الغرب كذاب بامتياز، من أوروبا إلى أمريكا وكندا وصولا إلى أستراليا، فهو الذي صك العبارة الشهيرة " لدينا مصالح دائمة لا أصدقاء دائمون"، ولا يتردد عن التخلي عن "الحلفاء" ويقفز من ضفة إلى أخرى دون خجل أو حياء. الثورات العربية في تونس ومصر وليبيا "كشفت الطابق" ووضعت الغرب في المعمعة ولم يستطع أن يخفي كذبه وهو الخبير بالمؤامرات والدسائس والحيل والشواهد على ذلك كثيرة خلال الشهرين، ونبدأ من فرنسا التي عرضت على الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي إرسال خبرات أمنية لمساعدته قبل أسبوع واحد من سقوطه، قلبت له ظهر المجن، وهي سقطات عبر عنها السفير الفرنسي في تونس ووزيرة الخارجية الفرنسية "المخلوعة"، ولم ترفع فرنسا الغطاء عن زين العابدين إلا عندما هرب، وتوجه بطائرته إلى باريس من دون اتفاق مسبق، فطلبوا من الرئيس الهارب تغيير وجهة طائرته إلى دولة أخرى، رغم انه صديق وفي لفرنسا قدم لها خدمات لا تقدر بثمن، فباريس لا تستطيع احتضان "صديق سابق" يحمل صفة الرئيس المخلوع، فما كان من بن علي إلا أنه غير وجهة طائرته التائهة في الجو، وعندما احتاج الرئيس المخلوع إلى تزويد طائرته بالوقود، فوق جزيرة سردينيا الإيطالية، وهي حليف سابق أيضا لبن علي، اشترط عليه الإيطاليون أن يغادر مباشرة بعد أن يملئ خزان طائرته في مدينة كالييري لأنهم "لا يحتملون وجوده"، فرئيس الوزراء الإيطالي بيرلسكوني غارق في مشاكله مع "القاصرات"، ولا يحتاج إلى المزيد من المشاكل. الغرب الذي أفلتت منه تونس حاول أن "يلملم" الوضع في مصر، بعد أن ثار شباب 25 يناير واحتلوا ميدان التحرير، وحاولت أمريكا أن ترتب الأوضاع لخلافة مبارك، عبر الرجل الذي كان قويا "عمر سليمان"، ولم تفلح، وحاولت من خلال الجيش ولم تفلح، وعندما أيقنت أن أهم حليف لأمريكا والغرب في العالم العربي على وشك السقوط رفعت عنه الغطاء، وخرج الرئيس الأمريكي ليمدح "الثورة المصرية النموذجية واعتبرها درسا يجب أن تتعلم منه الشعوب". الغرب الذي فقد حليفين مهمين قدما له مهمات "لا تقدر بثمن"، وذهل عندما وجد أن الثورة تمتد إلى ليبيا التي يقودها العقيد معمر القذافي، فقرر أن لا يتدخل لأنه لا يريد أن "يزعج" العقيد كما قال "كازانوفا القاصرات" بيرلسكوني ومنحت أوروبا بضغط من إيطاليا القذافي يومين للقضاء على "التمرد"، وتذبذبت الولاياتالمتحدةالأمريكية بمواقفها وكذلك بريطانيا وفرنسا، فهي تريد العقيد، لكن اللعبة خرجت من أيديهم، وعندما أيقنوا أن العقيد "ساقط" لا محالة، تشددوا في مواقفهم الكلامية وإجراءاتهم ضده. يفترض نظريا أن القذافي "الثوري الأممي المعادي للرأسمالية والامبريالية الغربية" انه عدو للغرب وأنه سيكون سعيدا بسقوطه، لكن الأحداث أثبتت أن العقيد لم يكن عدوا بل كان صديقا نافعا يملأ أفواههم بالنفط وخزائنهم بالمال ويضمن مصالحهم بأرخص الأثمان، لذلك منحوه الوقت لكي يتصرف، لكنهم غيروا وجهتهم مرة أخرى عندما وجدوا أن رياح الثورة تهب على طرابلس بعد أن احكم الثوار قبضتهم على معظم المدن الليبية. الغرب الذي يتحدث عن حقوق الإنسان والديمقراطية والحرية، ليس له أي مصداقية في العالم العربي، فهو براغماتي نفعي بلا أخلاق، الثابت الوحيد عنده في عالمنا العربي صداقته ورعايته واحتضانه لإسرائيل، وهمه الوحيد أن يستنزف نفط العرب وأموالهم وثرواتهم، لا يهمه من يحكم إذا ضمن له ذلك، وهذا ما يضع الحكام العرب في الزاوية الحرجة داخل المربع الصعب، فكما تخلى الغرب عن مبارك وبن علي والقذافي في "ليلة ما فيها ضوء قمر"، سيتخلى عن أي حاكم آخر إذا تيقن أنه على وشك السقوط، و"سيذبحه على السكين"، ويمنعه من السفر ويجمد أمواله، أو بالأحرى "أموال الشعب التي نهبها"، هذه الوقائع توصلنا إلى الحقيقة التالية، إن على ما تبقى من الحكام العرب التحالف مع شعوبهم فالغرب لن يحميهم، وصرف الأموال على مواطنيهم بدل إيداعها في بنوك الغرب، فالغرب لا يتردد عن تجميدها أو مصادرتها، فهو لا يعترف بصديق أو قيم أو أخلاق، وعندما يتحدث عن القيم والأخلاق والمبادئ علينا أن نقول له "اخرس"، فنحن نعرفك على حقيقتك.