث سنوات، لكن زيارة الدبلوماسيين الأمريكيين الأخيرة لها أهمية استثنائية عن سابقاتها بحضور سفير واشنطن في صنعاء، بالرغم من التعتيم على أهم ما تناوله اللقاء الذي خصص لقيادات المعارضة (أحزاب اللقاء المشترك). فلا جديد يمكن أن ينتظره المعارضون من لقاء السفير غير الحرص على تبادل الأحاديث المعتادة التي تهيمن عليها الأجواء البروتوكولية، وإسقاط تكليف لمواقف مسبقة، داخل دائرة سياسة الإدارة الأمريكية المرتبطة بالمصالح على المستويين المحلي والإقليمي. الأبعد من ذلك رؤية الأمريكيين عن تصاعد الاحتجاجات في الجنوب، ربما تقرأ بعيون الاستراتيجية الأمريكية المرتبطة بتأثير حجم هذه الاحتجاجات على المصالح الأمريكية في اليمن، وتحديداً في مواقع منابع النفط والغاز المسال اللذين يتركزان في محافظتي حضرموت وشبوة. فالتحرك الدبلوماسي جنوباً لا يستبعد موافقة السلطة التي تفضل اللقاء بالمعارضة كونها أكثر قبولا واعتدالاً من فصائل الحراك الجنوبي ذات الحضور السياسي والجماهيري على امتداد مدن الجنوب.
الدبلوماسية الأمريكية تخشى حساسية "صنعاء" إذا شرعت بمجرد اللقاء مع قيادات من الحراك الجنوبي، لكن كما يبدو لا توجد قناعة لدى الممثلين الأمريكيين للقاء بشخصيات في الحراك الجنوبي، ولا حتى التنديد بتصريحات ضد الاعتقالات وضرب المواطنين المدنيين المشاركين في التظاهرات باعتباره منافياً لحقوق الإنسان والحريات المدنية وتدعم حق النضال السلمي للشعوب المقهورة انطلاقاً من خطاب الرئيس الأمريكي الجديد "أوباما". الثابت أن تأتي معطيات المد السلمي في الجنوب متطابقاً مع أجندة العالم الحر الذي يؤكد على دعم الديمقراطية وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية واحترام إرادة الشعوب، أم أن السيد "ستيفن سش" ينظر لضرب الحركة السلمية في مدن الجنوب من الشؤون الداخلية اليمنية، بينما الذي يحدث في "طهران" مؤخراً من تحذيرات شديدة، ورصد دقيق للأحداث ومتابعة ما يتعرض له المتظاهرون من أنصار السلطة.
ما بعد نتائج الانتخابات الرئاسية الإيرانية ليس تدخلاً في الشؤون الداخلية الإيرانية! أم إن الجنوب لا يمتلك حق طرد الشركات النفطية، وليس له قرار في فتح الأجواء والممرات البحرية والجوية للأساطيل الأمريكية، بمعنى أن المصالح "البرجماتية" في الثقافة الإنسانية الأمريكية تميل للسياسة وتتخلى عن دعم حقوق الإنسان والنضال السلمي للشعوب، لا نطلب فرض حق الوصاية على السيد سش" وطاقمه في السفارة الأمريكيةبصنعاء غير أن العدالة غائبة بصورة ليس لها مثيل تجاه ما يجري في الجنوب.
ولا أعتقد أن الدوائر الأمريكية ترجح الموقف المتخاذل من قبل سفارة واشنطنبصنعاء التي تتجاهل ما يدور في الجنوب بل وغير مكترثة بما يجري منذ ثلاث سنوات بدليل أننا لم نقرأ، ولم نسمع شيئاً من الهمس عن سلسلة المحاكمات والمداهمات الليلية لنشطاء الحركة السياسية الجنوبية السلمية. نريد إفادة واضحة من دون التباس: هل مواقف الصمت المريب من قبل السفارة الأمريكية لما يحدث في الجنوب هو موقف السياسة الأمريكية أم مزاج شخصي للسيد ستيفن؟
أجزم بأن المفوضية العالمية لحقوق الإنسان ومنظمة العفو الدولية مع جميع المنظمات المدنية الإنسانية غير الحكومية من واشنطن ونيويورك ودول الاتحاد الأوروبي لن تتجاهل ما حدث ويحدث على المواطنين العزل في الجنوب إذا أحيطت بمذكرات تفصيلية عن ما يحدث من سفاراتهم أو عبر منظمات المجتمع المدني الناشطة في قضايا حقوق الإنسان في الداخل والخارج.
يعلم السيد ستيفن سش، والسادة في السفارة في صنعاء أن شعب الجنوب قد قرر خط نضاله السلمي في انتزاع حقوقه مهما بلغ حجم التجاهل الدولي تجاه المسيرة السلمية الحية والمتصاعدة جنوباً، لأن القياديين الحركيين الجنوبيين يدركون أنه لا ثابت في المواقف السياسية بين الحين والآخر. إن التصميم على مواصلة النضال ستفرض القضية الجنوبية اليوم أو غداً، فلا خيار أمام القوى الحية بمختلف أطيافها السياسية ومكوناتها الاجتماعية سوى عدم الرهان إلا على الخارج الذي لا ثابت له غير مصالحه في تعامله مع الشعوب المضطهدة.
فبالضغط بالشارع الجنوبي كحركة شعبية سياسية بشكل مستمر ومنظم حتماً ستصل رسالة أبناء الجنوب خارج قنوات أوكار الفساد السياسي الخارجي.