كم ابتهج عشرات من معارضي نظامنا وهم يشاهدون الرئيس التونسي زين العابدين بن علي ترتعد فرائصه أمام الشاشات وهو يعلن أنه لا رئاسة مدى الحياة وتشكيل لجنة تقصي حقائق ومنح حريات إعلامية وغيرها. ظهرنا بلهاء ونحن منتشين بتلك اللحظات، وكأننا كنا نبحث عن رجال تونسيين ليشعلوا لنا ثورة مطالب عارمة، وكأن التونسيين سيحررونا مما نحن فيه. فما أضعفنا، وما أتفه أحلامنا...
"بشر كالحصى صالحون إلى عام ألفين"، كما قالها أحمد العواضي، وكأنه كان ينجم لوفاة الروح الآدمية اليمنية مع نهاية الألفية، وهانحن نقف فرحين بالانتصار الوهمي للشعب التونسي على رئيسه.
أتذكر ما حدث في العام 2005 حين انتفض الشعب هنا انتفاضته الأخيرة عقب رفع الدعم جزئيا عن المشتقات النفطية، وتحمسنا وأسميت ب "ثورة الجياع" حينها، وملأنا صدورنا بزهو الثوار لأربعة أيام غير أن دم بارد لجنود جائعين فتك بالدم الثائر لمواطنين جائعين أيضا فقتل قرابة مائة شخص.
أجندة الجائعين اليمنيين في العام 2005 كانت غير مفهومة وغير مرتبة، وثورة عاجلة لإيقاف رفع أسعار الوقود وتمكن الرئيس علي عبدالله صالح من إخماد نار التظاهرات برصاص الجنود وبتخفيض 100 ريال من على دبة البنزين ومثلها على الديزل، وكان ذات الخطاب الذي ردده علي اليمن وبن علي تونس ضد المتظاهرين.
غضب التونسيين جاء لقضية بطالة وجوع وفقر ولا عدالة وتضييق سياسي وإعلامي وكبت.. ثم إن التونسيين لا يملكون ربع الأحزاب المعارضة التي نملكها وربع قوتها أيضا.
في اليمن يرى الغاضبين من النظام إن على المعارضة أن تخرجهم من أنفاق السلطة المظلمة، بينما في تونس ركِن الشعب إلى نفسه ففعل ما فعل.
يبدوا أن الحراك الجنوبي حين بدأ فكرة النزول إلى الشارع كان قد تخلى عن الركون إلى الأحزاب، وبغض النظر عن الأخطاء والأفكار لكنها في النهاية تعبير عن حالة غضب قد أودت بالسلم الاجتماعي في اليمن، وأجبرت الجميع على المرور من طريق تعز إذا فكروا بزيارة عدن.
علينا أن نعي أن تونس للتونسيين، ونحن مرهونون بنا نحن كيمنيين حتى لو سقط "بن علي" وغادرت أسرته إلى كندا كما نشر، إلا أننا مكلفين نحن بانتزاع حرياتنا وبأثمان قد تكون باهضة، واليمن ليست تونس بالطبع.
وبما أن الرسالة التونسية قد وصلت لجميع الكراسي العربية المتجمدة فعلينا أن ندرك أن "بن علي" و20 بن علي آخر محترفوا إطفاء حرائق، لذلك قد يكون نجح "بن علي" تونس في تهدئة الشارع، وقد يطول الأمر قبل أن يكتشف الشارع كذبة "بن علي" الجديدة، أما نحن فقد سئمنا من إطفاءات "علي" هنا.
لنعي جيدا أن اليمن ليست بحاجة لتونسيين يوقظون جذوة قهر الفقر فيها، ولا يكفي أن ننتشي لرعب بن علي، بل يجب أن نعرف كيف تنتزع الحقوق، لا أن ننام مطمئنين أن شعبا آخر سيثور بالنيابة عنا.