بين مئات القبور والأشجار التي تنتشر في المكان، وفي مقبرة يسكنها الأموات ويزورها الأحياء، تشق مياه المجاري طريقها، محاولة الوصول إلى بعض القبور التي تمتلئ بها تلك المقبرة, فتنبعث رائحة كريهة، يتأذى منها الإنسان والحيوان. مقبرة سواد حنش التي تقع تحت معسكر الفرقة أولى مدرع بجوار جامعة صنعاء، تعيش مأساة حقيقية، بعد أن غمرتها مياه المجاري ومخلفات المنازل المجاورة.
ليست هذه المرة الوحيدة التي تعاني منها هذه المقبرة من مثل هذا الاستهتار من السكان، بل عانت ولا زالت تعاني من المهازل المتكررة، والتجاهل المتعمد من قبل الجهات المسؤولة.
منذ حوالي عام أقدم عدد من سكان المنازل المجاورة لمقبرة سواد حنش بتحويل مجرى مياه الصرف الصحي إلى المقبرة، كونها المنفذ الوحيد لتلك المياه، مما دفع المواطنين في المنطقة الذين عجزوا من منع تلك التصرفات للتوجه نحو المجلس المحلي بمديرية الثورة ووزارة الأوقاف لوضع حد لمثل تلك الأعمال.
لم تفلح تلك التحركات لأهالي المنطقة الذين توجهوا بالشكوى إلى المجلس المحلي بمديرية الثورة ووزارة الأوقاف لوضع حد لمثل تلك الأعمال. وبعد مناشدات عديدة عبر الصحف، وعبر خطب الجمعة في المساجد، لينزل حينها المجلس المحلي إلى المقبرة، ونجح للمرة الأولى في منع أصحاب تلك المنازل من تصريف المجاري إلى المقبرة، لكنهم سرعان ما عادوا لتوجيه مجاري منازلهم تجاه المقبرة!
ورغم نزول المجلس المحلي إلى المنطقة أكثر من مرة، فقد اشتكى أصحاب تلك المنازل من عدم استطاعتهم تصريف المجاري إلى أي مكان آخر, بسبب التخطيط العشوائي للمنازل, ما دفع المجلس المحلي إلى إجبار السكان على دفع 50 ألف ريال عن كل منزل مقابل إخراج المجاري إلى الشبكة الرئيسية.
وحتى الآن ومنذ أكثر من عدة أشهر ولا زالت رائحة مياه المجاري تفوح من المقبرة وتزعج القادمين، فضلاً عن إحاطة تلك المجاري ببعض القبور التي طالب الكثير من أقرباء الموتى عبر ال"المصدر أونلاين" الجهات المعنية بحماية القبور من تلك التصرفات ويجب أن تواجهها الدولة بشدة، لأن الاستهانة بالمقابر أخطر من الاستهانة بالدولة نفسها، على حد تعبيرهم.
في المقابل قال أصحاب تلك المنازل ل"المصدر أونلاين" دفعنا مبلغ 50 ألف ريال، فضلاً عن دفع 2000 ريال لعاقل الحارة، ونحن بانتظار المجلس المحلي لتسوية المشكلة.
مخلفات المباني ولم تكن هذه المشكلة هي الوحيدة التي عانت منها مقبرة سواد حنش، التي تعكس مدى استهتار الناس بحرمة المقابر، فضلاً عن تقاعس المسؤولين في المجلس المحلي ووزارة الأوقاف عن الدور المناط بهم.
فقبل أكثر من عام ونصف، تسببت مخلفات بناء تخلص منها أمين عام المجلس المحلي بمحافظة المحويت في إغلاق شبه كامل للمدخل الوحيد للمقبرة. تلك المخلفات تسببت في إغلاق شبه كامل للمدخل الوحيد للمقبرة، وجعلت الوصول إلى المقبرة أمراً صعباً، الأمر الذي دفع المواطنين إلى الاستنجاد بالمجلس المحلي الذي وقف بلا حراك، لأن الشخص الذي قام برمي المخلفات له وزن في الدولة، حتى أن شكاوى المواطنين عبر الصحف -ومن بينها صحيفة «المصدر» وموقع "المصدر أونلاين" قد نشرت شكوى المواطنين في تلك الفترة لم تفلح.
وكانت الحسنة الوحيدة للأشغال العامة هذه المرة، قيامها برفع المخلفات التي كانت تقف حجر عثرة أمامها لسفلتة الطريق المجاور للمقبرة، وهو ما فك كربة المقبرة التي ظلت حبيسة عنجهية بعض المسؤولين وعدم احترامهم لحرمات المقابر.
مياه الأمطار تهدم القبور وكانت المقبرة على حدث ولكن قبل أكثر من 3 ثلاث سنوات، حينما قام ملاك الأراضي المجاورين للمقبرة بتحويل مجرى السيول إلى المقبرة، بالإضافة إلى أن المقبرة لم يكن لها ساقية تخرج الماء من الأرضية التابعة لها.
وبعد سقوط أمطار غزيرة وارتفاع السيول بشكل كبير، غرقت مقبرة سواد حنش، وتهدم أكثر من 50 قبراً كانت مغطاة بالإسمنت، وبعضها هبطت بشكل كبير، واختفت معالمها.
وزارة الأوقاف لم تتجاوب مع ما حدث، ولم تعر ذلك أي اهتمام، وطالبت من أهالي المدفونين بإصلاح قبور ذويهم، وهو ما حدث بعد ذلك من قبل البعض، فيما ظل بعض القبور حتى الآن بلا ترميم، فيما يخشى عدد من المواطنين أن يؤدي انتهاء ملامح تلك القبور إلى قيام القائمين على المقبرة بحفر تلك المناطق مرة أخرى لدفن موتى جدد.
وللأسف فقد أصبحت المقبرة محل استهانة بحرمتها من المواطنين، دون مراعاة حرمة الميت، الذي له حق على كل مسلم. ومتى سيعي المسؤولون في المجلس المحلي وو وزارة الأوقاف ذلك؟ قال شيخ الإسلام ابن تيمية «فإن قبر المسلم له من الحرمة ما جاءت به السنة، إذ هو بيت المسلم الميت ، فلا يترك عليه شيء من النجاسات بالاتفاق ولا يوطأ ولا يداس ، ولا يتكأ عليه عندنا ، وعند جمهور العلماء ، ولا يجاور بما يؤذي الأموات من الأقوال والأفعال الخبيثة ، ويستحب عند إتيانه السلام على صاحبه ، والدعاء له».