في الآونة الأخيرة برزت اليمن كدولة ترعى المصالحات العربية- العربية، كفلسطين والصومال وغيرهما. ولكن يبدو أن إفراغ طاقة إصلاح ذات البين في الخارج قد أثرت سلباً على إصلاح ذات البين في الداخل اليمني. وكذا فإن التحركات السياسية الموسمية التي تقوم بها اليمن لا زالت تحتفظ بتراث من العصر الحجري في تعاملاتها السياسية والأيدلوجية، حيث إن اليمن – أعني اليمن السلطة لا اليمن الشعب- سارت مرتبكة سياسياً؛ دعا رئيسها لعقد قمة طارئة في الدوحة ومن ثم تغيب عنها، وما يلبث في لقائه مع القنطار أن يعلن دعمه للمقاومة، فهو حيناً في أحضان المقاومة، وفي أحضان الاعتدال حيناً آخر. لا أريد التحدث عن شيء قد فات نقده، لكني سأتحدث عن "شاطئ الأمل" كما سمّاه الأخ رئيس الجمهورية في خطاباته الأخيرة. وقد أصبح واضحاً مدى الارتباك والتوتر النفسي الذي يساوره، وفقدانه السيطرة على أعصابه.
إن خطاباته التي افتقدت الاتزان تتناقض مع كل الأقوال والسياسات التي عكف الإعلام على تحسينها لأكثر من ربع قرن، فهو في خطاباته الأخيرة صار يشبه بعض خطباء المساجد والمظاهرات الغاضبة، فما الذي جعل خطاباته هكذا؟ ربما يكون الشعور بالذنب. فالظلم اليوم صار يمشي على قدمين، وله يدان يبطش بهما، وقوانين يتحكم بها لا يحكم، فهو كرجل ولاؤه للقائد وليس للوطن، يحمل راية " بالروح بالدم.. نفديك يا ...".
وفي خضم هذا الظلم حدود اليمن السياسية باتت واضحة المعالم، فالحراك الجنوبي والحراك الصحراوي من الجنوب، والحوثيون من الشمال، والفكر السلفي التكفيري من الشرق، ولا يخفى على الشعب دعم السلطة للحوثيين لضرب أهداف أيديولوجية معينة، فانقلب السحر على الساحر، وها هي اليوم تدعم الفكر السلفي المتطرف، للغاية نفسها.
وإلى هنا كفاني نكأ للجراح، وبحثاً عن الآلام، فالمرحلة كفيلة بأن تعلم وتربي كل مواطن صالح يحب الوطن والوحدة، والتخلص من الإقطاعية، لكبح إرادات الناس، وتكميم أفواههم، فاليمن في منعطف خطير يحتّم على الجميع أن يتصرف بعقل ومسؤولية، ولا شك أن السبيل الأمثل للخروج من الأزمات المحدقة بالبلد هو التغيير، ورد الحقوق إلى أهلها، فهل من استجابة!