في خطابه بميدان السبعين قال انه سئم من السلطة وانه لا يريدها، و مراده أن يسلم السلطة إلى أيادي أمينه لا إلى أيادي عابثة فاسدة حاقدة عميله. ذلك ما قاله صالح الذي ما انفك يكرر في الآونة الأخيرة انه مستعد لتسليم السلطة بشرط ان يكون التسليم بالطرق الدستورية حيث يتم تشكيل حكومة ائتلاف وطني ويتم تعديل الدستور للانتقال باليمن إلى النظام البرلماني ومن ثم إجراء انتخابات برلمانيه عن طريق القوائم النسبية و انتخابات رئاسية ومن ثم يتنحى عن السلطة , و تحت شعار لا تمديد ولا توريث تعهد صالح بعدم ترشيح نفسه , ومن الملاحظ لأحداث السياسية الأخيرة في اليمن ان تلك الشروط الذي وضعها الرئيس لتنحيه.
كانت في يوم ليس ببعيد بنودا صاغها اللقاء المشترك كمبادرة للخروج باليمن من أزماتها المستمرة إلا ان تلك المبادرات كانت بالنسبة للسلطة غير مقبوله و لا تصلح ان تكون محلا للنقاش أصلا , وبذلك فما كان مرفوضا بالأمس من قبل النظام كمبادرة للإصلاح أصبح اليوم مشروطا منه للتنحي فيما عدى ما يتعلق ببند إقصاء أبناء و أقارب الرئيس من مناصبهم العسكرية فذلك البند الوحيد الذي مازال غير مقبول وليس محلا للتفاوض عند النظام , و في ذلك الصدد لا يزال الرئيس يؤكد انه سئم من السلطة وانه لا يريدها إلا انه لن يسلمها إلا لأصحاب الأيادي الأمينة. وهنا يثور التساؤل هل بالفعل سئم الرئيس من السلطة وان كان كذلك فلماذا لم يقبل بتلك الشروط مسبقا ؟ ومن هم أصحاب الأيادي الأمينة الذين صرح الرئيس انه لن يسلم السلطة إلا لهم ؟.
وللإجابة على تلك التساؤلات ينبغي علينا أولا ان نقرأ سيناريو تسليم السلطة عند الرئيس وتصوره عن شكل النظام السياسي لليمن بعد تسليم السلطة.
ومن خلال تصريحات الرئيس يتضح جليا انه يرفض التنحي قبل ان يقوم بإجراء تعديل دستوري يغير شكل النظام اليمني من النظام الرئاسي إلى النظام البرلماني و بعد إجراء الانتخابات النيابية والرئاسية التي يفترض انها ستكون تحت إشرافه و بعد تمام كل ذلك سوف يقوم الرئيس بتسليم السلطة , وبحسب تصريحاته في قناة العربية فللرئيس الجديد اتخاذ القرار المناسب فيما يتعلق بإقالة أو إبقاء أقاربه وأبنائه من مناصبهم.
ورغم ان تلك الخطوات تضمن غياب الرئيس صالح عن موقع رئيس الجمهورية في النظام اليمني المزمع إقامته بحسب مبادرته , إلا انه لا يعني ذلك غيابه عن السلطة خاصة إذا ما علمنا ان السلطة في ظل النظام البرلماني لا تكون في يد رئيس الجمهورية بقدر ما تكون في يد الحزب الحاكم اي الحزب الذي استطاع ان يحصل على أكثرية المقاعد في البرلمان، فرئيس الجمهورية المنتخب في ظل النظام البرلماني يقتصر دوره على تطبيق السياسات العريضة التي ترسم له من قبل حزبه سواء اكان رئيسا للحزب او لم يكون رئيس الحزب و هو في كل الأحوال لا يمكن ان يخرج عن سياسات الحزب وتوجهاته.
ولا يختلف الوضع كثيرا بالنسبة لرئيس الوزراء فرغم انه يتمتع بصلاحيات تنفيذيه أوسع مما يتمتع بها رئيس الجمهورية في ظل النظام البرلماني إلا انه مع ذلك يكون مقيدا هو الآخر بتوجهات وسياسات حزبه , وقد تصل سلطة الحزب في بعض الدول التي تتبع النظام البرلماني في حكمها إلى حد إقالة الرئيس او رئيس الوزراء كما كان بشأن حزب العمال البريطاني الذي اجبر رئيس الوزراء السابق تومي بلير على التنحي عن السلطة من قبل حزبه (الحزب الحاكم ).
بذلك وحيث أن الرئيس صالح قد أفاد صراحة في لقائه مع قناة العربية يوم السبت انه حتى إذا ما تنحى عن منصب رئيس الجمهورية فإنه لن يغادر الحياة السياسية وانه سيبقى في مكانه كرئيس لحزب المؤتمر الشعبي العام, وبما ان الرئيس صالح لا ينفك يردد ويكرر بكل ثقه ان المؤتمر الشعبي العام هو الحزب الذي يحضى بالاغلبية. ذلك يكشف عن سيناريو تسليم السلطة وما بعدها لدى الرئيس علي عبدالله صالح.
ففي سيناريو الرئيس صالح تجرى تعديلات دستوريه تنقل اليمن الى النظام البرلماني تحت إشرافه ومن ثم تجرى انتخابات برلمانيه يشرف عليه بنفسه بصفته رئيس الجمهورية وراعي المرحلة الانتقالية , وحيث انه بحسب تصريحاته يثق تمام الثقة بأن المؤتمر الشعبي العام هو الحزب الذي سوف يحظى بالأغلبية خاصة وان تواجده على رأس تلك المرحلة وتلك الانتخابات كرئيس للجمهورية ستجعل فرصة المؤتمر الشعبي العام اكبر بكثير من فرص غيرها من الأحزاب بما سيتمتع به من مساحة واسعة من الإمكانيات المسخرة له دون غيره من الأحزاب.
وبعد كل ذلك سيقوم رئيس الحزب الحاكم ( علي عبدالله صالح ) بتسمية مرشح حزبه لرئاسة الجمهورية وطبعا لن يرشح الرئيس صالح نفسه للرئاسة كما تعهد، ومن المستبعد ان يرشح ابنه قائد الحرس الجمهوري قائد الحرس الخاص وبعد تمام الانتخابات يسلم الرئيس علي عبدالله صالح الرئيس الذي انتهت ولايته زمام السلطة إلى يد الحزب الحاكم في ظل النظام اليمني الجديد ممثلا برئيس الحزب (علي عبدالله صالح ).
حينها سنكون أمام رئيس جمهورية جديد ملتزم ومقيد بالسياسات المرسومة له من قبل حزبه ورئيس حزبه علي عبدالله صالح صاحب السلطة الفعلية , كما انه لا يخفى ان ذلك الرئيس لا يستطيع إجراء او استحداث شيء في الدولة على الصعيدين السياسي والعسكري فالأول من صلاحيات الحزب الحاكم ورئيسه علي عبدالله صالح قانونا والثاني في يد العقيد احمد علي عبدالله صالح فعليا , وبذلك فإنه من المستبعد ان يقوم الرئيس الجديد بإقالة رئيس الحرس الجمهوري وهو نجل رئيس الحزب، و يستطيع الرئيس اليمني علي عبدالله صالح المنتهية ولايته في ظل النظام الحالي الرئاسي ان يسلم السلطة وهو مطمئن إلى صاحب الأيدي الأمينة رئيس الحزب الحاكم في ظل النظام البرلماني الجديد علي عبدالله صالح. وبذلك يكون قد علمنا يقينا ان ما سئم منه الرئيس صالح من السلطة هو النظام الرئاسي الذي استنفذ فيه جميع دوراته الرئاسية والتي لا يستطيع بموجبه ترشيح نفسه و أن الأيدي الأمينة التي يبحث عنها هي أيدي رئيس الحزب الحاكم في ظل النظام البرلماني ممثلا برئيس الحزب علي عبدالله صالح. وعليه فأنه بين علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية في النظام الرئاسي وبين علي عبدالله صالح رئيس الحزب الحاكم في النظام البرلماني يتحاور المتحاورون، وعليهم أن يختاروا إما حوار يؤول الأمر به إلى رئيس الحزب الحاكم علي عبدالله صالح أو لا حوار يتوقف الأمر عند رئيس الجمهورية علي عبدالله صالح، فكل الطرق عبره مؤدية إليه وتسليم السلطة من يده إلى يده الأمينة بحسب شروط مبادرته.