من ينقذنا من غول وظلم السلطان وجوره , الواقع لا يبشر بالأمل البتة , زيارات الرئيس لزعماء القبائل لكسب الود , وقمع واعتقال وسجن وتعذيب المتظاهرين , وتمرير قوانين تشرع لرجل الأمن قتلهم , وأخرى تجيز للسلطة التصنت على مكالمات المواطنين , واستخدام البلاطجة, كل شيء ما يزال ضبابيا وقاتما , رغم الاتفاقات والوعود التي أطلقها الرئيس , لا مجال للشفافية والمصداقية , فالسياسة لعبة قذرة , وحامي حمى الكرسي يحرق بنارها الشعب - الساعي للتغيير - ولا دوافع أخلاقية ترده عن ذلك , ما دامت الغاية تبرر الوسيلة . يبدو أن كل شيء ما يزال يسير وفق هوى السلطان , مخططات تدفع نحو الغليان ومزيد من الكبت , كل شيء يدل على عقلية التمديد والبقاء والشمولية , واقع البلطجة القمعية , لا ينبئ , بل يؤكد أن لا شيء يمكن أن يتحقق إلا بالتغيير الجذري لهذه السلطة الاستبدادية التي أفسدت علينا كل جميل في الحياة , كل شيء لا يثبت حسن نية العصابة , ثمة مهزلة تدار , واستخفاف بالشعب , فرغم وعود رأس الفساد ورسالته للقاء المشترك , إلا أن سياسة استخدام العصا والحجر والهراوة والبندقية في مواجهة المواطن , تحكي لنا ما يدار خلف أكمة النهدين من مخططات قمعية تفسر لنا هراء الخطابات المراوغة , والوعود الثعلبانية الماكرة , التي يبدو أنها استهلاكية , لكسب مزيد من الوقت وليس نحو مزيد من حرية وأمن واستقرار ورفاء المواطن . يظهر أن نظامنا الذي هزته كلمات " الشعب يريد إسقاط النظام " بات يمثل صورة مصغرة لنظام مبارك القمعي المخلوع - وبحسب هيومن رايتس " اقتبس النظام اليمني من كتاب مبارك منتهي الصلاحية في كيفية التعامل مع الاحتجاجات " - فهو يفكر بنفس بلادة التفكير القمعي وعقمه , لم تسترعه نهايات الزوال المدوي لنظام مبارك وبن علي وما يجري اليوم للقذافي من انتصار الشعب على الهراوة والبندقية , ولم يفهم أن جلاد اليوم قد يصبح مجلودا غدا , نظامنا وبلاطجته يمارس فقط هواية القمع دونما اتعاظ , نظامنا مازال يوهم بالمحاورة من جانب ويتعامل بلغة القوة من جانب آخر , ولا أدري كيف للمشترك وهو صاحب باع طويل من التجارب المريرة مع النظام أن تنطلي عليه لعبة التنازلات الوهمية وعروض اللاءات التي يكذبها واقع الجماهير التي تواجهها السلطة بقوة الخوف من السقوط , ولو كان الأمر جادا لما ووجه شباب التغيير بالرصاص والقنابل الحية , ولأثبت رأس النظام مصداقية زهده في البقاء بترك المشاعر الملتهبة تعبر عن نفسها دونما مواجهة أو إرهاب أو اتهام بالعمل لصالح أجندات خارجية . اللقاء المشترك على محك الاختبار الصعب , إما أن يقف مع حركة الجماهير وقوفا مطلقا أو أن يسقط في مزبلة السلطة فيحترق غير مأسوف عليه , إلى الآن مع الأسف مازال موقفه ضبابيا , قدم مع السلطة وأخرى مع الشعب عين على الحوار مع النظام وأخرى مع الثورة الشعبية , لم يدر أن الوقوف في المنطقة الوسطى يعني خذلان لثورة الشارع , ويبدو أنه مع تمادي الرئيس في الرد على شروطه للحوار دعا أو أعطى – على استحياء - جماهيره ضوءا أخضرا للمشاركة في الاعتصامات والتظاهرات الشعبية لكنه لم يعلنها إلى الآن صراحة وهذا لايكفي , نحن ننتظر منه الكثير, حتى لا تصدق فيه مقولة الشارع الشعبي التي تسمه بالضعيف , والمصلحي , عليه الاختيار بين مقولة الشارع ومواصلة سير المفاوضات العاثرة مع السلطة , أو إثبات تمثيله للشعب بالنزول إلى قلب الشارع الشعبي كي يبقى مكانه في القلب , فيبقى الشارع سنده ومصدر قوته في مواصلة النضال , وإدراك أن مواصلة الحوار مع نظام مداهن لا يعني سوى توفير غطائية مشرعنة لممارسات السلطة القمعية ضد الشعب , ونربأ به أن يكون كذلك , ففي مثل هذه المرحلة الحرجة يجب أن يكون المشترك مع الشعب لا عليه , وألا يكون سوطا بيد السلطة إذ لا معنى لانتظار ترجمة وعود زائفة , وليتخذ موقفا شجاعا اقتفاء برابطة أبناء اليمن ( رأي ) والفرص المواتية يندر أن تكرر , وعليه رهن أي مفاوضات مع السلطة –إن وجدت حقيقة - بإيقاف مظاهر البلطجة وعدم استخدام القوة ضد المتظاهرين العزل في عموم مدن الجمهورية وإطلاق سجناء الثورة . النظام ورأسه لو كان صادقا في ما يقول لما مارس مهازله الأمنية والبلطجية ولما استعان بدعاة الفيد ضد المتظاهرين العزل ولترك فرصة للتنفيس بدلا عن كتم الأنفاس , ولتقبل دعوات الجماهير بأريحية ورحابة , لكن ضيقه بالحراكات الجماهيرية المطالبة بإسقاطه, عرى المخبوء وأزاح القناع عن مناوراته السياسية سريعا عندما كشر عن نابه, فعلينا ألا نعيش الوهم أكثر مما عشناه .