يخيم الوجوم والضيق على وجوه أعضاء الحزب الحاكم، الملتزمون هذه الأيام، حضور جلسات البرلمان وحدهم، البرلمان المنتهية شرعيته في 23 فبراير الماضي. فإلى قلة عددهم واستقالة رفاقهم، من كتلة الأغلبية ، كان 3 من نواب المؤتمر أمس يفكرون في أمر الإستقالة بصوت خافت. ما يحصل يوميا داخل قاعة المؤسسة التشريعية في اليمن ، هذه الفترة، هو عمل مخالف للدستور ولكل الأنظمة واللوائح البرلمانية ، وقبل ذلك لقناعات هؤلاء الأشخاص الذين بقوا في كتلة المؤتمر ولم يتدربوا على توجيه اللوم للرئيس. وفضلا عن الانتهاك الصارخ للدستور اليمني، الذي اشترط لصحة أي جلسة برلمانية عددا محددا من النواب، فإن كل ما تبقى من كتلة الأغلبية الكاسحة، لا يصح بعددهم (المتبقي مع الرئيس) افتتاح أية جلسة من أساسها. (راجع المادة الدستورية التي تشترط لافتتاح أي جلسة أن يزيد الحاضرين على النصف، أي 151 كحد أدنى). ويبذل رئيس مجلس النواب يحيى الراعي ورئيس الكتلة، وحتى رئيس الجمهورية نفسه، جهودا مضنية لاسترداد ما يمكن استرداده من النواب المستقيلين لبلوغ النصاب الدستوري لافتتاح الجلسات، غير إن محاولاتهم هذه لم تفضي بعد إلى نتائج مثمرة. من يوم لآخر تتكشف الفضائح التي يرتكبها مجلس النواب بحق هذه المؤسسة التشريعية والرقابية المنتخبة، حيث وقد دأب رئيس البرلمان، مسنودا برئيس كتلة الحزب الحاكم ، في جلسات برلمانية عديدة ، خصوصا الاستثنائية منها، إلى التحوير والتغيير في حافظة الحضور ومحاضر الجلسات.. والحاصل هذه الأيام ، رغم انتفاء الصيغة الشرعية لهذا البرلمان، هو تزوير واضح ومكشوف ومن السهل اكتشافه، حيث وهناك أسماء من كتل المعارضة، مثلا ، تظهر في محاضر الجلسات على أنها حاضرة ، ناهيك في أن عدد الحاضرين عمليا إلى القاعة ، لا يصلون ولا إلى النصف من إجمالي الرقم المكتوب في محضر تلك الجلسة .. وقد تفاجأ نائب رئيس كتلة الإصلاح، زيد الشامي، الأسبوع الفائت، عندما وجد اسمه في عداد الحاضرين، وهو الذي يتزعم فكرة مقاطعة البرلمان مع كتل المشترك منذ 4 أشهر. هذه الفضيحة ظهرت ، بشكل سافر، في محضر جلسة الطوارئ ، التي عقدت في 23 مارس الماضي، عندما تفاجأ 17 نائبا بأسمائهم ضمن قائمة الحاضرين ذلك اليوم، والمصوتين لصالح ذلك القرار الخطير الذي لاقى رفضا وشجبا وتنديدا محليا ودوليا . واليكم هذه الأسماء التي سجلت في قائمة الحاضرين رغم مقاطعتهم للجلسة: محمد عبداللاه القاضي ، عوض محمد بن الوزير ، عبدالله مبخوت العراقي ، احمد عبدالرب الدخين ، امين احمد مخارش ، جابر عبدالله جابر، سالم الجنيدي، صالح العامري، عبدالله بن علي الغادر، عبده علي العودي، عبده محمد الحبيشي، علي احمد درمش، علي صالح قعشة، علي محمد سالم عطية، مطهر عبدالله الحجري، هبة الله علي شريم.. هذا العدد الكبير يفضح بشكل دامغ عملية التزوير التي تحصل باستمرار في محاضر الجلسات اليومية لمجلس النواب. على امتداد سنوات هذا المجلس الحالي ، وبالذات بعد وفاة الشيخ عبدالله ، وتسلم يحيى الراعي رئاسة البرلمان، أخذت نسبة الحضور تقل وتتضاءل لترتفع نسبة الغياب من فترة لأخرى، وذلك ، ليس فقط الغياب عن قاعة البرلمان، ولكن أيضا في لجانه ، لدرجة أن بعض اللجان الدائمة المهمة توقفت تماما عن العمل. الإشكالية أخذت تتفاقم يوما بعد يوم ، وكانت معظم الجلسات طوال السنتين الأخيرتين بالذات ، تفتتح بدون توفر النصاب الدستوري لتصوت القاعة على مشاريع قوانين مهمة وخطيرة بما تيسر من الحاضرين ، مكتفية بالقول في الخبر الرسمي : " وقد صوت البرلمان بالأغلبية المطلوبة " وهي تسمية غير معروفة ، لا في اللائحة الداخلية ولا في الدستور اليمني . لم تكن هذه المخالفات الجسيمة والمتعمدة غير مفهومة عند معظم النواب ، إنما كان نوابا في المعارضة وفي كتلة المؤتمر ، ينبهون إليها باستمرار ويهددون دائما بالطعن في شرعية تلك القوانين التي مررت بنصاب غير مكتمل دستوريا ، لكن مشكلة هؤلاء الأعضاء "المهددين" تكمن في أنهم لم يقوموا بأية خطوات عملية لتنفيذ تهديداتهم ، وهكذا كانت تحسم الأمور كل مرة ، والحال مثله وأكثر منه يحصل داخل اللجان الدائمة التي تعقد اجتماعاتها اليومية عصرا ، حيث تنعقد ب3 أحيانا وتصوت ب2 ، والتفاصيل كلها فضائح ، ولأن الأمر يجري على هذا النحو فإن محاضر اجتماعات اللجان يتم إخفاءها تحوطا. ومعلوم في معظم البرلمانات ، إن محاضر الجلسات وجدت لتوثق كل ما يدور ويقال في الجلسة ، أو الاجتماع ، بشكل تفصيلي ، وتوثق أسماء الحاضرين وأسماء الغائبين بعذر وبغير عذر ومن هم في مهمة أو صارت مقاعدهم شاغرة (ماتوا مثلا) ، لكن الحاصل في برلمان اليمن يختلف عن هذا تماما ، فالغائبون هم فقط من توثق أسماؤهم في المحضر اليومي (!) أما الحاضرين فيكتفى بالإشارة إلى عددهم إشارة فقط (!) وهو أسلوب، ليس فقط تحايلي ومخالف لأعراف البرلمانات كلها، غير دستوري وغير لائحي، ولكن أيضا مخادع للشعب الذي له الحق الدستوري والطبيعي في مراقبة ممثليه ، أسلوب مضلل لجمهور المشاهدين الذين يسمعون قراءة الأسماء وهي تذاع وتنشر في التلفاز كل يوم. أسماء الحاضرين لا توثق في محضر أي جلسة منذ سنوات بعيدة كي لا يفضح البرلمان نفسه ويأتي من يطعن في دستورية جلساته.. ومن يفتش في أرشيف ومحاضر جلسات مجلس الشعب او الشورى في الثمانينيات أو مجلس الشعب الأعلى في الشطر الجنوبي سابقا ، يجد الفرق واضحا، حيث الأسماء كلها موثقة والتصويت بنعم ولا موثقا أيضا وبالاسم والعدد وبالمناداة اسما اسما. الحياة البرلمانية في اليمن مضروبة في الصميم ومغشوشة ، والتزوير المكشوف يكاد يكون يوميا. ووحده التبرير الوحيد لعدم توثيق أسماء الحاضرين في محاضر الجلسات ستجدونه جاهزا لدى رئيس المجلس وعند معظم النواب أنفسهم وهو : ان البرلمان عندما ينشر أسماء الغائبين " انما ليفضحهم أمام ناخبيهم وأمام الرأي العام" وهو تبرير سخيف وغير مقنع.. في حين ان الإجابة الصحيحة المؤكدة هي إن نشر الأسماء (أسماء الحضور) معناه بأن الطعن في شرعية أي جلسة سيكون سهلا ولعدم اكتمال النصاب في معظم المرات ، وبالتالي فإن عدد الحاضرين شيء والعدد المكتوب في محضر الجلسة شيء آخر.