أصحبت ظاهرة عمالة الأطفال تحظى باهتمام واسع على مستوى العالم، وذلك لخطورتها وانعكاساتها السلبية على الأسرة والمجتمع. وفي تقرير لمنظمة اليونيسيف لعام 2008 حول عمالة الأطفال فإن هناك أكثر من 400 مليون طفل في العالم يتعرضون لمخاطر ناجمة عن تشغيلهم في أعمال خطرة.
أما عربياً فيبلغ عدد الأطفال العاملين أكثر من 12 مليون طفل، ويرى متخصصون أنهم أكثر من ذلك من أصل 130 مليون طفل في العالم العربي بنسبة 65% من إجمالي السكان في العالم العربي حسب بعض التقديرات.
610 آلاف طفل عامل وفي اليمن بدأت عمالة الأطفال بالانتشار منذ التسعينات من القرن الماضي، وتحديداً مع حرب الخليج التي كان نتائجها عودة الكثير من الأسر اليمنية فتعرضوا لظروف اقتصادية صعبة دفعت بأبنائهم للخروج إلى أسواق العمل في سن مبكرة، وكذلك بسبب الاضطرابات السياسية داخلياً آنذاك. وبسبب ارتفاع مخاطر هذه الظاهرة دعت الضرورة لأول إحصائية رسمية لأعداد الأطفال العاملين في سوق العمل في 1994 وللفئة العمرية من 10-14 سنة فبلغت أكثر من 320ألف طفل وطفلة.
وفي إحصائية 1999 ارتفع العدد إلى 450 ألف طفل وطفلة في الفئة من 6-14 سنة، وفي 2009 يقدر برلمان الأطفال أن عددهم فاق 610 آلاف طفل وطفلة.
وتشير إحصائيات أخرى بأن هناك أكثر من 70 ألف طفل ليس لهم عائد أو عائل، وأن في صنعاء وحدها ما يزيد على 18 ألف طفل في الشوارع دون هوية.
وأكدت دراسة ميدانية أعدت بالتعاون مع المنظمة السويدية لرعاية الطفولة للفئة من 7-15 سنة أن أكثر الأماكن التي يعمل بها الأطفال خطرة، وسجلت الدراسة ارتفاعاً للإصابات في العمل إلى 22% إصابات مستدامة و18% إصابات بالتسمم و13% إصابات بالنار و7% إصابات بالكهرباء و7% تعرض للأمراض العديدة الخطيرة.
الفقر.. التفكك الأسري.. وراء الظاهرة يعد الفقر السبب الرئيسي الذي يدفع للعمل خصوصاً وأن نسبة الواقعين تحت خط الفقر في اليمن 33%، كذلك بسبب ارتفاع معدلات نمو السكان والإعالة والبطالة وضعف جهود المجتمع المدني، وبسبب قصور التشريعات ذات الصلة وعدم المراقبة للمنشآت واتخاذ الإجراءات القانونية في حق المخالفين. وبسبب انخفاض معدلات الالتحاق بالتعليم بسبب الفقر في الخدمات التعليمية وارتفاع تسرب الأطفال من التعليم.
وهناك أسباب أخرى، اجتماعية كالتفكك الأسري: الطلاق وتعدد الزوجات. ومنها أسباب أخرى كالجهل بأهمية التعليم والرغبة في الاستقلال المادي، وتقليد الآخرين وقتل الفراغ، أو التدريب على مهنة الوالد وغيرها.
الأضرار تعود ظاهرة عمالة الأطفال بأضرار كثيرة اقتصادية واجتماعية وصحية ونفسية حاضراً ومستقبلاً على الحكومات أو الأفراد أو منظمات المجتمع المدني، وغيرها، في جميع النواحي.
وبلغ عدد المنقطعين عن الدراسة أكثر من مليوني طفل وطفلة، معظمهم ينتهي بهم الأمر إلى الأمية. أما نفسياً فيتعرض الطفل العامل للعنف وسوء المعاملة مما يجعله مهيأ لأن يصبح عنيفاً تجاه المجتمع، خصوصاً أننا في مجتمع يقسو على الأطفال "ليصبحوا رجالاً"، هناك عن الانحراف الأخلاقي الذي ينتج عن ممارساتهم للأعمال.
القانون ودوره في الحد من عمالة الأطفال صادقت اليمن ودول عربية أخرى على الاتفاقيات الدولية الصادرة عن منظمة العمل الدولية (ايبك)، ومن هذه الاتفاقيات ألا يقل سن العمل عن 18 سنة للأعمال الشاقة، و13 سنة للأعمال الخفيفة بشرط ألا تعيقه أو تعرقله عن التعليم والأنشطة التعليمية. ولا يجوز للأطفال أن يعملوا في أعمال خطرة بصحتهم أو سلامتهم أو أخلاقهم.
وبالنسبة لساعات العمل، جاء في المادة 12 من الاتفاقية: لا يجوز أن تزيد عن 6 ساعات في اليوم يتخللها فترة استراحة بحيث لا يعمل الطفل 4 ساعات متتالية. أما المادة 10 فتلزم أصحاب العمل في حال إصابة الطفل الذي يعمل لديه أثناء العمل بدفع أجوره كاملة، وتكاليف ونفقات العلاج، فضلاً عن التعويض اللازم وفقاً للقانون.
أما المادة 21 ففيها بأنه لا يجوز لأصحاب العمل تشغيل الأطفال دون 18 سنة في ورش إصلاح السيارات أو صناعة الاسمنت والجبس والطوب الحراري، أو في مصانع المشروبات الغازية، أو رش المبيدات الزراعية والأسمدة، أو العمل في المذابح والمسالخ، أو شحن وتفريغ البضائع وحملها أو في الحمامات العامة، لكن يبقى التساؤل ماذا عما يحصل حالياً.
وفي باب العقوبات فتعاقب المادة 26 بالسجن مدة لا تقل عن خمس سنوات ولا تزيد عن ثمان سنوات كل من دفع أو حرّض طفلاً على تعاطي المخدرات أو المتاجرة بها، أو الترويج لها، والسجن مدة لا تزيد عن 10 سنوات كل من حرض طفلاً ذكراً أو أنثى على ممارسة الفجور أو الدعارة أو أي أعمال لا أخلاقية.
عواقب نفسية سيئة حول هذه الظاهرة التقينا الدكتور إبراهيم أبو طالب رئس قسم رعاية المبدعين بمركز الإرشاد التربوي والنفسي بجامعة صنعاء، فأكد لنا أن لعمالة الأطفال آثار نفسية سيئة جداً على الطفل الذي يلقى به إلى ميدان العمل مبكراً، ما يحرمه من حياة الطفولة التي كفلها القانون والأعراف الدولية والإنسانية، وحث عليها ديننا الإسلامي الذي نظم لنا طريقة تربية الأطفال، كما جاء في السنة "سبع تلاعبه، وسبع تؤدبه، وسبع تصاحبه"، وسبع التأديب هي التي تستمر معه طوال الحياة وتحدد شخصيته، وهي أكثر السنوات تأثيراً في تشكيل معارفه وطباعه ومزاجه، وعمله المبكر يخلّ بذلك البناء الطبيعي لحياة الطفل.
وعن معاملة الطفل العامل لأسرته وللمجتمع يرى د. أبو طالب أنه على قدر عطاء الأسرة والمجتمع يكون رد فعل الطفل، وإذا كانت الأسرة تقسو عليه وتحمله فوق طاقته، فلا بد أنه سيكون نافراً متمرداً، ولا بد أن يعيش حياته الطفولية، لا أن يكون رجلاً في ثوب طفل صغير. ويضيف أن على الرعاية الاجتماعية أن تؤدي دورها المناط بها كمؤسسات أنشأتها الدولة لرعاية أبنائها، أما التكسب بالصغار لغرض الشحاذة وطمع من يوظفونهم لصالح أطماعهم، فعلى مثل هؤلاء تقع مسؤولية قتل الطفولة وتدمير الناشئة وعلى القانون مراقبتهم ومتابعتهم.
ويدعو الدكتور أبو طالب جميع الجهات حكومية ومنظمات مدني وأصحاب العمل والمهتمين إلى بذل جهود فعالة للحد من هذه الظاهرة التي تضيع طاقة بشرية هائلة، وهذا النداء سبق أن وجهه في ندوة لجمعية الكشافة والمرشدات بالتعاون مع منظمة العمل الدولية (ايبك).
12 ساعة عمل مقابل 200 ريال يومياً! خالد الذي يعمل في مكتبة صغيرة وسط العاصمة بمبلغ زهيد (200 ريال في اليوم) مقابل 12 ساعة عمل كانت أسباب لجوئه للعمل هو أن والده تزوج أخرى بعد طلاق والدته، فأوقف الدراسة في الصف السادس. هكذا يقضي أيامه ولا يعرف ما هو المستقبل الذي ينتظره، رغم أنه نادم عن الانقطاع عن الدراسة لكن الظروف أجبرته.
عبدالرحمن يعمل في محل بنشر سيارات، لأن أخاه يمتهن العمل نفسه، ولديه محل بنشر، ويعمل حتى ال11 ليلاً، حتى دراسته انقطع عنها في الصف الرابع.
جهود للحد من عمالة الأطفال هناك العديد من الجهات التي تقوم بالعمل على الحد من هذه الظاهرة فعلى المستوى الحكومي هناك وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل وخاصة وحدة مكافحة عمل الأطفال التابعة للوزارة وكذلك وزارة حقوق الإنسان ووزارة الصحة والبيئة وهناك منظمات دولية كمنظمة العمل الدولية (ايبك) ومنظمة اليونيسيف وعربياً منظمة العمل العربي.
أما على مستوى منظمات المجتمع المدني فهناك بعض الجمعيات والمؤسسات كمنظمة "سياج" لحماية الطفولة ومؤسسة "إبحار" للطفولة وجمعية الإصلاح الاجتماعي الخيرية وغيرها، إلا أن عملها يعد قليلاً وليس فعالاً.
وحدة مكافحة عمل الأطفال بوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، وتديرها منى سالم، قامت بجهود وأنشطة كثيرة منها إعداد قاعدة معلومات مع تفاصيل كثيرة حول الظاهرة، وساهمت في خلق وعي عن الظاهرة، وحددت 12 يونيو يوماً لمناهضة عمل الأطفال.
وتعد منظمة العمل الدولية مع وزارة التربية والتعليم مشروعاً عن التسرب الدراسي للأطفال، بالتنسيق مع اتحاد الغرف التجارية ومنظمة اليونيسيف، وكفالة العمالة اليمنية.
وتعمل منظمة العمل الدولي أيضاً مع البنك الدولي ومنظمة اليونيسيف خطة عمل وطنية الخروج بوثيقة "خطة العمل الوطنية لمكافحة عمل الأطفال لعشر سنوات قادمة"، وتدعو منى سالم إلى تكاتف جهود الدولة مع منظمات المجتمع المدني، وغيرها، بما يضمن مشاركتها الفاعلة لمساندة الجهود الحكومية.
وقامت جمعية الإصلاح الاجتماعية الخيرية بالتعاون مع منظمة (CHF) بصنعاء بإعداد مشروع "أكسس بلس"، ويهدف إلى استعادة 4000 طفل من أسوأ أنواع العمالة خلال ثلاث سنوات 2009-2011، ويشمل: عدن، وحجة، والحديدة، وتعز.