لا شك ان مسار الأحداث في اليمن دللت على وجود نظام مترهل لا يملك أي مقومات نظام دولة بالمعنى المتعارف عليه. فالتعامل مع الثورة الشبابية السلمية إتسم بردات الفعل المتسمة بالعنف والطيش والذي جعل النظام يتخبط في أفعاله السياسية وعلى الأرض، بل إن أفعال النظام الهمجية زادت من ألق الثورة الشبابية السلمية وعراه تماما أمام الرأي العام المحلي والعالمي. معاقبة الشعب اليمني بقطع الخدمات الأساسية عنه من كهرباء وماء وغاز ومحروقات تعتبر إستراتيجية صدمة غبية تلجأ اليها الأنظمة القمعية في محاولة لحماية الأنظمة من خلال انزال عقاب جماعي بالشعوب لتسحب تأييدها لأي ثورة او اي جهد للتغيير قد يؤدي الى اسقاطها. ممارسات مسؤولي النظام وحتى إعلامه تتسم بالبساطة والسذاجة والغباء في كثير من الأحيان وذلك في محاولته فتح جبهات كثيرة وخلط الأوراق في محاولة يائسة لكسر هذه الثورة، ولكن يبدو ان تلك الخطط سترهق النظام واصبحت تدميه وسيترنح نتيجة تشتت جهده بدلا عن محاولة الإستجابة الطوعية لرغبات واهداف الثورة الشعبية السلمية والتي ظاهرها يجمع عليه الشعب اليمني. كان من الذكاء التعامل معها بجدية واخلاص لو كان رأس النظام يقدم مصلحة الوطن على الكرسي. إحدى أهم الملاحظات على هشاشة هذه النظام هو اجتماع أهم قياداته في مكان واحد وفي ساعة معروفة رغم جبهات القتال المستعرة على جميع الجهات ووجود ثورة قائمة ونظام طوارئ معلن من قبل النظام نفسه فكان إصطيادهم مدعاة للعجب والسخرية من هكذا نظام. الأنظمة العربية ابتداء من تونس ومصر ومرورا بليبيا واليمن وسوريا أثبتت بأن الأنظمة العربية قيصرية وكسراوية قامت وأستندت على جيوش وأجهزة أمن قمعية من أجل حماية أصحاب العروش الجمهورية ظاهرا. الجيش التونسي والمصري أحتفظا بولاء وطني وتماسك وقدما مصلحة الأوطان على مصالح الأفراد ولهذا أتخذت قرارات شجاعة بحماية والأصطفاف بجانب الشعوب وان كان ظاهريا أو هكذا بدا لنا، ولكنها استطاعت المحافظة على بلدانها من الإنهيار والضياع والذهاب الى المجهول. اليمن وليبيا وسوريا وبنفس السيناريو وكأنها أنظمة خرجت من نفس المدرسة القمعية الأسرية شكلت نموذج لسوء الأنظمة الأسرية التي كانت تحكمها فقد عملت تلك الأنظمة الأسرية على بناء جيوش تدين بالولاء للقائد فقط فتم تقسيمها وتوزيع الويتها ووحداتها بين أفراد الأسرة واهل الولاء، ولكن اثبتت الأيام والأحداث بأن الولاء للأفراد عامل متغير يخضع للمصالح والمحيط الشعبي والسياسي والدولي. تتساقط الولاءات بمجرد تغير المتغيرات وتقلباتها وتأثيراتها على علاقة الولاء. وعودة لليمن فهناك ثلاث قوى تتصارع الان على ساحته، نظام مترنح مثخن بالجراح ويرقد كما يقال رأسه وكبار قياداته في غرف الإنعاش. وثورة شبابية سلمية يغيب عنها القيادة والإستراتيجية الواضحة والخطط المدروسة فجعلتها رغم زخمها وحماس شبابها أسيرة لردات فعل السلطة واوامر التيار الثالث. التيار الثالث المختبئ تحت شعار الثورة هم الإنقلابيين الذين تزعموا الثورة وأصبحت الثورة تدار من قبلهم وتصفق وتشجع لهذا لفريق طمعا في الحماية والحسم كما يقال.. أظن ان ثورة الشباب السلمية اليمنية ستشكل سابقة تاريخية في معنى الثورات وكيفيتها، فالمعروف ان الإنقلابيين في التاريخ انما انخرطوا في الثورات وسعوا لتحقيق اهدافها ولم يكونوا ابدا درعها او حاميها بل انهم انقلبوا دائما بعد انتصار الثورات وقاموا هم بتصفية ثوارها الحقيقيين. إنما في اليمن فالثورة يتزعمها انقلابين ابتداء من جيش علي محسن الأحمر المنشق والذي ضيع فرص وجود جيش محايد يمكن له ان يتسلم السلطة اذا تم اسقاط النظام. قد يكون ذلك صعبا كما يقال مع وجود فرق والوية موزعة في الولاءات وبيد اركان الكرسي ومن اهل بيته وتلك ربما حجة افقدت الأمل لأصحاب هذا المنظور. المشائخ وبنادقهم والمتطرفين وعنفهم وبقية الفاسدين والمتساقطين والمنتقمين شكلوا عبئا واضحا على مسيرة هذه الثورة وافراغها من مفهوم الثورة الى الإنقلاب والتي يفرق بينهما إصطلاحا واهدافا اشياء كثيرة واهما ان الثورة من صميم اهدافها هو التغيير الشامل سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وليس انقلابا فقط لإستبدال أو اسقاط راس السلطة والحكام. نرجو ان يكون هناك وضوح في الرؤية والأهداف ووضح خطة واضحة للثورة الشبابية السلمية وبلورة قيادة نزيهة وطموحة بعيدا عن بقية التيارات التي تعوق أو تشكل خطرا في الإجهاز عليها او على الأقل تحويل مسارها من ثورة شاملة الى إنقلاب سياسي فقط ، وخاصة في هذه الفترة المهمة والنظام يترنح..