شهدت قاعة البرلمان اليمني، يوم الثلاثاء الماضي، الجلسة البرلمانية الأخيرة في عهد الرئيس علي عبدالله صالح، وهي ايضا الجلسة الوحيدة التي فقد فيها سلطان البركاني نصف أغلبيته الكاسحة. الكتلة الضخمة تشظت الى 3 كتل ، وما تبقى من كتلة المؤتمر الشعبي العام، هم نواب عاديون لا يتوفر لغالبتهم الشهادة الثانوية، فضلا عن الجامعية، وهؤلاء صوتوا امس لصالح حالة الطوارئ .
دستوريا، لا البرلمان شرعيا، وهو الذي انتهت دستوريته في 25 فبراير الماضي، ولا التصويت جرى وفقا للقانون، اكثر من ذلك ؛ ولا حتى النصاب مكتمل، وكان يحيى الراعي على المنصة وحيدا .. أما ياسر العواضي واحمد محمد صوفان والعلامة عبدالملك الوزير وحميد الجبرتي فاعتذروا عن التصويت.
إنه اليوم الأسوأ في حياة يحيى الراعي البرلمانية على الاطلاق . ويبدو وهو الأخير ايضا في رئاسته لهذا المجلس سيء السمعة.
كتل المعارضة مقاطعة الحضور منذ فترة طويلة وكتل المستقلين والمستقيلين من حزب الاغلبية النيابية توجهوا الى ساحات التغيير في عموم المدن اليمنية. وفي تلك اللحظة التي رفع الحاضرون ايديهم لصالح قرار الطوارئ ، كانت الأغلبية البرلمانية في ميادين الثورة تذيع بيان الرفض لهذا القرار..
هناك نواب ماتوا وهناك غائبون ستجدون اسماؤهم في حافظة الحضور التي "حشاها" رئيس المجلس في جيبه ولم يسلمها لأحد على الإطلاق.
وبحسب مصدرين موثوقثن في قاعة المجلس، فإن من حضر جلسة يوم الثلاثاء، هم 135 نائبا وبالكاد تجمعوا .. ويضيف المصدر الموثوق : "ومن بين هؤلاء 15 شخصا جاءوا للتوقيع فقط ثم تسربوا خلسة من الباب الخلفي للقاعة .. ابراء للذمة". ثم ان الذين امتنعوا عن التصويت 4 ، واذا فإن العدد لا يتعدى 116 نائبا فقط من صوتوا لصالح قرار حضر الطوارئ في البلاد من برلمان اجمالي اعضاؤه 301 وتقتضي اللائحة موافقة النصف + واحد في قرار كهذا. (هناك 5 نواب عادوا الى القاعة مجبرين بعد ان كانوا اعلنوا استقالاتهم من الحزب الحاكم قبل يومين).
من نواب حضرموت مثلا ، لم يحضر احدا ، وأكد النائب عن الدائرة (147) الدكتور محمد سالم الجوهي ، ان 7 نواب من المحافظة (مؤتمر) قدموا استقالاتهم من حزب الرئيس وانضموا الى الثورة ، ثورة الشباب السلمية.
الجوهي ، وهو استاذ جامعي ورئيس كتلة نواب حضرموت ، قال: "اننا امام زخم ثوري غير مسبوق ومن العار البقاء في حزب يرفضه الشعب".
من الأسماء التي حضرت للتصويت على قانون الطوارئ ؛ نائب الصليف علي بغوي اصلع ، وعلي قاصرة ومحمد علي قوارة وعبدالقادر الدعيس ، واحمد النويرة ، وعبده العدلة ، وصالح الشرجي ، وعلي محمد الخبال ، وعلي اللهبي ، وعبدالعزيز كرو ، والدكتورة أوراس للأسف.
لم يسمح الا لعدد قليل من الصحفيين ان يدخلوا ، لكن وفي الواقع لم تتوافد وسائل الاعلام على البرلمان هذه المرة بكثافة ، وكان السلاح متوفرا بكثرة.. ثم انهم خرجوا مسرعين بعد ان صوتوا.
غادر اعضاء البرلمان سريعا بعد رفع جلسة الطوارئ وفي الساحة لم يتمازح احد مع احد كما يفعلواعادة عقب انتهاء أي جلسة مهمة.
اغلب الوجوه التي حضرت امس هم الغائبون طوال السنة، ولئن كان فيهم من يحضر دوما كأحمد الخولاني وسنان العجي وناجي القوسي ، فإن قدراتهم البرلمانية ليست جيدة ، ومقتصرة في السباق على قراء المحاضر، كما ولم يسجل أحد من هؤلاء موقفا وطنيا على مدار سنوات هذا المجلس ال 8.
تستطيع القول ان يحيى الراعي امس كان يدير واحدة من أصعب الجلسات في حياته على الاطلاق ، رغم انها كانت الجلسة الوحيدة التي خلت القاعة من كل خصومه الألداء.
كان الرجل ، قصير القامة ، وحيدا على الشرفة ، وكان الراعي ، يتأمل في المساحات الشاسعة من المقاعد الخالية.. وحتى المصور التلفزيوني حرص ان يمرر عين الكاميرا على القاعة بصورة خاطفة ، وخلدون "المصور" تلقى على ما يبدو تحذيرا صارما بأن يتحاشى اظهار مقاعد الأغلبية الغائبة.
الحال مثل بعضه ؛ عند الرئيس صالح وعند يحيى الراعي رئيس البرلمان ، فالأول وجد نفسه فجأة وقد فقد مساحات شاسعة من سلطته (حضرموت المهرة شبوةالجوفمارب …الخ) بعد انضمام قادة المناطق العسكرية الى صف الثورة ، وفي صنعاء وجد نفسه وقد انفض من حوله كل تلك الحشود.. ويحيى الراعي يوم امس داهمه الشعور نفسه ، كان يتلفت يمينا وشمالا ولم يعد احد بجواره ، اثنين من نوابه انضموا للثورة والثالث محافظا للحديدة ، وكانت القاعة مفرودة امام الراعي وفارغة.
الراعي وحده على المنصة كان يتأمل في المساحات الشاسعة من المقاعد الفارغة ويتحسر على مآلات الأغلبية الكاسحة ، ولهذا صوت رئيس المجلس بيديه "الثنتين"
لقد تأكد لرئيس البرلمان اليمني ان كل شيء منتهي ، ومع ذلك لا يجروء ان يقولها للرئيس صالح ، لقد غادر الراعي قاعة البرلمان مستعجلا هذه المرة وغاضبا ، وكانت الحافظة محشورة في جيب الكوت.. غادر بعد ان رفع الجلسة وشكر الحاضرين ، ويبدو ان الرجل حسم امره بأن لا يعود الى هذه القاعة مرة اخرى ، ولن يعود.
لا معنى لقانون الطوارئ امام كل هذا الزخم ، والمعارضة ، وهي تتحجج بعدم اكتمال النصاب ، لا معنى لهذه الحجة بالنسبة لبرلمان فقد شرعيته النظرية والعملية معا .. واي كان فقد تبين للرئيس من تبقى معه في البرلمان ومن ذهب.
والحاصل الآن؛ إن الحكومة أقالها الرئيس والجيش اعلن تأييده للثورة ولم يبق لصالح في البرلمان سوى الثلث +10 فقط.. وحتى حمود الهتار تمرد عليه هو الآخر.
أمس كان النائب عبده محمد بشر يقرأ من على منصة الثورة بيان النواب الأحرار والمستقلين والمستقيلين والمعارضة ، الرافض للطوارئ والداعم لثورة الشعب ، وكان يحيى الراعي في تلك اللحظات ينظر الى مقعد هذا النائب المؤتمري البارز وقد بسط عليه نائب لم يتكلم داخل البرلمان ولو مرة واحده في حياته.
ياللعجب ؛ ناجي التام جالس على مقعد عبده بشر ، وبجواره محمد علي سوار باسط على مقعد جباري !! اما مقعد النائب المثقف علي احمد العمراني فقد تكفل به الشاب علي محمد قاصرة ، نائب مديرية "القطيع" الذي لا يجيد الكتابة.