عندما نجحت ثورة الشباب في تونس، نزل شبان مصريون إلى شارع فرعي في القاهرة، وهتفوا: "ثورة ثورة حتى النصر.. ثورة ف كل شوارع مصر". حينها لم يتجرأ أحد، على الأقل في اليمن، بالتنبؤ بأن التالية هي مصر. ثار شباب مصر، وأسقطوا نظام حسني مبارك؛ وفي ليلة تنحي مبارك، خرج شباب اليمن. 10 أيام، وصنعاء تشتعل نهارا، وتعز ليل نهار، ثم لحقتهما عدن. شباب طامحون وتواقون للتغيير، تحمّلوا هراوات البلاطجة ورصاص الأمن، وقنابل المرتزقة. لا بأس، فما زال شباب تعز مرابطون وشباب عدن يواجهون، بصدورهم الحرّة، رصاص الجنود، وشباب صنعاء يواجهون الجنابي والهراوات نهاراً فقط. وحين خرجوا في وقفة احتجاجية لإدانة القتل الذي تعرض له شباب عدن في أول يومين خرجوا فيهما، انهالت عليهم الهراوات ومحاولات الاغتيال داخل سيارات الإسعاف. الخروج للاعتصام في العاصمة والمطالبة بإسقاط النظام أمر سيسبب مجزرة حقيقية إذا ما أخذنا بالاعتبار اجتماعات الرئيس صالح مع شيوخ القبائل، وإذا ما افترضنا أن السادة المشائخ، سيقبلون لبس ثوب الجريمة ضد الشباب العزّل. ما حدث في تونس ومصر، أنبأ عن تحوّل مرتقب في البنيات الديمجرافية للشعوب العربية، لذلك، ظهر ذات يوم من يرفع لافتة أمام جامعة صنعاء تطالب برحيل "البراغلة". لا بدّ أنها كانت أسوأ فكرة ينفذها أنصار الرئيس صالح. لم تشكل تلك الفكرة السيئة خطراً على مسيرة التحول الديمجرافي، فقد انضم المزيد من شبان المحافظات الجنوبية إلى شبان تعز، وقرأنا في المستجدات تطوراً في رغبة مكونات المجتمع اليمني في الاندماج الأخوي كشعب واحد، وليس كأبناء مناطق متمايزة. وإن على نار هادئة، تسير ثورة الشباب ورغبتهم في التغيير، حتى بعد أن شعروا بخذلان أحزاب المعارضة "المشترك"، عندما شاعت موافقتهم على الحوار مع السلطة والتخلي عن الشعب، استمر الشباب في صمودهم، متمسكين بالطابع السلمي لتظاهراتهم. انضمت محافظات قبلية كالبيضاء، ومحافظات متخففة من الطابع القبلي كإب والحديدة، إلى المطلب المرفوع على لافتات الشباب: "رحيل النظام". تعهد حسين الأحمر بحماية المتظاهرين عبر قبائل حاشد، ولم يرق لكثير من الشباب هذه المبادرة، إلا إذا كانت مقاتلو حاشد سينزلون إلى الشارع كمواطنين مطالبين بالتغيير، وبالتالي، الاندماج مع مكونات الشعب اليمني. وبالعودة إلى "المشترك"، فقد بدا تصحيحه لموقفه إزاء الحوار في ظل خروج الناس إلى الشوارع، بارقة أمل للمتظاهرين في أن لديهم غطاءً سياسياً يحميهم من احتمال تعرضهم لإبادة، كما يحدث في ليبيا. كان ذلك قراراً موفقاً لأحزاب المشترك. الآن ما الذي يحدث؟ خرج عشرات الآلاف إلى أمام جامعة صنعاء، ولم يتجرأ البلاطجة من الاقتراب في بداية الأمر. قالت التقارير الميدانية إن المعتصمين خرجوا بحماية أحزاب اللقاء المشترك، وإن شباب حزب الإصلاح هم الأكثر حدّة، وهذا يشير إلى حماية وفرها الشيخ حميد الأحمر بحكم ثقله السياسي والقبلي في صنعاء. من الجيد أن تأتلف مكونات الشعب وتغطيهم الأحزاب، لكن أي انحراف في سير الأحداث سيعيق عملية التحول التي يفترض أن تحدث كنتيجة طبيعية للتحولات العربية وعلى خلفية ما عاشته اليمن من انقسامات. أيام قليلة بعد ثورة مصر لاحظنا خلالها كيف التفّت مكونات الشعب اليمني حول بعضها، لكن الجريمة الأبشع، ستحدث إذا أعيق هذا التحول. سيتحمل الجرم التاريخي من يسهم في حرف التحولات عن مسارها، لأن التحولات إذا أعيقت، لا تعرف التوقف، بل الانفجار. فكرة على عجالة، لكني أتمنى التقاطها بدون إساءة فهم.