إذا رضخنا لابتزاز العنف النفسي باسم الثورة سنصبح نسخاً رديئة من عبده الجندي .. كلمة "رديئة" لا علاقة لها بتوصيف الجندي بقدر ما هي ربما اشمئزاز مسبق من مصير يترصد مثقفاً اخفق في الانتماء . الانتماء للثورة بما هي عليه الان – او الانتماء للنخبة المثقفة بما هي عليه من لعب دور الطفل المستاء من اشياء لم يحاول التواصل معها الا من خلال نوازعه.
سيعلقون في المصدر أونلاين لا احد يفهم محمود ياسين واتأزم وافكر مجدداً في تهديد المنفى الذي يتربع عبده الجندي على صخرته وحيداً الا من حوافز المرفاله التي حولها الى منهج سياسي مبتكر.
اعرف فيما سمعت انه كان قبل انقلاب الناصريين بقليل قد بدأ يعتل تنظيمياً متخلياً عن حماسة المبالغة في إبداء الحماسة والمبالغة في التجول بصحبة الكتب، وما الحزبية وما الناصرية اصلاً إن لم تكن سلسلة مبالغات.
تحضرني الان صورة متخيلة للجندي نقلها لذهني احد رفاق الماضي الذي كان يتجول فيه عبده برفقة كتب كثيرة وكأنه ابن شيخ يصطحب رفاقه رغماً عنهم ويتجول في ازقة تعز ورأسه مدهون بزيت كثير . لا احد يسعى هنا للتهكم من صورة حزينة لماضي رجل حول حاضرنا إلى مرفالة
حالة غريبة مدهشة لرجل يتحدث باسم الرئاسة والدولة ضارباً عرض الحائط بكل تحذيرات الديبلوماسية والموقف الرسمي وكأنه ليس مسئولاً عن كلمة واحدة مما يقول .
يعتقد الكثيرون ان الرجل (روفل) ويستحق مع كل تصريح يطلقه ابتسامة وشتيمة وتهديد بالقتل. ولا ادري هنا كيف افصل بين محاولة للاقتراب من حكاية عبده وبين استخدام هذه الحكاية دون ان أضع نفسي تحت طائلة سوء الفهم الذي قد يتبادر إلى ذهن الثورة بشأن مدى سلامة دوافعي اثناء حديثي عن عبده الذي اصبح غريم الثورة الأول .
افلت الموضوع مجدداً وكانت الحكاية حكاية رجلاً لا ينتمي لشيء. لا تعنيه امراض اخفاق مشروع اليسار وليس ضحيتها ولم يكن في هذا الذي يقوم به الآن مجرد باحث عن حوالات رغم حصوله عليها اغلب الظن .إذ لا ينبغي ان يفكر احدنا ان عبده بريء لدرجة انه يتحدث هكذا لأجل خلق مزاج شعبي اقل عدوانية .
إن عبده متهكم لم يعد يحترم أحداً او شيئاً . لا تدفئه فكرة انه من تعز. ولم يعد يحمل ضغينة لأي ناصري اتهمه بالخيانة وليس من ذلك النوع من الرجال الذين يمكنهم الاخلاص لرجل واحد إلى النهاية .
ولاء عبده هو لعبده الجندي ولعدم انتمائه ولمحاولة مخاتلة الحياة . الحياة العدوانية التي جعلته دائماً عرضة للتخوين السهل وكأن ( الجندي ) كان السبب في اخفاق انقلاب الناصريين وليس نتيجة لهذا الإخفاق . مع انه لم يذكر شيئاً من هذا ولم يحاول يوماً فيما اعلم لعب دور ( ضحية إخفاق الحلم الكبير) .
كلما هنالك أن ثمة شيء في ايماءات الجندي وحركته يظهر انه على الدوام يتحاشى العدوانية فيلوذ بالتهكم الذي هو سلاح الأعزل. مما يجعله الأقرب لحاجة أي ثوري للانتقام السهل والعقاب السهل لدرجة أن احدهم وعد بأن (يشهف رأس الجندي بشريم ) بعد الثورة بالطبع . سيشهف رأسه – تصوروا الآثار التي يتركها الشريم على رقبة بحجم رقبة الجندي الذي سيكون هدفا سهلاً وبلا أي حماية قد يقدمها أي شكل للانتماء وهو ما ينقص الرجل – مقارنةً على الأقل بشخصيات اكثر ضراوة في مقاومة ( الثورة) غير أن لديهم ضمانة الاسم والانتماء والعصبة إذ من يجرؤ على تهديد نعمان دويد.
كان بودي لو جعلت الناس يفهمون من خلال هذا الذي احاوله عن الرجل أن الآخر يتجاوز وضع المتحدث الرسمي في خانة معينة أو أنني أفضحه مثلاً أو احاول الدفاع عنه مسبقاً باسم الحقوق والحريات .
كلما هنالك ان خليطاً من ردات الفعل تنتابني وأنا أتذكر رجلاً أعرف في قرارة نفسي كم أنه قد تخلى عن نفسه أثناء تحاشي العدوانية لدرجة انه قام بنقد تنظيم القاعدة مع إضافة (أنا احترمهم كثيراً ).
لقد جازف الجندي مرة واحدة عندما أساء لشهداء جمعة الكرامة ولفق لهم قصة الثلاجة . هو ليس بريء ولا مضطراً غير انه الإفصاح الهزلي عن الوعي الباطن لمرحلة بأسرها . لم أكن أريد أكثر من الاستياء لأجل لحظة ذروة في قصة الجندي وهو يحمل راية جيش في معركة ويبتسم لجيش الأعداء.
وقد يكون عبده قصة تخصني على المستوى الشخصي فأنا ربما اكون وحدي الذي يملك اليقين الكافي للجزم بأنه لا يقصد كلمة واحده مما قاله عن شهداء جمعة الكرامة ولا يقصد كلمة من الدفاع عن الجانب الرسمي وأقسم أنه لا يكره ناصرياً – وهو أيضاً ليس ذلك البريء بقدر ما هو بحاجة إلى منفى آمن .
بحسب رواية لعبده الجندي قبل أيام زاره عسكر زعيل برفقة سيارتين عسكريتين ووصل إلى مكان قريب من منزله وطلب عبر الهاتف ان يفتح الجندي له الباب فاعتذر الرجل كون الوقت قد تأخر فكاشفه عسكر بسبب الزيارة بنبرة تهديد مؤكداً للجندي انه مجرد واحد من (تعز) ( انته من تعز ما انتاش حيرنا) مع أن عسكر أصلاً من صهبان إب, ومع أن الجندي لا يشعر انه من تعز خصوصاً هذه الأيام ولا يشعر أنه من سنحان رغم كل الذي يقوله.
إلا أنه حاول الفرار إلى ذلك النوع من مخاتلة رجل أوهنه طول التعرض للعدوانية فقال موضحاً سبب ذكر اسم (عسكر زعيل ) في مقابلة تلفزيونية قال يا ولدي ( زفقت ) زفقت عليا و أوعدك ما أذكركش من الآن ولا أذكر علي محسن .
كم أنا خائف من أن تفرغ الثورة لمعاقبة مناوئيها من إبوتعز بالشريم والوصول مع مناوئيها من أبناء المحافظات الشمالية إلى تسوية تاريخية.