في هذه الحلقة سنتناول وثائق رويتينية تتعلق بالسياسي اليمني يحي جغمان الذي كان ذائع الصيت في الستينات والسبعينات، وتعين كأول سفير للجمهورية العربية اليمنية لدى الولاياتالمتحدة بعد استئناف العلاقات التي كانت مقطوعة بين البلدين. ولمن لا يعرف يحيى جغمان من شباب اليوم، تشير الوثائق الأميركية إلى أنه من مواليد عام 1934 في جحانة عاصمة خولان، وتلقى دراسته خلال المرحلة الثانوية في لبنان ومصر، قبل أن يلتحق بجامعة عين شمس في القاهرة لدراسة الحقوق من عام 1953 إلى عام 1957.
وبعد التخرج انتقل للكويت للعمل في سلك التدريس حتى عام 1959. بعدها سافر إلى الولاياتالمتحدة والتحق بجامعة بوسطن لدراسة العلوم السياسية، ثم عاد إلى اليمن بعد اندلاع ثورة 1962.
وبين عامي 1962 و1963 كان جغمان عضوا في مجلس إدارة البنك اليمني للإنشاء والتعمير الذي أنشأه نائب رئيس الجمهورية الدكتور عبدالرحمن البيضاني، إلى أن تم تعيينه في مايو 1963 نائباً لرئيس البعثة اليمنية الدائمة لدى الأممالمتحدة في نيويورك، واستمر في الأممالمتحدة حتى عام 1967، باستثناء فترة توقف قصيرة عام 1965 تولى خلالها منصب القائم بأعمال السفارة اليمنية في واشنطن، وأيضا في فترة قصيرة عام 1966 عندما استقال من منصبه لأسباب غير معروفة. وفي عام 1967 التحق جغمان بجامعة كولومبيا لدراسة التاريخ والفلسفة الأميركية.
وفي سبتمبر 1968 ترقى جغمان من طالب في جامعة كولومبيا إلى وزير لخارجية اليمن الشمالي، حتى أبريل عام 1969 عندما أصبح ممثلاً شخصياً لرئيس الجمهورية القاضي عبدالرحمن الإرياني. وبين عامي 1969 و1971 تولى جغمان منصب نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية، قبل أن يعود مرة أخرى إلى الأممالمتحدة في 22 يوليو 1971 مندوباً دائماً لليمن هناك.
ويصفه الأميركيون في وثائقهم بأنه شخص بشوش وصاحب نكتة، وروح مرحة، ويكن لأميركا مشاعر صداقة عميقة، كما أنه يتحدث الإنجليزية بطلاقة، وقد تزوج عام 1971 بأميركية كانت تدرس معه سابقاً في جامعة بوسطن. وتشير الوثائق الأميركية إلى أن جغمان كانت تربطه صداقة قوية بالأستاذ محسن العيني وزمالة طويلة، وأن العيني رفض قبول مساعدات مالية سعودية أثناء إقامته في لبنان في ظروف مادية وصفت بالصعبة في ذلك الوقت.
وخارج نطاق الوثائق الأميركية، يؤخذ على جغمان عنندما أصبح في وقت لاحق سفيراً للليمن لدى سويسرا، بأنه لم يكن متعاوناً مع الأستاذ الراحل أحمد النعمان أثناء إقامته هناك للعلاج. وتقول بعض المصادر أن الاستاذ النعمان تعرض لمضايقات كثيرة من السفارة اليمنية في جنيف في عهد جغمان ربما بناء على تعليمات طائفية من الداخل، ولكن هذه قضية أخرى ستبحث في مجال آخر، وسنكتفي فيما يلي باستعراض الوثائق المتعلقة بالأستاذ جغمان: الوثيقة الأولى تاريخها: 18 سبتمبر 1972 برقية إلى وزير الخارجية الأمريكية إلى الوزير من: ماريون سموك- مسؤول العلاقات الخارجية
تعيين يحيى جغمان سفيراً للجمهورية العربية اليمنية لدى الولاياتالمتحدة لقد قامت سفارتنا في صنعاء بنقل طلب حكومة الجمهورية العربية اليمنية إلى وزارة الخارجية بالموافقة على تعيين يحيى جغمان سفيراً لها طالما وقد تم استعادة العلاقات الدبلوماسية. علماً بأننا قد قمنا بعملية دراسة دقيقة لسجلات الحكومة الأمريكية ولم نجد فيها ما يبرر الاعتراض على ذلك التعيين.
توصية: أوصي بتوقيع الرسالة الموجهة إلى الرئيس والمرفقة بالسيرة الذاتية الخاصة بالسيد جغمان.
المرفقات: 1 - رسالة موجهة إليكم لغرض التوقيع عليها. 2 - البرقية رقم (745) من صنعاء.
تم هذا بموافقة: - السيد ديفيس - السيد بك - السيد اثيرتون
وثيقة موجهة من الخارجية إلى البيت الأبيض التاريخ 20 سبتمبر 1972م
سيادة الرئيس إن حكومة الجمهورية العربية اليمنية تود معرفة ما إذا كانت حكومتنا موافقة على تعيين يحيى جغمان كسفير فوق العادة لها في الولاياتالمتحدة طالما تم استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
أعتقد أن تعيين جغمان في هذا المنصب سيكون مرضياً لكم. وفي حالة موافقتكم على هذا التعيين سوف أبلغ حكومة الجمهورية العربية اليمنية بذلك.
وتقبلوا خالص الاحترام وليام. ب. روجيرز
البيت الأبيض واشنطن التاريخ 29 سبتمبر 1972م مذكرة موجهة لوزير الخارجية
الرئيس موافق على وجهة نظركم ويطلب منكم إبلاغ حكومة الجمهورية العربية اليمنية بموافقة حكومة الولاياتالمتحدةالأمريكية على تعيين يحيى جغمان سفيراً ومفوضاً فوق العادة لحكومة الجمهورية العربية اليمنية لدى الولاياتالمتحدة. هنري كيسينجر مستشار الأمن القومي
الوثيقة الثانية برقية موجهة إلى الخارجية الأمريكية مع نسخ موجهة إلى السفارة الأمريكية في لندن، القاهرة، صنعاء، جدة، عدن الموضوع: حوار مع نائب رئيس الوزراء اليمني الأسبق يحيى جغمان
في حوار مطول مع وزير الخارجية في مساء يوم 23 يناير بدا جغمان وهو فاقد العزيمة وغير متأكد مما سيكون عليه مستقبله. حيث كان يشعر بأن المناشدات التي أطلقها هو والسفير السابق محسن العيني في الشرق الأوسط وهنا في نيويورك لم تلق آذاناً صاغية. وقال إنه كاد يفقد الأمل في فرصة قيام حركة جمهورية معتدلة وناجحة في اليمن رغم أنه كان يعتقد أن هناك قوة ثالثة نشطة.
الأحداث في اليمن: أفاد جغمان بأنه يتلقى رسائل أسبوعية من أصدقائه في اليمن وذلك عبر المسافرين والتجار، كما أن تلك الرسائل تصل إليه عبر البريد من عدن وجيبوتي. وأكد بأن هناك قوة يمنية ثالثة عدوانية ليست مؤيدة للملكية ولكنها معارضة للوجود المصري، وأن من أبرز قيادات تلك القوة ابن الأحمر الذي ينتمي إلى قبيلة حاشد، وإن إعاقة النقل والاتصالات قد تم في الشهور القليلة الماضية من قبل هذه المجموعة على الرغم من أن جغمان يعتقد بأنه يروق للملكيين ولحكومة السلال إسناد تلك الأعمال إلى القوى الملكية.
وقد تحدث جغمان مراراً وتكراراً عن تقرير وصله حول قيام القوات المصرية بتدمير قرى بكاملها وذلك كرد فعل على تلك الهجمات.
كما ذكر بأن أخاه الذي كان محافظاً سابقاً لإحدى المحافظات الواقعة جنوبصنعاء قد تم اعتقاله قبل فترة قصيرة.
وقال جغمان إنه هو والعيني قد قاما بمخاطبة العديد من الحكومات في الشهور القليلة الماضية، وإنه يعتقد بأنهم قد تمكنوا من إقناع الجزائر وأثيوبيا والعراق والكويت ولبنان والسودان وسوريا بأن تتحدث إلى حكومة الجمهورية العربية المتحدة بخصوص سياستها في اليمن. ويبدو أن كل تلك الدول قررت عدم إثارة هذه القضية أو أن ذلك قوبل برفض من قبل القاهرة. حيث أن النتيجة كانت أن كل دولة من تلك الدول لم تعر مطالبهم الحالية أي اهتمام. وقد سارع جغمان إلى التأكيد على أنه يشعر بأن مصر تستفيد من سياسة ازدواج المعايير في الأممالمتحدة. انظر مذكرة لندن رقم (5811).
جهود الوساطة الكويتية يشعر جغمان بأن هذه الجهود زائفة، حيث أن مصر تحاول إبقاء جهود الوساطة قائمة لغرض الاحتفاظ بالعلاقات العامة في الوطن العربي.
بخصوص السفير العيني أفاد جغمان بأن العيني يعيش حالياً في بيروت مع زوجته وأطفاله. وأنه لا يمتلك أية أموال. وأنه تم دعمه مالياً في الشهور القليلة الماضية من خلال المساهمات التي حصل عليها من يمنيين يعيشون في الخارج. ولم يذكر ما إذا كان هو أو محسن العيني قد حصلا على أي دعم حكومي. وقد أضاف قائلاً بأن أي منهما (هو والعيني) ليس لديه أي شيء يربطه بالملك فيصل.
السفير المكلف في الولاياتالمتحدة/ الفتيح علق جغمان قائلاً بأنه درس مع الفتيح في مدرسة ثانوية واحدة، وأنه تعرف عليه في الولاياتالمتحدة أثناء دراسته هناك. ووفقاً لجغمان، فإن الفتيح كان طالباً في الولاياتالمتحدة منذ عام 1955 وحتى عام 1964م تقريباً، عاد إلى اليمن كمؤيد للمصريين، حيث أصبح بعد ذلك بوقت قصير نائب وزير، ثم عين بعد ذلك وزيراً في الحكومة. كما تولى أيضاً منصب وزير الزراعة الذي يعد ثاني منصب وزاري له. ولم يكن لدى جغمان شيئاً عن الفتيح سوى السخرية به. وقال بأن سفره إلى أمريكا قد تأخر بسبب حدوث خلاف بينه وبين وزير الخارجية سلام، وكلاهما يريدان تعيينهما في مناصب في الولاياتالمتحدةوالأممالمتحدة، وذلك لأن سلاّم كان يشعر بأن البيضاني سوف يشغل منصب وزير الخارجية بعد فترة وجيزة إضافة إلى المناصب الأخرى التي يشغلها. ومن الواضح أن الفتيح قد حصل على موافقة السلال. ولكن يبدو أن الخلاف امتد إلى القاهرة التي يقيم فيها الفتيح منذ شهرين حيث يفترض أن يسافر إلى الولاياتالمتحدة من هناك.
الموقف الشخصي أفاد جغمان بأنه بقي في الولاياتالمتحدة وأنه لا يزال يحتفظ بمكانته الدبلوماسية من خلال العون الذي يتلقاه من أصدقائه في السفارة اليمنية في واشنطن الذين لا يزالون يعتبرونه أحد موظفي السفارة على الرغم من أنه متأكد بأن ذلك الدعم سيتوقف فور وصول السفير الجديد.
وكان يأمل أن يقوم بمواصلة الدكتوراه في جامعة كولومبيا في هذا الربيع. لكنه غير متأكد مما سيكون عليه مستقبله في أمريكا.
وقد طلب منحة دراسية من دولة الكويت، لكنه قال إنه تم إبلاغه قبل عدة أيام بأنه، نتيجة للمعلومات التي قدمتها مصر للكويت عنه، فإنه لن يحصل على دعم الكويت. وقد طرأت على ذهنه فكرة الحصول على وظيفة في الأممالمتحدة، لكن يبدو أن غروره قد حال دون قيامه بتقديم طلب وظيفي في الأممالمتحدة، وهو لا يعرف الطريقة التي يمكن من خلالها الحصول على عرض وظيفي.
وباختصار، فإن -على ما يبدو- موارده المالية وروحه المعنوية كانت ضعيفة. اندرسون
الصورة الأولى: محسن العيني في مؤتمر صحفي في 20 ديسمبر 1962 بعد اعتراف الأممالمتحدة وبجانبه يحيى جغمان.