لم يرحم السياسيون في اليمن الطفولة البريئة ولم يجنبوها صراعاتهم، ف”الرؤوس الكبيرة” التي تتظاهر في ساحات “التغيير” للمطالبة بإسقاط النظام ورحيل الرئيس علي عبدالله صالح، و”التحرير” المؤيدين للرئيس وبقاء نظامه، وفي شارعي “الستين” و”السبعين” حيث يصلي الطرفان في كل جمعة، تحرص على استغلال الأطفال في هذه التظاهرات ويقومون بتحميلهم الأعلام الوطنية وصور الرئيس صالح من جهة، وشهداء التغيير من جهة أخرى، وهم لا يدركون من الأمر شيئاً .
وعلى الرغم من أن الحزب الحاكم يشكو استغلال المعارضة للأطفال في المسيرات والتظاهرات، بل ووجه رسائل إلى منظمات معنية بحقوق الطفل يطالبها بمناشدة المعارضة عدم إقحام الأطفال في التظاهرات، فإن المسيرات المؤيدة للرئيس لا تخلو هي الأخرى من استغلال الأطفال، حتى إن البعض يحرص على إحضار الصغار إلى المنصة التي يجلس فيها الرئيس صالح ليتلقى منهم قبلات ويؤكدون ولاءهم له . كما أن المعارضة لا تترك فرصة إلا أظهرت فيها الأطفال وهم في أحضان أمهاتهم أو آبائهم، ووجوههم مكتوب عليها مطالب التغيير، مثل “ارحل” باللغتين العربية والإنجليزية .
في ساحات التغيير والتحرير يجد المراقب والمتابع عشرات الأطفال وهم يرفعون صور الرئيس صالح على رؤوسهم ويكتبون على أيديهم “لن يرحل”، ورسم على وجوههم العلم الوطني وبجانبه عبارات مؤيدة للرئيس، وفي ساحة التغيير يقيم الصغار ووجوههم مكتوب عليها مطالب الكبار، وبعضهم يرفع شارات النصر، من دون أن يعلموا ما معنى هذه العلامة .
برامج توعية هذا السلوك دفع بمنظمات يمنية مهتمة بحقوق الأطفال إلى دعوة طرفي الصراع السياسي إلى عدم استخدام الأطفال دون سن ال18 كأداة للعنف في ميادين الاحتجاجات، سواء كانت مؤيدة أو معارضة للنظام، معبّرة عن استنكارها لمشاركة الأطفال في أعمال تعرض حياتهم للخطر .
وأكدت المنظمات أن القوانين والمواثيق الدولية تعطي الأطفال الحق في التعبير عن آرائهم عبر الطرق السلمية دون إجبارهم على المشاركة بالمسيرات التي تعد جريمة بحد ذاتها . وأجمعت المنظمات المهتمة بحقوق الطفل ل“الخليج” على ضرورة تجنيب الأطفال أماكن المسيرات والمظاهرات والاعتصامات في اليمن، كونها تعرض حياتهم للخطر وتؤثر في نفسيتهم مستقبلاً .
وقالت الأمينة العامة المديرة التنفيذية لمؤسسة “شوذب” للطفولة والتنمية مريم إبراهيم الشوافي: “في هذه الأيام نشاهد كل ما يدور في الساحات المؤيدة والمعارضة للسلطة من اصطحاب الأطفال إليها، ويتعرض الأطفال للتعنيف من الكبار، كما تتعرض حياتهم للخطر”، وإشارت إلى أن “قصصاً كثيرة ظهرت خلال هذه الفترة التي يمر بها اليمن عن أطفال لقوا حتفهم وآخرين تعرضوا للاعتداءت والعنف من جراء اصطحاب أقاربهم لهم في ميادين الاحتجاجات” .
أضافت قائلة ل “الخليج” إن مؤسسة “شوذب” تقوم بتنفيذ مشروعات مع منظمة اليونيسيف هذه الأيام في المدارس والأحياء المجاورة للساحات، خاصة العاصمة صنعاء، عبر برامج حيادية تهدف إلى تثقيف الأهالي والأطفال بكيفية التعامل مع الأحداث في حالة تعرضهم للعنف، مع رصد حالات العنف التي يتعرضون لها، إضافة إلى العمل على إعادة التأهيل النفسي للأطفال من خلال برامج ترفيهية وثقافية . وأشارت إلى أن المؤسسة تنفذ هذه الأيام بالتعاون مع منظمة (آكت ناو) عبر فرع المؤسسة في صعدة برنامجاً يتضمن أنشطة تحد من إقحام الأطفال في الصراعات المختلفة في هذه المرحلة الصعبة التي يمر بها اليمن وتعيد تأهيلهم النفسي نظراً إلى ما يواجهونه يومياً من مظاهر مسلحة منذ الحرب السادسة .
وأكدت الشوافي أن من ضمن عمل المؤسسة برامج ومشروعات وأنشطة مناوئة لاستخدام الأطفال في كل ما يتنافى مع مصالحهم . فضلاً عن دورها في تبني قضايا الطفولة في اليمن بشكل عام وفي المناطق التي يجري فيها استخدام الأطفال وإساءة معاملتهم .
وتقول مسؤولة الاتصال والمناصرة بمنظمة رعاية الأطفال في اليمن فاطمة العجل ل”الخليج”، إن منظمة رعاية الأطفال تعبّر عن قلقها من انتهاك حق الأطفال في التعليم وتعريض الأطفال للخطر، داعية جميع الأطراف المعنية إلى حماية الأطفال وعدم إشراكهم في نشاطات من أجل تحقيق أهداف سياسية .
وطالبت الأطراف المتصارعة اتخاذ إجراءات إيجابية لتوفير الأمان للأطفال لانتظام حضورهم إلى المدرسة وإنهاء العام الدراسي بنجاح . مؤكدة أن لكل طفل الحق في التعليم في جميع الأوقات، بما في ذلك في أوقات الاضطرابات المدنية أو في حالات الطوارئ، باعتبار المدارس هي المسؤولة عن توفير البيئة الحامية والآمنة للأطفال للوصول إلى حقهم في التعليم .
واعتبرت المسؤولة بمنظمة رعاية الأطفال، أن ما نشاهده اليوم في اليمن هو انتهاك لحقوق الأطفال وتجاهل لمصلحتهم الفضلى .
وانطلاقاً من التشريعات اليمنية والدولية المتمثلة بالقانون اليمني بحقوق الطفل، واتفاقية حقوق الطفل والقانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان، كلها حسب قولها، تقضي بتوفير الحماية الكاملة للأطفال دون سن ال 18 سنة، من كل أنواع العنف والإساءة والاستغلال الإعلامي، متمنية من الجميع تجنيب الأطفال أماكن المسيرات والمظاهرات والاعتصامات في المدن اليمنية كافة .
مقتل عشرات الأطفال ويرى رئيس منظمة “سياج” اليمنية لحماية الطفولة أحمد القرشي، أن التعبير السلمي عن الرأي حق مشروع كفلته جميع القوانين والدساتير والتشريعات السماوية والوضعية، وقال إن هذا الحق للجميع بمختلف أعمارهم بمن فيهم الأطفال طبعاً، ولا يوجد أي نص في القانون اليمني أو القوانين الدولية يحمّل الأب أو الأم مسؤولية الأضرار التي تلحق بالطفل في حال قام باصطحابه إلى أي ساحة من ساحات الاحتجاجات السلمية .
وأضاف ل “الخليج” أنه لم يجد ما يدين شخصاً تعرض للضرر وهو يمارس حقاً مشروعاً وبطرق مشروعة، بل إن من يتسبب بذلك الضرر سواء كان الضرر بدنياً أو نفسياً أو مادياً أو غير ذلك، فإنه يتحمل المسؤولية . ويعتقد رئيس منظمة سياج أن من يتسبب في حرمان أي إنسان من حقه في التعبير عن رأيه بالطرق السلمية أو يجبره على التعبير عن آراء تختلف عن قناعاته، فإنه يرتكب جريمة . وقال: من الثابت أن الحكومة اليمنية مسؤولة عن توفير الحماية الكاملة للجميع، وعلى كامل التراب الوطني الخاضع للسيادة الوطنية بموجب الدستور والقانون ومعاهدات واتفاقيات حقوق الإنسان التي صادقت عليها ولا يعفيها من مسؤوليتها كثرة الضجيج الحاصل حول مخاطر مشاركة الأطفال في الاحتجاجات المعارضة .
وأكد القرشي أنه “إذا كانت مشاركة الأطفال ناتجة عن إجبار أو إكراه، تُعدّ جريمة يتحملها من قام بذلك”، مشيراً إلى أن الجريمة مترتبة على الإجبار وليست على التظاهر بحد ذاته . وقال: “لقد دعت المنظمة من بداية الاحتجاجات قيادات الأحزاب في الحزب الحاكم والمعارضة وقيادة شباب الثورة إلى توجيه أنصارهم لعدم اصطحاب الأطفال إلى أماكن الاحتجاجات، نظراً للمخاطر المحتملة في هذه الأماكن، كون اتفاقية حقوق الطفل تنص على حق الطفل في التعبير كما تنص على حقه في الحياة والأمان، وعلى وجوب حمايته، ومن هذا المنطلق كانت دعوتنا إلى تجنب مشاركة الأطفال ويتحمل المتسبب بتلك المخاطر والأضرار مسؤولية ذلك” .
ويخشى القرشي من أن تكون هناك حملة لخلق إدانة مسبقة للضحايا في اللاوعي لدى المجتمع، بحيث تتكون صورة نمطية لدى العامة تستنكر الضحية وتدينه ولا تستنكر القاتل أو المعتدي على طريقة “من قال لأبوه يروح المظاهرة”، مبيناً أن المنظمة عبر خلية الطوارئ في وحدة الرصد قد رصدت منذ فبراير/ شباط وحتى إبريل/ نيسان الجاري وبدعم من اليونيسيف والاتحاد الأوروبي، مقتل أكثر من 40 طفلاً وإصابة أكثر من 45 آخرين بالرصاص الحي وأكثر من 1300 طفل أصيبوا باختناقات بالغازات السامة وجروح بالعصي والحجارة، وجميعهم من المشاركين في الاحتجاجات المطالبة بإسقاط النظام في اليمن . موضحاً أن المنظمة لم تبلغ بأي انتهاكات بحق أطفال شاركوا في المسيرات المؤيدة للنظام، ولا حادثة عنف ضد الأطفال في محافظة صعدة رغم خروج مسيرات بمئات الآلاف أسبوعياً .
كما تم رصد العديد من عمليات الاعتقال والإخفاء القسري للأطفال ومهاجمة منشآت للخدمات العامة كالمستشفيات والمدارس وسيارات الإسعاف والأطقم الطبية .
يشار إلى الكثير من الأطفال يشاركون في مظاهرات مناهضة ومؤيدة للنظام تتسبب في حدوث قتلى وجرحى، وكان من ضمن قتلى الأربعاء الماضي طفل عمره اثنا عشر عاماً .