يحسب لوزارة العدل الأمريكية أنها أول من رمت بحجر في مياه الاتصالات اليمنية وحركت قضية تهريب المكالمات الدولية وذلك عندما كشفت في أبريل 2009م عن تقديم شركة أمريكية رشاوى لمسؤولين يمنيين مقابل منحها أسعار اتصالات ملائمة في اليمن. الشركة "لاتينود" أقرت أنها قدمت أكثر من مليون دولار في الفترة بين يوليو 2005م وأبريل 2006م كرشاوى متجاوزة قوانين حظر الفساد ولذلك عوقبت بدفع غرامة مالية بقيمة مليوني دولار، وكان رد الجانب اليمني حينها بأن نفت وزارة الاتصالات صحة هذا الاتهام، وتعهدت بإظهار المزيد من الحقائق الدامغة حد وصفها لإماطة اللثام عن هذه الادعاءات وأنها ستلاحق قضائيا مصدر تلك الإشاعات.
مؤخراً أقر وزير الاتصالات المهندس كمال الجبري أمام مجلس النواب بوجود شبهات حول موظفين بخصوص القضية، وقال رداً على سؤال للنائب صخر الوجيه بأن الموضوع قديم، وكأن قضايا نهب المال العام تسقط بالتقادم، وأضاف الوزير أن القضية منظورة أمام النيابة العامة وأن التحقيقات فيها لا تزال جارية، متجاهلاً اعتراف الشركة الأمريكية، والاعتراف سيد الأدلة في الشريعة، ويبدو أن التحقيقات لن تنتهي في محاولة لتمييع القضية وهذا ديدن المؤسسات الرسمية في كل القضايا الحساسة ذات العيار الثقيل والمتورط فيها علية القوم.
الجديد في الموضوع هو ما طالعتنا به وزارة الاتصالات الأسبوع الماضي من إعلان هام جداً وهو أن الوزارة اتخذت العديد من الإجراءات لمنع ظاهرة تهريب المكالمات عبر الهاتف الثابت أو ال CDMA/ GSM، وترجو من الأخوة المواطنين الذين يستلمون مكالمات دولية من أرقام محلية التعاون معها والاتصال على الرقم (170) للإبلاغ لمنع هذه الظاهرة، باعتبارها مخالفة للقانون كما جاء في إعلان الوزارة.
وقد توالت في الآونة الأخيرة الأنباء الرسمية عن ضبط الأجهزة الأمنية لعدد من شبكات تهريب وتمرير مكالمات دولية إلى اليمن بطريقة غير قانونية عبر أجهزة خاصة. والعملية تتلخص باختصار في قيام أشخاص بإبرام اتفاقية مع شركة الاتصالات الدولية الأم تقضي بتسريب جزء من المكالمات الدولية الواردة إلى اليمن إليهم ويتم استقبالها بواسطة أجهزة لاقطة (دشات) وإدخالها أجهزة خاصة تحوي شرائح اتصالات محلية تقوم بتوصيل المكالمة إلى الشخص المطلوب ويظهر الرقم محلي فيما المتصل دولي، وبهذا يستفيد المهربون بهذه العملية من فارق السعر وتقل المكالمات الواردة إلى الشركة اليمنية للاتصالات الدولية "تليمن" باعتبارها محتكرة للاتصالات الدولية، فتخسر ربح هذه المكالمات وتفقد الموازنة العامة للدولة ملايين الدولارات.
ومعلوم أن ممارسة أنشطة تهريب المكالمات الدولية تتم من خلال أجهزة حديثة وتقنية عالية مرتبطة بالانترنت حيث تستقبل مئات المكالمات في الثانية الواحدة بمعنى لن يستطيع شراؤها إلا نخبة من المسؤولين وكبار النافذين وهم وحدهم القادرون على إدخالها إلى البلد سواءً من المنافذ الرسمية أمام مرأى ومسمع الجهات المختصة أو عبر تهريبها بالتواطؤ مع الأجهزة الأمنية، وكما علق أحد المواطنين "نهبوا البر وشفطوا البحر والآن جاء دور الجو".
ثم هل يعقل أن دولتنا عاجزة عن شراء أجهزة حديثة تستطيع من خلالها منع كل المكالمات الواردة إلى الأراضي اليمنية إلى غير "التلكسات" و"الترنسفرات" الخاصة بوزارة الاتصالات؟!
ثمة تواطؤ رسمي في عملية التهريب، والأدهى أن محطات لتهريب المكالمات الدولية ضبطت في إطار ما يسمى حملة القضاء عليها، وبالأخير انتهت القضايا بإطلاق المتهمين مقابل تنازلهم عن الأجهزة بدعوى أنه لا يوجد قانون لمكافحة الجرائم الالكترونية، وطالما أنه لا يوجد قانون فالأصل الإباحة، ولا عزاء لحرمان الخزينة العامة من مليارات الدولارات.
وقد اطلعت صحيفة "الناس" على محاضر جمع الاستدلالات الأولية لإحدى القضايا المطروحة أمام النيابة العامة وفيها تظهر أن المحطة المضبوطة بأحد أحياء العاصمة كانت تابعة لنجل أحد مشائخ سنحان ومع هذا لم يصدر حتى أمر قبض قهري عليه أو مخاطبة رئاسة مصلحة الهجرة والجوازات بالتوجيه إلى من يلزم بسرعة التعميم إلى جميع منافذ وموانئ الجمهورية بمنع سفره أسوة بالعاملين لديه من أبناء تعز، وهكذا العدالة وإلا فلا.
على وزارة الاتصالات أن تثبت جديتها في القضاء على هذه الظاهرة، فمن المعيب أن يظل مشروع قانون الجرائم الالكترونية في الأدراج الرسمية حتى اللحظة، ولابد من اتخاذ مجموعة من الإجراءات حالياً أهمهما تخفيض قيمة المكالمات الدولية كما فعلت سوريا على سبيل المثال لأن ارتفاع قيمتها يغري المهربين (المسؤولين) ما لم فإن الظاهرة ستستمر وستتزايد وكان الله في عون الاقتصاد الوطني.
* على الطريق - أحد الزملاء قال إن ما يقوم به هؤلاء المهربون هو من صميم الشرع الإسلامي الذي يحرم الاحتكار، والاتصالات الدولية محتكرة من قبل "تيليمن" وبالتالي كسر احتكارها واجب، ونحن نعاني من احتكار الدولة للكثير وأبرزها البث الإذاعي والتلفزيوني والانترنت.
- هناك لجنة خاصة بمكافحة تهريب المكالمات الهاتفية لكن يبدو أنها أشبه بالهيئة العليا لمكافحة الفساد. *صحيفة الناس