تقدم بشكوى فاختطفوه.. مليشيا الحوثي في إب تختطف مواطنا ووالده رغم تعرضه لاعتداء    «كاك بنك» يشارك في المؤتمر المصرفي العربي السنوي 2025 بالقاهرة    محطات الوقود بإب تغلق أبوابها أمام المواطنين تمهيدا لافتعال أزمة جديدة    بيان مهم عن عملية كبرى في عمق الكيان    وجّه ضربة إنتقامية: بن مبارك وضع الرئاسي أمام "أزمة دستورية"    أطباء تعز يسرقون "كُعال" مرضاهم (وثيقة)    للمرة الرابعة ..اليمن يستهدف عمق الكيان مجددا    92 ألف طالب وطالبة يتقدمون لاختبارات الثانوية العامة في المحافظات المحررة    بن بريك والملفات العاجلة    هدف قاتل من لايبزيغ يؤجل احتفالات البايرن بلقب "البوندسليغا"    يفتقد لكل المرافق الخدمية ..السعودية تتعمد اذلال اليمنيين في الوديعة    ترحيل 1343 مهاجرا أفريقيا من صعدة    الجوع يفتك بغزة وجيش الاحتلال يستدعي الاحتياط    السعودية تستضيف كأس آسيا تحت 17 عاماً للنسخ الثلاث المقبلة 2026، 2027 و2028.    النائب العليمي يبارك لرئيس الحكومة الجديد ويؤكد وقوف مجلس القيادة إلى جانبه    الأهلي السعودي يتوج بطلاً لكأس النخبة الآسيوية الأولى    لاعب في الدوري الإنجليزي يوقف المباراة بسبب إصابة الحكم    التركيبة الخاطئة للرئاسي    أين أنت يا أردوغان..؟؟    وادي حضرموت على نار هادئة.. قريبا انفجاره    حكومة بن بريك غير شرعية لمخالفة تكليفها المادة 130 من الدستور    مع المعبقي وبن بريك.. عظم الله اجرك يا وطن    اعتبرني مرتزق    المعهد الثقافي الفرنسي في القاهرة حاضنة للإبداع    المعهد الثقافي الفرنسي في القاهرة حاضنة للإبداع    العدوان الأمريكي يشن 18 غارة على محافظات مأرب وصعدة والحديدة    رسائل حملتها استقالة ابن مبارك من رئاسة الحكومة    نقابة الصحفيين اليمنيين تطلق تقرير حول وضع الحريات الصحفية وتكشف حجم انتهاكات السلطات خلال 10 سنوات    - حكومة صنعاء تحذير من شراء الأراضي بمناطق معينة وإجراءات صارمة بحق المخالفين! اقرا ماهي المناطق ؟    - اعلامية يمنية تكشف عن قصة رجل تزوج باختين خلال شهرين ولم يطلق احدهما    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    "ألغام غرفة الأخبار".. كتاب إعلامي "مثير" للصحفي آلجي حسين    تدشين التنسيق والقبول بكليات المجتمع والمعاهد الفنية والتقنية الحكومية والأهلية للعام الجامعي 1447ه    مصر.. اكتشافات أثرية في سيناء تظهر أسرار حصون الشرق العسكرية    اليمن حاضرة في معرض مسقط للكتاب والبروفيسور الترب يؤكد: هيبة السلاح الأمريكي أصبحت من الماضي    أزمة جديدة تواجه ريال مدريد في ضم أرنولد وليفربول يضع شرطين لانتقاله مبكرا    إنتر ميلان يعلن طبيعة إصابة مارتينيز قبل موقعة برشلونة    الحقيقة لا غير    وزير الخارجية يلتقي رئيس بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر    القاعدة الأساسية للأكل الصحي    أسوأ الأطعمة لوجبة الفطور    سيراليون تسجل أكثر من ألف حالة إصابة بجدري القردة    - رئيسةأطباء بلاحدود الفرنسية تصل صنعاء وتلتقي بوزيري الخارجية والصحة واتفاق على ازالة العوائق لها!،    الجنوب يُنهش حتى العظم.. وعدن تلفظ أنفاسها الأخيرة    الفرعون الصهيوأمريكي والفيتو على القرآن    صنعاء تصدر قرار بحظر تصدير وإعادة تصدير النفط الخام الأمريكي    اسعار الذهب في صنعاء وعدن السبت 3 مايو/آيار2025    مانشستر سيتي يقترب من حسم التأهل لدوري أبطال أوروبا    إصلاح الحديدة ينعى قائد المقاومة التهامية الشيخ الحجري ويشيد بأدواره الوطنية    غارات اسرائيلية تستهدف بنى تحتية عسكرية في 4 محافظات سورية    سنتكوم تنشر تسجيلات من على متن فينسون وترومان للتزود بالامدادات والاقلاع لقصف مناطق في اليمن    الفريق السامعي يكشف حجم الاضرار التي تعرض لها ميناء رأس عيسى بعد تجدد القصف الامريكي ويدين استمرار الاستهداف    الكوليرا تدق ناقوس الخطر في عدن ومحافظات مجاورة    من يصلح فساد الملح!    الإصلاحيين أستغلوه: بائع الأسكريم آذى سكان قرية اللصب وتم منعه ولم يمتثل (خريطة)    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اليمن في ويكيليكس.. مستباحة الأسرار منقوصة السيادة..!
نشر في المصدر يوم 28 - 12 - 2010

في ويكيليكس، يظهر النظام اليمني الحاكم على سجيته بعيداً عن رتوش التجميل ومستحضرات إخفاء العيوب التي اعتدنا رؤيته عبرها.

نظام بمعلومات مستباحة، وسيادة منقوصة، وأجندة خارجية مكشوفة، وترتيبات داخلية تتخذ من الخداع أسلوباً ومن التضليل مساراً ومنهاجاً.

النظام اليمني في ويكيليكس، نظام بلا أسرار، لاوجود فيه لفكر الدولة، وليس هنالك أدنى حساب لمصالح الأمة، نظام تنعدم فيه الرؤية الإستراتيجية الحقيقية، وتتوارئ في أولوياته أي حسابات لمستقبل الأجيال القادمة.

لقد بدا النظام اليمني في وثائق ويكيليكس أكثر انكشافاً من نظم أخرى أعمق هشاشة وضعفاً.
حسب ويكيليكس، لاشيء يمكن أن يستعصي على الرصد بالنسبة لعيون السفارة الأميركية بصنعاء، كل شيء في اليمن تحت مجهر الرصد وعدسات الالتقاط ومناظير المتابعة.

تحركات النظام، ترتيباته الداخلية والخارجية، قراراته وتكتيكاته، أنه بالنسبة إليهم كمن يلعب بأوراق مكشوفة المفعول والتأثير سلفاً، ورغم كل ذلك الانكشاف يحاولون إيهامه بالذكاء والدهاء لغايات استدراجية بائنة.

أنهم بالتأكيد ليسوا قليلي الحيلة إذا ما أرادوا حسم اللعبة مع النظام، لكنهم من واقع الوثائق لن يفعلوا ذلك، أنهم يستمتعون بالتهريج الذي نخاله نحن تكتيكاً سلطوياً ذكياً، فهم يوهمونه بخوفهم من تحركاته وتموضعاته الداخلية والخارجية بينما هم في الحقيقة يعرفون عنه ما لا يعرفه عن نفسه بصورة تجعل ذلك الخوف الظاهر محض ادعاء متصنع تقتضيه المصلحة الأميركية العليا.

ببساطة: أنهم يحصلون على أراضٍ جديدة، وينتزعون تنازلات جوهرية، وينالون مرادهم دون أثمان باهضة، بينما يتراجع النظام، وتنحسر قدراته، وتتكبل أدواته، وسط شعور عارم لديه بالندية الزائفة وإحساس طافق بانتزاع مكاسب وهمية لاتساوي شيئاً إذا ما قورنت بالتنازلات المهولة، وهو ما يجعلها أقرب ما تكون إلى المكاسب المعنوية منها إلى المكاسب الحسية والواقعية.

الأدهى أن تلك المكاسب الوهمية، تبدو في كل الوثائق مؤجلة التنفيذ، ليبدو المشهد كما لو أن الاميركان يبيعون للنظام وعوداً تشعره بالندية دون ان يتحقق منها سوى ما يتوافق مع مصالحهم العليا.

إثبات الولاء والجدية
لايمكن للقراءة المتفحصة لوثائق ويكيليكس، إخفاء حقيقة الاستماتة الرئاسية في إثبات جدية التعاون مع الاميركان.
مستويات الاستماتة تُظهر الرجل احياناً كما لو انه متهم يصارع بجسارة لإثبات البراءة والجدية وحسن النية..!

في معظم أحاديث الرئيس مع المسؤولين الأميركيين، لاينفك يؤكد لهم جديته في خدمة السياسات الأميركية وتلبية المطالب العسكرية والأمنية، ومع انه يجتهد حاثاً إياهم على التعامل بالمثل على طريقة (بقدر ما ستتحركون سنتحرك) الواردة على لسان صالح في إحدى الوثائق، إلا انه لايفتئ يقدم خدمات وإثباتات متوالية دون أثمان حقيقية تذكر لصالح البلاد.

ليس في الأمر أي حضور لفرضية السذاجة التي يمكن أن تتخلق للوهلة الأولى، فصالح حتى وان رغب في حصاد أثمان أميركية موازية للتنازلات إلا انه –وفق شواهد الواقع- يفضل الحصول على خدمات شخصية.

فحين يتحدث مثلاً عن ضرورة ان يحصل الجيش على نظام دفاعي أميركي متطور كثمن لإمضاء الرغبة الأميركية في تدمير المخزون الاستراتيجي للجيش من الصواريخ المضادة للطيران، فهو في الواقع لايعني تماماً ما يقول.

إنه يطرح عليهم مقابلاً ندياً طبيعياً وصعباً في البداية، ثم لايلبث ان يتنازل عن كل تلك المطالب في مقابل السماح له بإحداث تحركات داخلية استثنائية كإقصاء الشركاء والانفراد بالعملية السياسية والبطش بالحقوق والحريات ومصادرة الثروات بمعزل عن أي ضغوط أميركية او دولية مفترضة.

من وجهة نظر الرجل، فاليحصل الأميركيون على جل ما يريدونه، حتى لو كان متعارضاً مع ابسط أساسيات السيادة الوطنية، المهم ألاّ يساندوا مطالب المعارضة وان لايقفوا حجر عثرة في طريق مزيد من تكريس الظلم والاستبداد.

بين المطالب الرسمية والشخصية
حين نتأمل في فحوى النقاشات الثنائية بين صالح والاميركان الواردة في الوثائق الويكيلكسية، نجد حضوراً طاغياً لفكرة المقايضة والمقابل، فهو مثلاً يقول للسفير الأسبق توماس كراجسكي: سنتعاون ونقدم خدمات أعلى ولكن أين أدواتي ومعداتي التي طلبتها منكم؟ ويقول في وثيقة أخرى لكراجسكي ايضاً: لكل شيء ثمن، ثم يؤكد في وثيقة ثالثه ان تعاونه معهم سيكون متناسباً مع برنامجهم ويضيف حازماً: بقدر ما تتحركون سوف نتحرك نحن..!

ثمة تجاهل أميركي بائن لمطالب صالح المتكررة، في إحدى الوثائق مثلاً بدى المفاوض الأميركي لينكولن بلومفيلد مساعد وزيرة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية والعسكرية كما لو كان يستخف بصالح ووزارة الدفاع اليمنية، إذ كان يمارس ضغوطاً لإمضاء أجندة أميركية هامة والحصول على تنازلات كبيرة منها تدمير مخزون الجيش اليمني من الصواريخ المضادة للطيران والتزام اليمن بعدم السعي لشرائها مجدداً وذلك دون أن يعرض مقابلاً ملموساً لكل تلك التنازلات، وحين اشتد تذمر صالح من التجاهل الأميركي لمطالبه لم يجد المفاوض لتأكيد جدية الأميركيين سوى الاستشهاد بتسليم القوات الجوية اليمنية أجزاء من قطع غيار طائرة وحيده للنقل!!، قبل ان يستكمل بلومفيلد حديثه، استعاد الرئيس صالح على الفور زمام الكلام مقاطعاً بالقول: نحن بحاجة إلى طائرات هيلوكابتر أما هذه فهي طائرة نقل.

التهكم اليمني من الاستخفاف الأميركي تجلى بوضوح ايضاً حين التقى بلومفيلد بالجنرال محمد علي القاسمي الرئيس السابق لهيئة أركان الجيش الذي عبر عن تهكمه بالقول: هذه الأجزاء الصغيرة لطائرة النقل تمثل أكبر خطوة إلى الأمام لتعاوننا العسكري مع أميركا منذ سنوات..!

حين شعر المفاوض بصعوبة موقفه، لم يجد بداً من اللجوء لاسطوانة الوعود المتكررة في معظم الوثائق، حيث بادر الرئيس بالقول: أعدك أنني سأنظر شخصياً في كل مطالبك عندما أعود إلى واشنطن.

من وحي الوثائق الظاهرة حتى اللحظة، ليس هنالك مايدل على أنهم منحوا الرجل مقابلاً يعادل تعاونه وتنازلاته، أنهم وبعد ضغوطات شديدة يمنحونه نزراً يسيراً على طريقة المُسكن والمهدئ، وهو ما يحتمل احد تفسيرين، الأول: أنهم لايثقون بمستوى تعاونه ويشعرون بتلاعب وانعدام جدية من جانبه، والثاني: إدراكهم لحقيقة المطالب التي يريدها الرجل، لذا لايعيرون مطالبه الرسمية التقليدية أي أهمية تذكر بانتظار مجيء المطالب الاستثنائية ذات الطابع الشخصي والأسري.

الديمقراطية بالنسبة للاميركان لم تعد أولوية
ثمة دلالات كثيرة يمكن استنتاجها من واقع العلاقات الحميمية التي أظهرتها وثائق ويكيليكس بين النظام اليمني وأميركا، إذ كان واضحاً أن ارتباط النظام اليمني ونظم عربية أخرى بأميركا، ارتباط غير تقليدي ويتعدى حدود المسموح به والممنوع في العلاقات التحالفية الندية بين الدول.

يقول محمد حسنين هيكل في آخر حلقات برنامجه الشهير (مع هيكل) على قناة الجزيرة: أن العلاقة الرابطة بين الأنظمة العربية والاميركان –حسب وثائق ويكيليكس- غير طبيعية وتتجاوز حدود المطلوب والمفروض.

وبما ان وصول الأنظمة العربية إلى ذلك المستوى من الحميمية والتشابك الغير طبيعي في العلاقة مع الاميركان يستوجب بالضرورة تنازلات استثنائية على حساب مقتضيات السيادة الوطنية من جانب تلك النظم، فان المقابل الأميركي بالضرورة يجب ان يبدد مخاوف طالبي القرب وخاطبي الود والرضا الأميركي.

ولكن مالذي تخشاه تلك الأنظمة ويتعين على أميركا ان تبدد مخاوفها بشأنه؟ إذا كانت النظم الخليجية تخشى إيران مثلاً، فإن الأنظمة الجمهورية كاليمن ومصر -على سبيل المثال ايضاً- تهاب أي إسناد أميركي او دولي يتغيا تعزيز موقف قوى المعارضة الداخلية التواقة لدفع عجلة التغيير السلمي قدماً.

في حالة اليمن إذن، يمكن القول ان أميركا لاترى في أحزاب اللقاء المشترك بديلاً حقيقياً يستحق الإسناد والدعم ليس لانعدام أهلية تلك الأحزاب وإنما لتأدية الواجب الذي تمليه العلاقة الحميمية مع النظام في صنعاء.

وبالتالي فالتعاطي الأميركي مع المعارضة اليمنية سواء أكانت داخلية او خارجية لن يتعدى مرحلة استخدامها كورقة ضغط والاحتفاظ بها في جعبة الخيارات الممكنة لتحقيق احد أمرين، إما لإثناء النظام عن أي تغريد خارج مقتضيات العلاقة الحميمية، وإما لانتزاع مزيد من التنازلات وتكريس خضوع أكثر عمقاً وانحناءً..!

في الواقع، لاتبدو الإدارة الديمقراطية في البيت الأبيض مهتمة كسابقتها الجمهورية بتعزيز الديمقراطية وتثبيت دعائمها في العالم، بالنسبة لهذه الإدارة ليس مهماً أن تكون النظم العربية راعيةً للديمقراطية، المهم هو أن يكون الاستعداد للتعاون وتقديم الخدمات والتنازلات هو اللغة الطاغية في التعاطي الثنائي مع الاميركان..!

السفارة إذ تتغلغل في المفاصل
لكل دولة أسرار سيادية، غير أن النظام اليمني يبدو –من واقع الوثائق الويكيلكسية- متصدراً قائمة الاستثناءات المحدودة لهذه القاعدة السياسية المعروفة.
في وسع السفارة الأميركية بصنعاء، أن تصل إلى حيث تريد دون عناء أو صعوبات تفرضها موجبات السيادة الوطنية.

إنها باختصار تعرف ماذا يدور في أروقة القصر الرئاسي، وتملك قدرة الحصول على أي معلومات حتى ولو كانت ذات طابع سيادي حساس، عدا عن هذا وذاك فهي تملك صلاحيات لتفتيش مخازن القوات المسلحة والاطلاع على إحصائيات وأرقام مخزون الجيش الاستراتيجي من الأسلحة، كما أنها تستطيع الوصول إلى الأرشيف المخابراتي والحصول على ما تريد من معلومات وأسرار.

في جزئية الاستباحة المعلوماتية، كان لافتاً تكرار الإشارة في الوثائق الويكيليكسية إلى ظاهرة عملاء الاستخبارات المركزية الأميركية المنتشرين في معظم مؤسسات الدولة.
حسب الوثائق، فان وجودهم يطال القصر الرئاسي نفسه الذي يبدو ناضحاً بالعشرات منهم ..!

في إحدى الوثائق المُسربة التي نشرها المصدر أونلاين مثلاً، ينقل أنجي برايان نائب السفير الاميركي بصنعاء في برقية بتأريخ 28/12/2009م عن مسؤول مقرب من الرئيس وتربطه علاقة وثيقة به معلومات حول دوافع الرئيس صالح من إقحام السعودية في حرب صعدة.

وفي وثيقة أخرى بتأريخ 4/8/2009م تحمل إمضاء السفير السابق ستيفن سيش، ونشرها موقع المصدر أونلاين، يكشف مسؤول كبير في وزارة الدفاع اليمنية للسفير الأميركي عن سر عسكري مصنف كأحد أسرار الدولة العليا، بتأكيده أن الوزارة تمتلك مخزوناً استراتيجياً من صواريخ (manpads) المضادة للطيران، وبحسب الوثيقة المُسربة فان ذلك المسؤول أدلى بهذه المعلومة رغم علمه المسبق بتصنيفها كسر من الأسرار العليا للدولة، علماً أن قانون الخدمة في القوات المسلحة والأمن يحظر على منتسبي القوات المسلحة وأجهزة الأمن الإدلاء بأي معلومات تتعلق بأسرار وعتاد وتحركات الجيش.

الوثائق تؤكد تحليلات الصحافة المحلية
عززت وثائق ويكيليكس واقعية تحليلات وتناولات صحافية سبق لها الاجتهاد في محاولة لكشف الغموض عن سياسات النظام إزاء بعض القضايا والأحداث الداخلية.

في قضية حرب صعدة مثلاً، تؤكد الوثائق ما كانت بعض التحليلات قد ذهبت إليه حول عدم رغبة الرئيس علي عبدالله صالح في إنهاء الجولة السادسة من حرب صعدة، إذ تشير الوثائق إلى أن الرئيس كان يريد لها الاستمرار لتحقيق جميع أهدافها الظاهرة منها وغير الظاهرة.

تقول إحدى الوثائق مثلاً: إن الحوافز المالية الكبيرة المتعلقة بالمشاركة السعودية في الصراع تعني أن صالح متحفز لإطالة أمد الحرب في صعدة بدلاً من السعي لإيجاد حل.
وثيقة أخرى بتأريخ 16/11/2009م وإمضاء السفير ستيفن سيش، تؤكد مضمون سابقتها حيث تقول الوثيقة: ان صالح هو المستفيد الأكبر من التطورات الأخيرة في صعدة إذ انه حصل أخيراً على الدعم السعودي المباشر سياسياً ومالياً وعسكرياً.

من بين التحليلات الصحافية التي جاءت الوثائق لتضفي عليها صبغة التأكيد، حقيقة وجود انقسام سعودي بين أقطاب العائلة المالكة حول التعاطي مع اليمن وأجنحة الحكم فيه، إذ سبق لتحليلات صحافية أن أكدت وجود ارتباط وثيق بين الرئيس علي عبدالله صالح والملك عبدالله بن عبدالعزيز يتعارض مع اتجاه الأمير سلطان بن عبدالعزيز والجنرال علي محسن الأحمر.

تقول وثيقة مصنفة بواسطة انجي برايان نائب السفير الأميركي بصنعاء: إن الغياب الطويل لولي العهد السعودي الذي يرأس اللجنة الخاصة بشؤون اليمن يثير تساؤل الرئيس صالح حول من يتولى ملف اليمن.
وتستطرد الوثيقة: وقد ترك هذا الغياب لولي العهد ملف اليمن بيد الملك عبدالله الذي يثق كثيراً في دوافع وقدرات صالح القيادية.

الوثائق أكدت ايضاً مضمون تحليلات صحافية سبق لها الإشارة إلى محاولات صالح لتغيير السياسات البروتوكولية التي تنتهجها اللجنة السعودية الخاصة في التعاطي مع النظام اليمني.

حيث جاء في ذات الوثيقة النص التالي: وقد أخفى أعضاء اللجنة السعودية المختصة بالشؤون اليمنية شكوكهم في قدرات صالح القيادية منذ غياب الأمير سلطان.

بعبارة أخرى، فاللجنة التي كانت أثناء وجود الأمير سلطان توجه انتقادات لاذعة لصالح وتجري ترتيبات مناوئه لنظامه لم تعد –بعد غياب الأمير سلطان- قادرة على انتهاج ذات السياسات الضدية، وهو ما يعني نجاحاً جزئياً للرئيس صالح في تعليق عمل اللجنة الخاصة بالاستراتيجيات العدائية تجاه اليمن في مرحلة غياب سلطان وذلك عبر استغلال علاقته الوثيقة مع الملك وربما عبر تكريس مزيد من التباينات والخلافات بين عبدالله وسلطان.

التأكيدات الويكيليكسية لمضامين تحليلات الصحافة اليمنية لاتقتصر على آنف الأسطر فحسب، إذ تعزز الوثائق ما كانت بعض التحليلات في الصحافة اليمنية قد أشارت إليه بخصوص موقف الأمير سلطان بن عبدالعزيز من حرب صعدة، حيث لم يكن يرغب في التدخل المباشر في الحرب، وحسب الوثيقة آنفة الذكر فإن التدخل السعودي في الحرب تم بدافع من الملك عبدالله تلبية لرغبة الرئيس صالح.

تهميش مستشاري الرئيس
من بين معلومات الوثائق المتعددة تبدو أزمة مستشاري الرئيس أبرز العناوين الحاثة على الاستيقاف والتأمل، فالواضح أن الرئيس بات يميل للتفرد بصنع القرارات وطباخة جانب واسع من السياسات دون الاستعانة بآراء مستشاريه الكُثر.

في الواقع لا يعبر التفرد الرئاسي عن إحساس بالعبقرية والدهاء الذاتي الذي يغني عن الاستعانة بعقول وخبرات الآخرين، للمسألة هنا أبعاد تتصل برغبة الرئيس في تقليص نفوذ مستشاريه القدماء وإبعادهم تدريجياً عن المساهمة في صنع السياسات والاشتراك في ابتكار الحلول والمعالجات.

مبررات الرغبة يمكن لها أن تتمحور في مانشيت عريض: يريد الرئيس لنفوذ الأولاد أن يتعاظم بالتقادم، وهو ما يستوجب بالضرورة إخضاع نفوذ القدماء لطائلة الخفض والتحجيم عبر منعهم من الاطلاع على كل الإسرار بموازاة تجاهل أرائهم وترحيل مشوراتهم الى سله المهملات.

في ويكيليكس إشارة واصفة لأزمة التهميش التي يعانيها مستشاروا الرئيس، حيث تؤكد وثيقة بتأريخ 28/12/2009م ان الانتقادات الموجهة إلى الرئيس صالح من قبل مستشاريه المقربين تضاعفت على نحو غير مسبوق في الأشهر القليلة الماضية، وبحسب الوثيقة فان شخصيات موالية للرئيس لفترات طويلة بالإضافة إلى مساعدي مكتب الرئاسة ومستشاريه المقربين كل هؤلاء باتوا يوجهون إلى سياساته انتقادات غير مسبوقة وهو ما يعني ان الرجل لم يعد يأخذ باستشارات هؤلاء او يقيم وزناً لآرائهم.

ارتياح من (NSB) وانزعاج من (POS)..!
كان لافتاً حضور جهاز الأمن القومي اليمني (Nsb) في كثير من تقارير السفارة الأميركية الموجهة إلى وزارة الخارجية.
لقاءات عدة، وأحداث مختلفة، ومناسبات كثيرة، بدا فيها الجهاز –من خلال الوثائق- ابرز المؤسسات اليمنية تعاوناً واقتراباً من الاميركان.

قد يبدو الأمر مبرراً للوهلة الأولى بالنظر إلى كون الجهاز مختصاً في تأمين الجمهورية خارجياً، أي انه –بتعبير آخر- المعني بالاشراف على تنفيذ اتفاقيات التعاون الأمني الثنائي بين البلدين وعلى وجه التحديد ما يتعلق منها بالشراكة اليمنية مع الاميركان والمجتمع الدولي في مكافحة ما يسمى الإرهاب.

غير ان الموقف -بالتمعن في فحوى وثائق أخرى- يحتمل قراءات متعددة لسببين، أولهما: الانزعاج الأميركي الذي بدا واضحاً من جهاز الأمن السياسي (Pos)، والثاني: ظهور الأمن القومي في تعاطيه مع الاميركان كمن لايستطيع التفريق بين المعلومات السيادية (المحظور تبادلها) والمعلومات السرية القابلة للتبادل.

في وثيقة بتأريخ 30/10/2007م أعدتها فرانسيس تاونسند مساعدة الرئيس الأميركي للأمن الداخلي ومكافحة الإرهاب، كان ارتياح الاميركان جلياً من الأداء العملياتي والاستخباري لجهاز الأمن القومي، حيث تقول تاونسند للرئيس صالح في الفقرة الثامنة من الوثيقة: إن جهاز الأمن القومي يقوم بعمل جيد على الرغم من كونه لايزال جهازاً فتياً.

الارتياح من القومي سرعان ما يتحول في الوثيقة إلى انزعاج عند مجيء تاونسند على ذكر جهاز الأمن السياسي، حيث جاء في الوثيقة ان تاونسند أبدت تذمرها من ضعف تعاون جهاز الأمن السياسي مع الجانب الأميركي وبالأخص ما يتصل بالمطالب الأميركية المتوالية حول السماح باستجواب قيادات القاعدة في سجون الجهاز، وتضيف الوثيقة: وحول ضعف تعاون جهاز الأمن السياسي رد الرئيس علي عبدالله صالح قائلاً ان تعديلاته الدستورية المتقرحة مثلت الخطوة الأولى في معالجة هذه المشكلة على اعتبار ان الدستور لا يسمح بتسليم او محاكمة او استجواب مواطنين يمنيين على يد سلطات أجنبية.

وتستطرد الوثيقة: وبعد نقاش عميق بين الرئيس مع وزير الخارجية القربي بلور الرئيس إجابته مضيفاً ان جهاز الأمن السياسي لديه تعليمات بالتعاون والاستجابة بشكل سريع إلا أن وكلائه أصبحوا كباراً في السن ملمحاً إلى رئيس جهاز الأمن السياسي غالب القمش.

وتختم الوثيقة بالملاحظة التالية: لقد كان القمش محل نقاشات متوترة احياناً بين تاونسند وصالح في الماضي.

وفي وثيقة أخرى بتاريخ 4/8/2009م أعدها السفير سيش ثمة تأكيدات على ان (NSB) منح معلومات مجانية حساسة للاميركان حول المخزون الاستراتيجي للجيش اليمني من صواريخ (MANPADS) المضادة للطيران.

تقول الوثيقة: ان مسؤولي الأمن القومي أكدوا امتلاك وزارة الدفاع اليمنية لصواريخ مضادة للطيران وأعربوا عن شكهم في ان الوزارة ستقبل العرض الأميركي بتدمير هذه الصواريخ.

وبحسب الوثيقة فان وزير الدفاع الجنرال محمد ناصر احمد أكد عدم امتلاك الوزارة لأي صواريخ مشيراً إلى أنها قد سلمت ما كان لديها إلى الأمن القومي الذي سمح للاميركان بتدميرها وتفكيكها.

ربما كان الأمن القومي ينفذ تعليمات عليا بهذا الخصوص، وربما كان يرى في مخزون الوزارة خطراً قابلاً للانتقال إلى أيدي الإرهابيين، وربما كان يتعامل على أساس ان الأميركيين لديهم علم مسبق بمخزون الوزارة ولا جدوى من الإنكار لاسيما عقب إفادات مسؤول كبير في وزارة الدفاع بوجود تلك الصواريخ، غير ان كل ذلك من وجهة النظر القانونية لم يكن يجيز إطلاع الأجانب على معلومات مصنفة كأسرار عسكرية حساسة.

وماذا بعد
بوسعك كقارئ للأحداث ومحلل يتغيا تقييمها ورصد أبعادها وكشف دلالاتها، أن تضع تقييماً أولياً مكتملاً عن النظام اليمني الحاكم بالاستناد إلى عشر وثائق فقط من موقع ويكيليكس..!

طرائق اتخاذ القرار، طبيعة النهج المتبع في تقييم الأحداث الداخلية والخارجية والتعاطي معها، وسائل التلاعب واستخدام أساليب المقايضة، سهولة كشف الأسرار السيادية، غياب التخطيط الاستراتيجي، اضمحلال فكر الدولة لدى صناع القرار ومهندسي السياسات الداخلية والخارجية، نمط التفكير الرئاسي.. عناوين كثيرة يمكن ربطها في قالب تحليلي قادر على إنتاج صورة افتراضية تكشف حقيقة النظام القائم كما لو أنه كتاب مفتوح..!

إذا كانت عشر وثائق من ويكيليكس فقط أفلحت في إزاحة ما نخاله نحن سواتر متضخمة حالت دون معرفة إحداث ما خلف الكواليس، بصورة جعلت النظام يبدو مكشوفاً مستباح الأسرار منقوص السيادة، فكيف سيكون الحال لو ان كل الوثائق الأميركية عن اليمن طالتها يد التسريب على طريقة (وما خفي كان أعظم)؟ أيها السادة لكم أن تتخيلوا المشهد وكفى..!
* عن حديث المدينة بالاتفاق مع الكاتب والصحيفة.
لقراءة نصوص وثائق ويكيليكس التي ينشرها المصدر أونلاين عن اليمن، اضغط هنا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.