ريال مدريد يثأر من السيتي ويجرده من لقب أبطال أوروبا    الجنوب ومحاذير التعامل مع العقلية اليمنية    "استيراد القات من اليمن والحبشة".. مرحبآ بالقات الحبشي    حضرموت تستعد للاحتفاء بذكرى نصرها المؤزر ضد تنظيم القاعدة    غرق شاب في مياه خور المكلا وانتشال جثمانه    بن بريك يدعو لتدخل إغاثي لمواجهة كارثة السيول بحضرموت والمهرة    "سيضيف المداعة في خطبته القادمة"...شاهد : خطيب حوثي يثير سخرية رواد مواقع التواصل بعد ظهوره يمضغ القات على المنبر    ثلاث مساوئ حوثية أكدتها عشرية الإنقلاب    فيديو اللقاء الهام للرئيس العليمي مع عدد من كبار الصحفيين المصريين    "ليست صواريخ فرط صوتية"...مليشيات الحوثي تستعد لتدشين اقوى واخطر سلاح لديها    دوري ابطال اوروبا ... ريال مدريد يطيح بمانشستر سيتي ويتأهل لنصف النهائي    على رأسهم مهدي المشاط ...ناشطة حوثية تدعو إلى كسر الصمت حول قضية السموم الزراعية في اليمن    اليمن: الكوارث الطبيعية تُصبح ظاهرة دورية في بعض المحافظات الساحلية، ووزير سابق يدعو لإنشاء صندوق طوارئ    مأساة إنسانية: صاعقة رعدية تُفجع عائلتين في تعز    الرئيس الزُبيدي يطمئن على الأوضاع في محافظة حضرموت    العين الاماراتي يسحق الهلال السعودي برباعية ويوقف سلسلة انتصارات الزعيم التاريخية    حكومات الشرعية وأزمة كهرباء عدن.. حرب ممنهجة على الجنوب    رافقه وزيري العمل والمياه.. رئيس الوزراء يزور محافظة لحج    سحب العملة الجديدة في صنعاء... إليك الحقيقة    دراسة حديثة تحذر من مسكن آلام شائع يمكن أن يلحق الضرر بالقلب    رافينيا يوجه رسالة حماسية لجماهير برشلونة    أنس جابر تنتزع تأهلا صعبا في دورة شتوتجارت    استقرار أسعار الذهب عند 2381.68 دولار للأوقية    مفاجأة صادمة ....الفنانة بلقيس فتحي ترغب بالعودة إلى اليمن والعيش فيه    المجموعة العربية تدعو أعضاء مجلس الأمن إلى التصويت لمنح فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة    محافظ المهرة يوجه برفع الجاهزية واتخاذ كافة الإجراءات الاحترازية تحسبا للمنخفض الجوي    وفاة وإصابة 162 مواطنا بحوادث سير خلال إجازة عيد الفطر    أمين عام الاشتراكي اليمني يعزي الرفيق محمد إبراهيم سيدون برحيل زوجته مميز    إيران: مدمرة حربية سترافق سفننا التجارية في البحر الأحمر    توكل كرمان تجدد انتقادها لإيران وتقول إن ردها صرف انتباه العالم عما تتعرض له غزة    عن صيام ست من شوال!    مصر: ختام ناجح لبطولة الجمهورية المفتوحة " للدراجون بوت "ومنتخب مصر يطير للشارقة غدا    حزب الإصلاح يكشف عن الحالة الصحية للشيخ ''الزنداني'' .. وهذا ما قاله عن ''صعتر''    أبناء الجنوب يدفعون للحوثي سنويا 800 مليون دولار ثمنا للقات اليمني    القوات المسلحة الجنوبية تسطر ملاحم بطولية في حربها ضد الإرهاب    تصحيح التراث الشرعي (24).. ماذا فعلت المذاهب الفقهية وأتباعها؟    وفاة طفل غرقًا خلال السباحة مع أصدقائه جنوبي اليمن    10 أشخاص ينزحون من اليمن إلى الفضاء في رواية    محافظ عدن يلزم المنظمات باستصدار ترخيص لإقامة أي فعاليات في عدن    مصير الأردن على المحك وليس مصير غزة    من هم الذين لا يدخلون النار؟.. انقذ نفسك قبل فوات الأوان    نيابة استئناف الامانة تتهم 40 من تجار المبيدات والأسمدة بارتكاب جرائم بيئية وتعريض حياة الناس للمخاطر    خطة تشيع جديدة في صنعاء.. مزارات على أنقاض أماكن تاريخية    الكشف عن آخر تطورات الحالة الصحية للفنان عبدالله الرويشد    ارنولد: انا مدين بكل شيء ل كلوب    دوري ابطال اوروبا: دورتموند يخالف التوقعات ويُحرج دفاع الاتلتيكو برباعية    الضالع: القوات المشتركة تُحافظ على زخم انتصاراتها وتُحبط مخططات الحوثيين    بعد تراجع شعبيتهم في الجنوب ...المجلس الانتقالي الجنوبي يعتزم تعيين شخصية حضرمية بديلاً عن عيدروس الزبيدي    وللعيد برامجه التافهة    السيد الحبيب ابوبكر بن شهاب... ايقونة الحضارم بالشرق الأقصى والهند    ظهر بطريقة مثيرة.. الوباء القاتل يجتاح اليمن والأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر.. ومطالبات بتدخل عاجل    أبناء المهرة أصبحوا غرباء في أرضهم التي احتلها المستوطنين اليمنيين    حكم الجمع في الصيام بين نية القضاء وصيام ست من شوال    وزارة الأوقاف تعلن صدور أول تأشيرة لحجاج اليمن لموسم 1445ه    تراث الجنوب وفنه يواجه.. لصوصية وخساسة يمنية وجهل وغباء جنوبي    تأتأة بن مبارك في الكلام وتقاطع الذراعين تعكس عقد ومرض نفسي (صور)    تخيل أنك قادر على تناول 4 أطعمة فقط؟.. شابة مصابة بمرض حيّر الأطباء!    النائب حاشد: التغييرات الجذرية فقدت بريقها والصبر وصل منتهاه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عمال النظافة .. واقع مرير ومآس لا تنتهي
نشر في المصدر يوم 03 - 09 - 2009

منذ عشرات السنين وفئات المهمشين تعاني عزلة مجتمعية ورسمية، ليس لشيء وإنما بسبب بشرتهم السوداء وقبول الغالبية منهم العمل في البلدية وفي مشروع النظافة ويتحملون نتيجة عملهم هذا شتى صنوف الإهانات والسباب والشتائم والألفاظ النابية، بل إن كثيراً منهم اليوم يعانون من عديد أمراض كالسرطان وتليف الكبد والسل والحساسية وأمراض العيون والجلد وغيرها من الأمراض دون أن يتلقوا العناية اللازمة والكافية من قبل الجهات التي يعملون لصالحها في تمييز خطير تجاههم، وبعيداً عن الواجب الإنساني الذي يفرض على رب العمل معالجة عامليه، وعلى الأخص إذا أصيب العامل في مكان عمله. فالواجب والدستور والقوانين النافذة تفرض على جهات العمل معالجة عامليها، لكن شيئاً من هذا لا يحدث مع عمال وعاملات النظافة، وتوفي بعضهم وهو يكابد صنوفاً شتى من الأمراض الخطيرة نتيجة عملهم في البلدية.

(ح. ج) شاب لم يتجاوز الثلاثين عاماً، كان متحمساً للعمل بنشاط وإخلاص كعادته، لكن ابنه البالغ من العمر عاماً واحداً سيفتقده طوال عمره، لقد غادر الحياة رغماً عنه بسبب سقوطه من على سيارة النظافة. لم يتلق العلاج ولم تقم البلدية التي يعمل لصالحها بتوفير العناية والصحة له ما أدى إلى وفاته، ليس هذا هو السبب الوحيد لوفاته بل إنه كان يعاني من عديد أمراض لعل أهمها السرطان وتليف الكبد وهي أمراض لم تكن معروفة لديه قبل عمله بمشروع النظافة.

هو اليوم بات في رحمة الله وما يزال أخوته يتابعون الجهات الرسمية علَّها تصغي لمطالبهم المشروعة والنظر إلى طفله وزوجته بعين الإنسانية والرحمة لكي يصبح عائلهم الوحيد رسمياً في كشوفات الخدمة المدنية بعد أن أدى خدمته في البلدية ومشروع النظافة ما يزيد عن عقد ونيف من الزمن، لا يبدو في الأفق أن الجهات الرسمية تصغي لمثل هذه المطالب الإنسانية المشروعة ولإيجاد حل عادل وشامل لمعاناة عمال النظافة والبلدية لأنها باختصار لا تنظر إلى هؤلاء على أنهم بشر يستحقون معاملة إنسانية بل تراهم دون ذلك.


فئة مهمشة
يعتبر المجتمع اليمني مجتمعاً تقليدياً، تتفاوت فيه المكانة الاجتماعية للجماعات والأفراد بناءً على معايير موروثة، وفقاً لمعايير تصنيف اجتماعي جامد، لا يسمح سوى بمجال محدود للحراك الاجتماعي وانتقال الأفراد من المستويات الاجتماعية الدنيا إلى مستويات أعلى. وتحتل فئة ما يسمى ب"الأخدام" المكانة الأدنى في السلم الاجتماعي، وعلى الرغم من عدم وجود إحصائيات رسمية لعدد أفراد هذه الفئة الاجتماعية المهمشة، إلا أن منظمة "الدفاع عن الأحرار السود" (تحت التأسيس) تقدر عددهم بنحو 800 ألف نسمة يتوزعون على مختلف مناطق اليمن، إلا أن معظمهم يتركزون في محافظات تعز، عدن، الحديدة، لحج، حضرموت، وأمانة العاصمة صنعاء.

يعاني الأخدام من عزل اجتماعي ومكاني، فلا تقبل الفئات الاجتماعية الأخرى أن يتزوج أفرادها (الذكور أو الإناث) ممن ينتمون إلى هذه الفئة، ويعمل معظم (الأخدام) في الخدمات والأنشطة التي ينظر إليها السكان على أنها خدمات وأنشطة محتقرة، وفي مقدمتها تنظيف وكنس الشوارع وتنظيف الحمامات ومجاري الصرف الصحي. وحسب التقرير السنوي للمرصد اليمني لحقوق الإنسان حول حقوق الإنسان والديمقراطية في اليمن 2006، فإن الأخدام يسكنون في تجمعات سكنية منعزلة عن المناطق التي تسكن فيها الفئات الاجتماعية الأخرى تقع على أطراف المدن، يطلق على الواحد منها تسمية (محوى) ويبنون منازلهم -لاسيما في الحضر- على أرض مستولى عليها عن طريق وضع اليد، وهي غالباً غرف من الصفيح وأكواخ خشبية وخيم مهترئة.

تنص المادة 41 من الدستور اليمني على أن "المواطنون جميعهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة" وهو ما يبدو –ظاهرياً- متوائماً مع التوجهات العامة لاتفاقيات وتشريعات حقوق الإنسان، على أن "جميع الناس يولدون أحراراً ومتساوون في الكرامة والحقوق وهم قد وهبوا العقل والوجدان وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضاً بروح الإخاء". وتنص المادة 2 من الإعلان على أن "لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات المذكورة في هذا الإعلان دونما تمييز من أي نوع، لاسيما التمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي سياسياً كان أو غير سياسي أو الأصل الوطني أو الاجتماعي أو الثروة أو المولد أو أي وضع آخر".

يضيف التقرير أنه واستناداً إلى نص المادة 41 من الدستور تنفي الحكومة اليمنية وجود تمييز أو تفرقة عنصرية في اليمن سواءً تجاه فئة الأخدام أو غيرها من الفئات الاجتماعية والسكانية، إلا أن تحليل نص المادة 41 من الدستور تنحصر فقط في الحقوق والواجبات العامة، أي في المسائل المتعلقة بتعامل الدولة معهم، وتعاملهم معها، أما المسائل المتعلقة بتعامل المواطنين بعضهم مع البعض الآخر، فقد ترك أمر تنظيمها للعادات والتقاليد والأعراف ومكونات الثقافة التقليدية الأخرى.

إن مفهوم التمييز العنصري في وثائق حقوق الإنسان لا تشير فقط إلى التمييز القانوني، بل يشير إلى كل تمييز تتعرض له جماعة معينة على أساس عرفي، سواء نص القانون على هذا التمييز، أم لم ينص، فالتمييز العنصري هو بالمقام الأول تمييز تمارسه الجماعات العرفية بعضها من البعض الآخر، أما التمييز الذي تمارسه الدولة ضد جماعة عرفية أو دينية معينة فهو في الغالب –يؤكد تقرير المرصد- يندرج في إطار الإبادة الجماعية، أكثر مما يندرج في إطار التمييز العنصري. وبناءً على ذلك –يقول التقرير- فإن ما تتعرض له فئة الأخدام في اليمن من تمييز اجتماعي، يمكن بدرجة كبيرة من الثقة تصنيفه ضمن التمييز العنصري، ومعلوم أن أغلب أفراد هذه الفئة يعملون في البلدية ومشروع النظافة وبأجر يومي بخس. وعلى الرغم من التمييز الذي يمارسه المواطنون ضد هذه الفئة المهمشة، إلا أن الدولة تتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية عن استمراره بسبب عدم اتخاذها أي إجراءات أو تدابير لرفع الظلم عنهم، بل إن هناك ما يشير إلى أن الأجهزة الحكومية والمسؤولين الحكومين –يقول التقرير- يمارسون تمييزاً عنصرياً ضد فئة الأخدام، فكثير منهم يتعرضون للمعاملة المهينة واللاإنسانية في أقسام الشرطة في حال وصولهم إليها لأي سبب، ومن الأدلة الواضحة على التمييز العنصري الرسمي ضد فئة الأخدام، هو أن وزارة الشؤون الاجتماعية التي تسمح لكل الفئات والجماعات الاجتماعية والسكانية بتأسيس المنظمات غير الحكومية بكل أنواعها، لم توافق على منح منظمة الدفاع عن الأحرار السود ترخيصاً بممارسة النشاط الرسمي، والتي أسسها عدد من الأفراد الذين ينتمون لهذه الفئة منذ حوالي عشر سنوات فهي لا زالت تسمي نفسها إلى الآن منظمة الدفاع عن الأحرار السود "تحت التأسيس".

نصوص
كفل الدستور اليمني والقوانين النافذة وقبلها الشريعة الإسلامية المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات العامة، ومع ذلك فإن ما يمارس على أرض الواقع مخالف لما ورد في هذه النصوص.

تحكي المادة (55) من قانون العمل لعام 1995م على أنه لا يجوز أن يقل الحد الأدنى لأجر العامل عن الحد الأدنى للأجور في الجهاز الإداري للدولة. لكن ما هو قائم اليوم أن العامل ناهيك عن أنه أجر يومي، يقل عن الحد الأدنى للأجور، وهو مخالف لنص هذه المادة.

المادة (3) من قانون النظافة العامة لعام 1999م تنص على أن هذا القانون يهدف إلى تحقيق:
1. حماية البيئة وصحة المجتمع وعدم الإضرار بهما.
2. التخلص من المخلفات في المدن والقرى بطرق صحية أو معالجتها أو إعادة تصنيعها بطرق علمية لإعادة استخدامها.
3. تحقيق مبدأ اللامركزية في أعمال النظافة وتنظيمها وتبسيط إجراءات تنفيذ أعمالها ووضع خطط عامة للنظافة في نطاق الوحدة الإدارية.

وتقول المادة (28) من نفس القانون بأنه "يجوز لرئيس الوحدة الإدارية السماح بتشغيل عمال النظافة التابعين لمكتب الوزارة مع المتعهد بشرط عدم تشغيلهم في أعمال أخرى لا تتعلق بأعمال النظافة المتفق عليها أو تشغيلهم أكثر من ساعات العمل اليومية، وفي حالة الضرورة يمكن تشغيلهم ساعات عمل إضافية مقابل أجر إضافي يقوم بدفعة المتعهد فور انتهاء العمل، ويمكن تسوية أوضاع هؤلاء العاملين وفقاً للقوانين النافذة على أن تستقطع الوزارة المبالغ التي تسلمها لعمال النظافة التابعين لها من المستحقات التي للمتعهد.

وتنص المادة (5) من قرار رئيس مجلس الوزراء رقم (137) لسنة 2006م بشأن النظام المعياري لإنشاء بدلات طبيعة العمل على الآتي: "لأغراض هذا القرار تصنف المخاطر إلى نوعين رئيسين:

1. مخاطر على الصحة العامة للموظف: ويقصد بها إمكانية تعرض الموظف بسبب مزاولته الوظيفية لأمراض مهنية قد تؤثر على المدى القصير أو المتوسط أو الطويل على صحته العامة وقدرته على الاستمرار في العمل.
2. مخاطر إصابات وحوادث العمل: ويقصد بها الإصابات والحوادث التي قد يتعرض لها الموظف بسبب طبيعة عمله مثل الجروح والحروق بمختلف درجاتها والصعق الكهربائي وغيرها من الحوادث التي قد تفقد الموظف بصفة مؤقتة أو دائمة القدرة على الاستمرار في مزاولة وظيفته.

وتقول الفقرة (3، ب) من المادة (6) من نفس القرار السابق:
مصادر ذات خطورة عالية جداً، وهي تلك المصادر التي قد يؤدي التعامل معها إلى تعرض الموظف لحوادث قد تؤدي إلى الوفاة أو العجز والإعاقة الدائمة أو الإصابة بأمراض مهنية يمكن أن تؤدي على المدى المتوسط إلى الوفاة.

والمادة (3) من قرار رئيس مجلس الوزراء رقم (257) لسنة 2000م بشأن الرعاية الطبية المهنية للعاملين في الجهاز الإداري للدولة والقطاعات العام والمختلط تعدد أمراض الجهاز التنفسي الناجمة عن ممارسة المهنة بأنها:

- أمراض القصبات الهوائية والرئتين الناجمة عن أبخرة أو أغبرة المعادن الصلبة.
- أمراض تغير الرئتين التي تنشأ عن السليكا أو غبار الحرير الصخري أو غبار التلك.
- الأمراض الناجمة عن القطن أو الكتان أو القنب أو الجوت، ثم التهاب الرئيتين بفرط الحساسية وانتفاخ الرئتين. تلك أمراض الجهاز التنفسي. لكن ذات القرار يورد في مادته (4) الأمراض الجلدية ويعرفها بأنها: التهاب وتقرحات وآفات التماس الجلدية وأية أمراض جلدية مهنية أخرى.

والمتابع لما يعانيه العاملون في البلدية ومشروع النظافة فإن كثيراً منهم يعانون من هذه الأمراض سواء أمراض الجهاز التنفسي أو الأمراض، الجلدية، وخاصة العاملين في مقلب الأزرقين الذين يقومون بإحراق القمامة هناك، وسأتناول هذا الموضوع بقليل من التفصيل لاحقاً.

معاناة وألم
بمرارة يحكي عن معاناته اليومية في العمل وعما يلاقيه من إهانات شبه يومية من قبل المشرف عليه في العمل. كان متحفظاً في البوح باسمه خشية أن يراه القائمون والمشرفون عليه فيحرموه من العمل أو يوقفوه عنه. لم أضغط عليه كثيراً ووعدته أن لا أفشي اسمه لأحد مهما كلف الأمر حتى لا أعرضه للأذى باعتبار ذلك جانباً أخلاقياً ومهنياً تعلمناه في مقاعد الدراسة.
وعلى الرغم من أنني جلست إلى كثير منهم، لكن ما أسمعه من هذا عن معاناة لا يكاد يختلف عما اسمعه من ذاك فالمعاناة واحدة والألم والهم واحد.

(ع. أ) يتعرض لعديد شتائم وإهانات من مشرفيه في حال تأخر عن العمل لدقائق، يستقطع المشرف عليه جزءاً من أجره اليومي الزهيد (لا يتجاوز 600 ريال) يومياً. هذا المبلغ لا يكفيه –حد قوله- لوحده، وبالتأكيد لا يكفي أسرته التي يفوق عددها عن ستة أشخاص هو سابعهم، هكذا قال لي وزفر بمرارة.

من مدينة زبيد محافظة الحديدة قدم إلى صنعاء العاصمة باحثاً عن عمل وعن لقمة عيش يسد بها رمقة وأسرته. قاده حظه العاثر للعمل في البلدية. يضيف أنه لم يستطع الحصول على عمل آخر، وحتى لا يضطر إلى التسول فضَّل العمل في البلدية. هو اليوم يعاني مرارة شظف العيش وتحمل الإهانات اليومية من قبل المشرف عليه، يخشى نقل ما يعانيه إلى المدير، لكن بعضاً من زملائه تجرأ ونقل معاناتهم جميعاً إليه لكنهم لم يجدوه منصفاً وأحالهم وشكواهم إلى المشرف عليهم لإنصافهم باعتباره المسؤول عنهم ليتحول المشرف إلى قاض وجلاد في ذات الوقت.

هكذا تستمر معاناة عمال النظافة مع مشرفيهم ومدرائهم الذين يمارسون أعمالاً عنصرية تجاههم بسبب لونهم وبشرتهم السمراء.

يقدم عمال النظافة يومياً سلوكاً جميلاً للغير، يعملون ثمان ساعات يومياً تبدأ من السابعة صباحاً وحتى الحادية عشرة قبل الظهر، ومن السابعة مساء حتى الحادية عشرة قبل منتصف الليل، وهذه أوقات الذروة في العمل، وأي تأخير عن الدوام مباشرة يسارع المشرف بالخصم من أجورهم دون أن يجهد نفسه لمعرفة سبب الغياب أو التأخير، يضيف (ع. أ) أن أسباب غيابه أحياناً عن العمل أو تأخره ناتج عن مرض أو أعراض مرضية تقع له أو أحد أفراد أسرته ما يضطره للذهاب إلى المستشفى أو الطبيب، ومع ذلك لا يقبل عذره ولا يغفر له، ولا يسمح لهم بمناقشة سبب الغياب ويجدونها فرصة للاستقطاع من أجورهم الزهيدة دون مراعاة الجوانب الأخلاقية والإنسانية التي يعاني منها عمال وعاملات النظافة.

يقول (أ. ح. ع) يحدث أن أغيب أحياناً عن العمل لسبب أو لآخر، ولأن عملي بالأجر اليومي فأطلب من أحد أقاربي أو أصحابي أن يغطي بدلي، وهكذا أفعل ليوم أو يومين دون أن ينتبه أحد، المهم أن يظل لا المكان الذي أعمل فيه شاغراً دون وجود عامل. (أ. ج) هو الآخر مثله مثل زملائه يشكو من التصرفات المهينة واللاإنسانية التي يتعامل فيها معهم بعض المشرفين ولا تكاد تختلف معاناته عن كل من التقينا بهم.

شهادة
في تقرير المرصد اليمني لحقوق الإنسان لعام 2006م عن حقوق الإنسان والديمقراطية في اليمن، يورد شهادة لأحد المهمشين المقيمين في صنعاء حول الفساد في اعتماد ومعاناة الضمان الاجتماعي أحببت إيرادها هنا لنرى التعامل مع أفراد شريحة المهمشين. يقول: "أنا خادم فقير. صحيح أنا عامل في البلدية لكن المرتب قليل لا يكفي حتى لشراء الخبز لأسرتي المكونة من ثمانية أفراد، لذلك لم ألحق أطفالي بالمدرسة والكبار منهم كانوا مسجلين في المدرسة، لكن لم أستطع توفير المصرفات، فتركوا المدرسة، الآن أولادي جميعاً غير ملتحقين بالتعليم، بعضهم يتسول والبعض الآخر يمسح السيارات ويبيعون الماء والمناديل الورقية في "الجولات"، حاولت الحصول على معاش من صندوق الرعاية الاجتماعية، لكن واجهتني صعوبات ولم أتمكن من استكمال المعاملة لأنني فقير، الفقير لا يستطيع الحصول على معاش الضمان الاجتماعي، لا يستطيع الحصول عليه إلا الذين يستطيعون أن يدفعوا نقداً للعاقل والمجلس المحلي وأعضاء لجان المسح الاجتماعي أو الذين لديهم واسطة. ولك عزيزي القارئ أن تنظر إلى هذه المأساة وغيرها كثير.

مآس إنسانية
ثمة قضايا وانتهاكات تلاحق عمال وعاملات النظافة في كل مكان، والبعض منهم يفقد حياته نتيجة لعمله في البلدية وفي مشروع النظافة إليكم بعضاً من المعاناة والأعمال التي أدت في النهاية إلى مأساة.
* أمين جابر أحمد منذ ثلاثة عشر عاماً يعمل في قطاع النظافة بأمانة العاصمة، وفي 12/3/2007م سقط من على سيارة النظافة فانكسرت يده وأصيب بخلع في مفصل الكتف وشرخ في عظمة الجمجمة. انقطع عن العمل لهذا السبب ما أدى إلى فصله دون أن يتلقى أي علاج من الجهة التي يعمل لصالحها. تماثل أمين للشفاء وذهب باحثاً عن عمل في شركة خاصة بالنظافة، لم يمض كثيراً من الوقت في العمل حتى ظهرت عليه أعراض الإصابة بمرض في الكبد، أسعف على إلى المستشفى الجمهوري بالعاصمة وبعد عشرة أيام قرر الطبيب خروجه من المستشفى، وعاد إلى المنزل ليدخل في غيبوبة بعد يومين فقط من خروجه من المستشفى الجمهوري لينقل إلى مستشفى الكويت وظل في غيبوبة لخمسة أيام، وفي 24/2/2008م فارق الحياة تاركاً زوجة وطفلاً لم يتجاوز عمره أسبوعين فقط.
بعد وفاة أمين بدأ أخوه عبده جابر بمتابعة حقوقه لدى مشروع النظافة. طلب المشروع التقارير الطبية والأوراق الخاصة به وحين سُلم له كل ما أراد جاء الرد صادماً لأسرة أمين بأنه لا يستحق شيئاً، رغم أنه أصيب أثناء تأديته للعمل، بل إن العمل الذي يقوم به هو المتهم الرئيسي في إصابته بالكبد، ولم يقتنع مشروع النظافة أن له حقاً قبل أن يموت وبعد أن فارق الحياة.
* يحيى جابر أحمد أخو أمين وعبده هو الآخر يعمل في النظافة، طلب إجازة لكي يتمكن من زيارة أمين، رفض المشرف المباشر الطلب ووجه بفصله من العمل، يقول يحيى: لأني أتابع مشاكل العمال وقضاياهم المختلفة اتهموني بالعامل المزعج.
في كل الأعمال، عامة كانت أو خاصة، فإن كل عامل يحصل على إجازة سنوية قدرها شهراً كاملاً مدفوع الأجر، والآن عمال النظافة يعملون بالأجر اليومي وليس لهم إجازات، حتى في المناسبات الوطنية والمناسبات الدينية وفي أيام العيد، ومع كل ذلك لم يقدر أحد معاناتهم ولم ينصفهم في حقوقهم في الأجر المناسب والحق في الإجازات وغيرها.
* لم يكن أمين جابر وحده من سقط من على سيارة النظافة. مثل ذلك حدث مع حسين أحمد علي أبكر الذي بدأ العمل في مشروع النظافة بالحديدة من العام 1990 بوظيفة رسمية استمر فيها حتى العام 1995م، ولأسباب خاصة أخذ إجازة بدون راتب ليسافر بعدها إلى المملكة العربية السعودية، وحين عاد إلى اليمن فوجئ بقرار فصله ودرجته الوظيفية بيعت لشخص آخر، وبذل كل ما يستطيع من جهد ومال لاستعادة وظيفته المسلوبة فلم يستطع، فقرر أن ينتقل إلى العاصمة صنعاء علَّه يجد ما يسد رمقه، فانضم إلى العمل في النظافة بالأجر اليومي، فتعرض لسقوط من سيارة النظافة فأنفق على علاج نفسه من حسابه الخاص ولم يساعده مشروع النظافة بشيء، وبقي في منزله بعد الحادث لعديد أيام، وحين عاد إلى العمل فوجئ بفصله من العمل وبات الآن يبحث عن عمل بعد معاناة آلام الأمراض والكسور والعوز والحاجة.

جنود يضربون عامل نظافة بأمر من ضابط
لم يكن يعرف علي يحيى (عامل نظافة في منطقة مذبح) أن عمله سيعرضه للضرب والسجن، عندما كان ينظف المكان تطاير الغبار على ملابس أحد الضباط كان يرتدي ملابس مدنية، الضابط لم يتمالك نفسه ووجه جنود شرطة مذبح بضرب وسجن علي يحيى وكال عليه السباب والشتائم، وحين اعترض علي على ذلك وجه الجنود بسحبه وضربه. لم تشفع له إلا توسلات المهمشين وتقبيل يد الضابط لإطلاق سراح زميلهم على اعتبار أن زميلهم لا يعرفه لأنه لابس مدني رغم أن عمله غير مقبول وإن كان لابساً بدلة عسكرية ولا يجيز له الدستور والقوانين وقبلها الشرع الإساءة والسحب والضرب للمواطن البريء دونما ذنب ارتكبه أو جريمة اقترفها.

الضابط استجاب لتلك التوسلات وأمر بإطلاق علي يحيى بعد أن أشبع نزعاته العدوانية والتسلطية. تلك واقعة تحكي مرارة الظلم والاستبداد في استغلال السلطة وتوظيفها بعنجهية للاعتداء على الضعفاء والبسطاء وحرياتهم في انتهاك صارخ للحقوق، ذنبه أنه يقوم بخدمة الناس دون أن ينتظر الأجر من أحد.

غيض من فيض
عندما بدأت ذاكرتي تتناسى ذاك الموقف الذي خرج لنا فيه رجل يحمل بندقية مهدداً بتصفية عمال النظافة إن هم أصروا على وضع البراميل بجوار منزله، يقول (ع. ج) أعود لأتذكر الموقف مرة أخرى عندما أشاهد أناس يعيشون وسط البراميل، المصدر الوحيد للقمة العيش لكثير من المهمشين.

يضيف: في اليمن عاصمة للمعاناة يحدها من الشرق الجهل، ومن الغرب الفقر، ومن الجنوب المرض، ومن الشمال الظلم والجور. عمال يعملون ليل نهار بلا كلل ولا ملل وكأنهم قد يأسوا أن يشعر بهم أحد، معظمهم يسكنون بالإيجار ولا تزيد رواتبهم عن ثمانية عشر ألف ريال باعتبارهم يعملون في البلدية، وهو مبلغ لا يكفي لتلبية أبسط الخدمات، ناهيك عن الحرمان من التأمين الصحي والاجتماعي، وعدم وجود إجازات، ومع كل هذا هناك فصل تعسفي.

(هنا أود أن أشير إلى أن البعض منهم رفض أن يظهر اسمه وبعضهم وافق لهذا أورد من الأسماء التي لم يمانع أصحابها بالظهور).
* أحمد شوعي ماطر منذ العام 1990م عمل لبلدية حجة كمساعد مهندس لفترة طويلة منتظراً وصول لجنة البلدية لأخذ ملفاتهم لتثبيتهم بدرجات رسمية. وصلت اللجنة المنتظرة واستبشر جميع العاملين بقرب توظيفهم. أحمد كغيره استبشر خيراً. لم يكن يدري أن هذه اللجنة تحمل مفاجأة لكنها غير سارة بالنسبة إليه، وقعت القرعة على شخص آخر وحل محل ماطر بعد أن بيعت درجته الوظيفية. لم ييأس، وانتقل إلى عامل نظافة لكنه فصل تعسفاً، وانتقل بعدها إلى العاصمة صنعاء وعمل ما يقارب سنوات عشر، وبعد عقد من الزمن في العمل في البلدية بصنعاء رفض دفع ألف ريال شهرياً كباقي العمال للمشرف مقابل بقائهم في العمل، وحين رفض دفع المبلغ وجد نفسه في الشارع مفصولاً وعاطلاً عن العمل.
ذهب إلى مدير المنطقة ليشتكي لكنه وجد نفسه كالمستغيث من الرمضاء بالنار، وأصبح ماطر ذو الخمسة والخمسين عاماً عاطلاً عن العمل ودفع بأبنائه من الصباح الباكر لجمع علب العصير الفارغة والماء من براميل القمامة ويبعونها لتوفير لقمة عيش كريمة له ولبقية أفراد أسرته.
* لم يكن أحمد ماطر وحده في هذه المعاناة صالح عبدالله شداد هو الآخر معاناته لا تكاد تختلف عن غيره، عمل منذ بداية تسعينيات القرن الماضي، لكنه فصل في يوليو الماضي، والعذر أنه كبير السن ولم يعد له أي حق من حقوق الوظيفة العامة لأنه بدون تأمين وكأن كل عمره الذي أفناه في النظافة بالأجر اليومي.
* الشاب محمد محمود عبدالله (22عاماً) فصل من العمل وهو معاق بعد أن كان يعمل مشرفاً في أكثر من منطقة في أمانة العاصمة لمدة أربع سنوات، وهو اليوم يبحث عن عمل.
*
* صالح محمد حسن سنبل (30) عاماً، متزوج ويسكن بيتاً متواضعاً بالإيجار هو وأسرته. عمل منذ العام 1996م، وفصل في يوليو 2009م تعسفاً من قبل أحد مديري مناطق الأمانة بعد أن تقدم باحتجاج على طريقة العمل التي لا تنتهجها سوى المنطقة التي يعمل بها، حيث أجبروهم على العمل من السادسة صباحاً وحتى الثانية بعد منتصف الليل، وحين احتج صالح على هذا النظام الذي جعله يعيش في غربة مع أهله إذ يغادر منزله وهم نائمون ويعود وهم كذلك، فصل بعد أن احتج على هذا التعسف وبات اليوم عاطلاً عن العمل.
*
* عمل منذ منتصف التسعينيات وحتى 2008 كمشرف، يقول خالد عبدالله علاَّن: وبحسب نظام البلدية كنت أفصل أي عامل لا يدفع لي ألف ريال شهرياً –حد قوله، وفصل من المدير (ب. غ) دون سبب، لكنه مأمور كما يقول.
* وإذا كان الجميع من عمال النظافة يعانون من تعسف مشرفيهم –كما يقولون- وكل همهم أن تستقر أوضاعهم ويتم تثبيتهم في وظائفهم وضمهم إلى التأمين، فإن مثل هذه المطالب المشروعة لا تلقى آذاناً صاغية من قبل الجهات الرسمية.
*
* حميد شوعي قمع فصل من العمل منذ ثلاث سنوات لأنه طالب باسترجاع المبلغ الذي خصم تعسفاً من راتبه، وحين احتج عن هذا التصرف ما كان من مشرفه إلا أن فصله من العمل.
*
* ليس وحدهم حميد وخالد ومن سبق فصلوا من أعمالهم، فمحسن عايش الجابري (30) عاماً يعمل في البلدية منذ أربع سنوات فصل من عمله أكثر من عشر مرات فصلاً تعسفياً بسبب رفضه دفع ألف ريال للمشرف لبقائه في العمل، لكنه عاد إليه بعد أن حافظ على دفع المبلغ الذي يسمونه (الجزية) خشية من أن ينتقل إلى صفوف العاطلين عن العمل، لكنه يشكو من هذه التصرفات مثل بقية زملائه، مطالباً بمعاملته وزملائه كبشر في تحسين معيشتهم، وتوفير السكن، وإبرام عقد عمل، والتثبيت في الوظيفة، مع ضمان التأمين الصحي والاجتماعي.
*
* خالد يحيى مبارك توفي والده في موقع العمل متأثراً بجلطة دماغية نقل على الفور إلى المستشفى ليؤكد الأطباء وفاته، ولأن خالد أكبر إخوانه طالب وتابع بحقوق والده، صرفت له مائة ألف ريال خصمت من مستحقات العمال مركزياً، وفصل هو الآخر من العمل وأوقف بل وقطع راتب أبيه المتوفي.
*
* عبدالله بالش حسن، محمد شوعي سعد وعشرات غيرهم معاناتهم واحدة وهمهم واحد وطلبهم يكاد يجمع عليه الجميع هو المطالبة بحسن المعاملة وحسن الأخلاق والتصرف معهم، ناهيك عن طلبهم تثبيتهم في الوظيفة العامة واعتماد التأمين الصحي والاجتماعي حتى لا يظل عمال النظافة رهائن لأوامر وتصرفات فردية يتحكمون في لقمة عيشهم دون مراعاة الجوانب الإنسانية للعمال البسطاء.
تصوير: أميرة الشريف يوسف قاضي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.