المبعوث الأممي يصل إلى عدن في إطار جولاته لإستئناف مفاوضات السلام مميز    الأمم المتحدة تعلن فرار مئات الآلاف من رفح بعد أوامر إسرائيل بالتهجير    خبير اقتصادي: قرار مركزي عدن بنقل قرات بنوك صنعاء طوق نجاة لتلك البنوك    فشل ذريع لكريستيانو رونالدو السعودي.. كيف تناولت الصحف العالمية تتويج الهلال؟    بالصور.. قاعدة الدوري الأمريكي تفجر غضب ميسي    مبابي يطارد بيريز في احتفالية الليجا    كوابيس كشفت جريمة مرعبة: فتاة صغيرة تنقذ نفسها من القتل على يد شقيقها والامن يلقي القبض على الاب قاتل ابنه!    تحت إشراف مركز الملك سلمان.. «البلسم»تحتفي بفريقها بعد إجراء 191 عملية قلب مفتوح وقسطرة تداخلية ناجحة في الأسبوع الأول من الحملة الطبية باليمن    "أطباء بلا حدود" تنقل خدماتها الطبية للأمهات والأطفال إلى مستشفى المخا العام بتعز مميز    بمشاركة «كاك بنك» انطلاق الملتقى الأول للموارد البشرية والتدريب في العاصمة عدن    عدن.. ارتفاع ساعات انطفاء الكهرباء جراء نفاد الوقود    إب .. وفاة أربع طفلات غرقا في حاجز مائي    مراكز ومدارس التشيّع الحوثية.. الخطر الذي يتربص باليمنيين    التوظيف الاعلامي.. النفط نموذجا!!    المركز الوطني لعلاج الأورام حضرموت الوادي والصحراء يحتفل باليوم العالمي للتمريض ..    مصرع وإصابة 20 مسلحا حوثيا بكمين مسلح شرقي تعز    وفاة أربع فتيات من أسرة واحدة غرقا في محافظة إب    اندلاع معارك عنيفة في مارب ومقتل وإصابة 14 مقاتلًا .. والعمالقة تدخل على الخط    مصادر سياسية بصنعاء تكشف عن الخيار الوحيد لإجبار الحوثي على الانصياع لإرادة السلام    لهذا السبب الغير معلن قرر الحوثيين ضم " همدان وبني مطر" للعاصمة صنعاء ؟    لو كان معه رجال!    أبناء القبطية ينفذون احتجاج مسلح أمام وزارة الداخلية الحوثية للمطالبة بضبط قتلة احد ابنائهم    مفاجأة وشفافية..!    "هذا الشعب بلا تربية وبلا أخلاق".. تعميم حوثي صادم يغضب الشيخ "ابوراس" وهكذا كان رده    فوضى عارمة في إب: اشتباكات حوثية تُخلف دماراً وضحايا    عاصفة مدريدية تُطيح بغرناطة وتُظهر علو كعب "الملكي".    الدوري المصري: الاهلي يقلب الطاولة على بلدية المحلة    الحوثيون يطورون أسلوبًا جديدًا للحرب: القمامة بدلاً من الرصاص!    القوات الجنوبية تصد هجوم حوثي في جبهة حريب وسقوط شهيدين(صور)    أفضل دعاء يغفر الذنوب ولو كانت كالجبال.. ردده الآن يقضى حوائجك ويرزقك    بلباو يخطف تعادلًا قاتلًا من اوساسونا    إطلاق سراح عشرات الصيادين اليمنيين كانوا معتقلين في إريتريا    بعد فوزها على مقاتلة مصرية .. السعودية هتان السيف تدخل تاريخ رياضة الفنون القتالية المختلطة    شاهد:ناشئ يمني يصبح نجمًا على وسائل التواصل الاجتماعي بفضل صداقته مع عائلة رونالدو    أطفال غزة يتساءلون: ألا نستحق العيش بسلام؟    الاحتجاجات تتواصل في الحديدة: سائقي النقل الثقيل يواجهون احتكار الحوثيين وفسادهم    بالفيديو...باحث : حليب الإبل يوجد به إنسولين ولا يرفع السكر ويغني عن الأطعمة الأخرى لمدة شهرين!    المبيدات في اليمن.. سموم تفتك بالبشر والكائنات وتدمر البيئة مميز    هل استخدام الجوال يُضعف النظر؟.. استشاري سعودي يجيب    سلطة صنعاء ترد بالصمت على طلب النائب حاشد بالسفر لغرض العلاج    توقعات بارتفاع اسعار البن بنسبة 25٪ في الاسواق العالمية    اليمن يرحب باعتماد الجمعية العامة قرارا يدعم عضوية فلسطين بالأمم المتحدة مميز    قل المهرة والفراغ يدفع السفراء الغربيون للقاءات مع اليمنيين    أمين عام الإصلاح يعزي رئيس مؤسسة الصحوة للصحافة في وفاة والده    مثقفون يطالبون سلطتي صنعاء وعدن بتحمل مسؤوليتها تجاه الشاعر الجند    هناك في العرب هشام بن عمرو !    قوات دفاع شبوة تضبط مُرّوج لمادة الشبو المخدر في إحدى النقاط مدخل مدينة عتق    هل الموت في شهر ذي القعدة من حسن الخاتمة؟.. أسراره وفضله    اكلة يمنية تحقق ربح 18 ألف ريال سعودي في اليوم الواحد    في رثاء الشيخ عبدالمجيد بن عزيز الزنداني    بسمة ربانية تغادرنا    بسبب والده.. محمد عادل إمام يوجه رسالة للسعودية    عندما يغدر الملوك    قارورة البيرة اولاً    ولد عام 1949    بلد لا تشير إليه البواصل مميز    وزير المياه والبيئة يبحث مع اليونيسف دعم مشاريع المياه والصرف الصحي مميز    في ظل موجة جديدة تضرب المحافظة.. وفاة وإصابة أكثر من 27 شخصا بالكوليرا في إب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



.. وطاغية آخر يجب أن يسقط
نشر في المصدر يوم 13 - 03 - 2011


إلى ذكرى الشهيد جار الله عمر

فعلها شباب اليمن هم أيضاً.
عن مثالية أو نزق، لا فرق. وربما لأن مرحلتهم العمرية الانتقالية تخفف من ثقل المصالح والمسؤوليات مثلما تحرّر من عُقَد الأجيال التي سبقتهم. ثم أنهم لم يعرفوا من السلطة غير الحاكم الأوحد يحكمهم منذ ثلاث وثلاثين سنة. وربما فعلوها لأن العالم الافتراضي على الإنترنت لا يتطابق دوماً مع العالم الحقيقي ولا هو يتيح دوماً للمرء أن ينبّهه أحدهم إذا شطح في قول أو دعوة.
لهذه ولأسباب غيرها، أمكن لشباب اليمن، كما لأمثالهم من المحيط إلى الخليج، التقاط الحلقة المركزية في المسألة: مسألة السلطة. تسمّوا «شباب التغيير» لكنهم أدركوا الحقيقة إياها: إن التغيير بات يستوجب إسقاط النظام ورأسه.
«الشعب يريد»، قالوا. و«الشعب يريد» في اليمن يعني أن إرادته فوق إرادة مشايخ حاشد وبكيل ومذحج وغيرها من الاتحادات القبلية التي أراد الحاكم الفرد أن يرسي السلطة والسياسة عليها، و«الشعب يريد» يعني أيضاً ما يتجاوز الجماعة الزيدية والجماعة الشافعية، أو رغبات الشماليين والجنوبيين، أو الفروقات بين مدن وأرياف. عندما «الشعب يريد» يصير شعباً من الأفراد الأحرار، رجالاً ونساءً.
أخذوا المبادرة في صنعاء وعدن، نزلوا إلى الشوارع واتخذوا لأنفسهم ساحات يعتصمون فيها. ثم كرّت المسبحة. التحقت بهم أحزاب المعارضة وقد استمرأت طويلاً لعب دور «معارضة صاحبة الجلالة» مع حاكم مراوغ، أُلعبان، عرف كيف يماطل ويكثر من الوعود الحوارية والإصلاحية ويرتد عنها في كل مرة وعلى امتداد سنوات.
جاء علي عبد الله صالح إلى الحكم العام 1978 خلفاً للعقيد أحمد حسن الغشمي الذي أطاح حكم الرئيس إبراهيم الحمدي (1974 1977) صاحب المحاولة الجادة الوحيدة لبناء دولة حديثة، موحّدة وتنموية في اليمن على حساب سلطات مشايخ القبائل والهيمنة السعودية. اغتيل الحمدي في لحظة مفصلية من حياة اليمن، عقب توقيعه اتفاقية لأمن البحر الأحمر بين صنعاء وعدن وأديس أبابا وعشية سفره إلى عدن لتوقيع اتفاق وحدوي مع الجنوب. حكم الغشمي لسنة واحدة قبل أن يقضي هو نفسه اغتيالاً بواسطة حقيبة متفجرة حملها مبعوث من الرئيس اليمني الجنوبي، سالم ربيع علي، حلّ علي عبد الله صالح محله. وكان شريكه في الانقلاب على الحمدي وثمة من يتهمه بالشراكة أيضاً في قتل الرئيس الإصلاحي.
لم يخلُ تاريخ ولايته من سفك الدماء في حروب أهلية أبرزها حربان مع الجنوب، قبل الوحدة وبعدها، وست حروب مع الحركة الحوثية، ولم يخلُ من الاغتيالات أيضاً. من أبرز ضحايا عهده يحيى المتوكل، ومجاهد أبو شوارب، والقائد الاشتراكي جار الله عمر، الذي دفع من حياته ثمن مبادرته عقد التحالف بين حزبه و«التجمع اليمني للإصلاح» الذي كان يترأسه الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر، لبناء معارضة موحدة ضد الحكم الفردي.
تتلمذ علي عبد الله صالح على يد الدكتاتوريين العرب. سار على المنوال نفسه من إرساء السلطة الفردية على الجيش والأمن والفرق الخاصة بيد الإخوان والأشقاء والأبناء وتنظيم الفرقة بين أبناء الشعب على كل الأسس المتاحة. موّل له القذافي في ما موّل بناء حزب عمّده «حزب المؤتمر الشعبي» تيمناً بالمؤتمرات القذافية. ودعمه صدام مالياً مانحاً إياه الغطاء الإقليمي لتوحيد شطري اليمن عام 1990. من جهته، وقف صالح إلى جانب صدام في حرب الخليج الأولى فدفع شعب اليمن ثمن انحيازه طرد مليون عامل يمني من السعودية.
تنازل مدّعي «الوطنية» للعربية السعودية عن أراضٍ يمنية، في عسير ونجران ويام، تزيد مساحتها عن مساحة الجمهورية العربية السورية. وأُعطيت لهذا «الوحدوي» فرصة تاريخية عند توحيد اليمن العام 1990. فتعاطى مع الوحدة على أنها عودة الجنوبيين إلى بيت الطاعة. رفض الشراكة مع الحزب الاشتراكي، الحاكم سابقاً في الجنوب، ولجأ للحرب عام 1994 لحسم خلافاته المستفحلة مع القيادات الجنوبية. وبدلاً من تحويل انتصاره العسكري مناسبة للمصالحة وتضميد الجراح وبناء الوحدة بين منطقتين وشعبين من اليمن عاشتا منفصلتين أو متباعدتين لقرون من الزمن، عاقب الجنوبيين على اعتبارهم مارقين على سلطانه. سرّح الجيش والإدارة الجنوبيين وأطلق «عصابة علي بابا» من أزلامه تتوازع الأراضي والعقارات والمصانع والمنشآت بعد إلغاء تأميمها، ونكث بتعهّده تحويل عدن إلى مرفأ اليمن وعاصمته الاقتصادية. ومع ذلك، هلّل له من قوميين وإسلاميين ويساريين في مشارق العالم العربي ومغاربه، وصمتوا صمت القبور عن التجاوزات وأشكال التمييز الفاقعة بين أبناء الشعب الواحد والاستباحات والدماء والدمار.
ولما قام «حراك جنوبي» سلمي يطالب بالتعويض عن عشرات الألوف من الموظفين والعسكريين المسرّحين، وتوسيع الحكم الذاتي، وحلّ مسألة الأراضي والعقارات المسروقة، إلخ.. جوبه بالتعنّت والعنجهية والتجاهل والتحايل حتى تراكم التذمر والغضب عبر السنوات فأخذت جماهير جنوبية واسعة تجنح نحو المطالبة بالانفصال، خصوصاً بعد تنامي القمع لتحركاتها السلمية. وظل النظام يقتل في أهالي المحافظات الجنوبية ويفاخر بأن «الوحدة اليمنية تستحق أن تُروى بدماء مليون شهيد».
بانتظار قراءة أخبار فضائحه المالية قريباً في الصحف، أو في وثائق «ويكيليكس»، لنقل إن ال«علي بابا» متهم بأنه قبض مالاً وفيراً في صفقة واحدة، هي اتفاقية تسليم الأراضي اليمنية للسعودية.
تصالح علي عبد الله صالح من سنوات مع الإدارة الأميركية. أجرى العمليات التجميلية التي تكتفي بها الولايات المتحدة لمحض دعمها والتأييد للأنظمة الاستبدادية في بلادنا: تعدّد سياسي وصحافي أكثر من شكلي يشكل إطاراً لحكم الفرد المستبدّ، الذي كان يعدّ لتمديد رئاسته مدى الحياة والتوريث. وقد أضيفت إلى عمليات التجميل عدة الشغل المألوفة التي لقيناها في تونس ومصر وليبيا. فقد أجاد علي عبد الله صالح لعب دور «مقاول الحروب» وجنى منها الأرباح الطائلة وجيّرها لكسب شرعية دولية وإقليمية. اخترع فزاعة «القاعدة» صلة وصل له مع واشنطن. وأثار فزاعة «الخطر الإيراني» في حروب صعدة الست ضد الحركة الحوثية لتدرّ عليه من دولارات طويلي العمر في العربية السعودية والخليج ما فتح البترول ورزق.
فجأة لم تعد تنفعه هذه كلها. الثورة تبسّط الأمور. في اليمن الآن شعب في طور التكوّن وسلطة في طور التفكّك. بسرعة متسارعة، تتشكّل معارضة متعددة المناطق والمذاهب والقبائل، شمالاً وجنوباً، تطلب إسقاط علي عبد الله صالح وتغيير النظام.
وبوتيرة متسارعة يفقد علي عبد الله صالح الحاضنة القبلية الرئيسية لحكمه، قبيلة حاشد التي ينتمي إلى أحد فروعها. فقد أعلن ثلاثة من شيوخ حاشد، أبناء شيخها الأكبر الراحل عبد الله بن حسين الأحمر، الانضمام إلى المعارضة وإلى مطلب إسقاط الرئيس. برلمانه معطّل بعد أن استقال منه عشرة من نواب حزبه وجمّد جميع نواب المحافظات الجنوبية عضويتهم في المجلس، والحبل على الجرّار.
من جهتها، انضمت الحركة الحوثية في صعدة وعمران إلى الانتفاضة الشعبية السلمية لإسقاط النظام. ومعروف أنه لم يكن لها سابقاً مطالب سياسية واضحة، بقدر ما كانت لها مطالب عقيدية وجهوية. واللافت خروج تظاهرات حاشدة في صعدة وعمران تضامناً مع أهالي عدن واستنكاراً لمجزرة يوم الجمعة الماضي التي ارتكبتها قوات الأمن في حق المتظاهرين فيها.
والأهم من هذا كله إرهاصات التحوّل في موقف «الحراك الجنوبي»، الذي كانت قيادته تتعاطى مع مسألة السلطة برمّتها على أنها شأن شمالي، ولا تحيد عن مطلبها الأوحد: «فك الارتباط». عشية «يوم الغضب» يوم أمس الثلاثاء، الذي عمّ المناطق اليمنية، أعلنت قيادة «الحراك» انضمامها إلى حركة إسقاط النظام ودعت أنصارها إلى الامتناع عن رفع أعلام اليمن الجنوبي السابق أو المناداة بفك الارتباط.
في المقابل، بدأ علي عبد الله صالح يقلّد زميله المهرّج السفاح. يقدّم التنازلات المتأخرة والمستهلكة، وفي الآن ذاته يهدّد بأن جيشه سوف يقاتل إلى آخر قطرة من دمائه (دماء الجيش، طبعاً). وآخر مبتكراته قوله إن كل ما يجري في المنطقة تديره غرفة في تل أبيب برعاية البيت الأبيض!
لعلي عبد الله صالح قول مأثور أعلنه في قمة بيروت العربية عام 2002. حذّر زملاءه الحكّام العرب فيه من أن الموسى عندما تقترب من أي منهم، فأحرى بهم أن يسارعوا إلى حلق ذقونهم بأنفسهم قبل أن يجيء من يحلقها لهم.
المؤكّد أن علي عبد الله صالح لم يلتزم بشيء مما حذّر منه. ولا يبدو أن أياً من زملائه الملوك والرؤساء أخذ التحذير على محمل الجد أصلاً.
هذا حاكم آخر ينتظر مَن يحلق له ذقنه. والشعب أمهر الحلاّقين.
آمين.

السفير اللبنانية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.