غازي الجابري أكبر جبان في العالم ليس بالضرورة من يهرب من المعارك أو يخاف من المخاطر الجسدية، بل هو من يسمح للخوف أن يتحكم في روحه وعقله، فيمنعه من مواجهة الحقيقة مهما كانت صعبة. الجبن الحقيقي يظهر عندما يختبئ الإنسان وراء أعذار واهية، يتهرب من مسؤولياته، ويختار الصمت بدلاً من قول الحق، والخضوع بدلاً من الوقوف. إنه الذي يرى الظلم يحدث أمامه، ولكنه يغمض عينيه ويبرر لنفسه التخاذل، ظانًا أن ذلك حماية له، بينما في الحقيقة هو يقتل شيئًا أصيلًا في داخله: كرامته ونزاهته. الجبان الحقيقي يخشى المواجهة مع ذاته قبل مواجهة الآخرين، يخشى التغيير قبل أن يخشى الفشل، ويجد الراحة المؤقتة في الهروب عن طريق الكذب على نفسه أو الانسحاب من التحديات. كل مرة يختار فيها هذا الطريق، يصبح أضعف، ويبتعد عن كل فرصة للنمو والتحرر، حتى تتحول حياته إلى سلسلة من القيود التي صنعها خوفه. لكن الغريب أن أكبر جبان قد يبدو أحيانًا شجاعًا للعيان، يتقمص أدوارًا أو يخفي جبنه خلف أقنعة من الكلام الفارغ أو المظاهر القوية. في داخله، يعيش صراعًا دائمًا بين ما يريد أن يكون عليه وما يفعله في الواقع. وبينما العالم يقدر الشجاعة في القرارات الصعبة، يظل الجبان عالقًا في دوامة من التردد والخوف، غير قادر على التحرر من قيوده الداخلية. وهنا يكمن الفرق الحقيقي بين الشجاعة والجبن: الشجاعة ليست غياب الخوف، بل القدرة على مواجهته، أما الجبن الحقيقي فهو السماح للخوف بأن يسيطر على كل تصرف، حتى لو كان أمامك فرصة لتغيير حياتك أو الدفاع عن قيمك. وعليه، أكبر جبان في العالم هو من يقتل فرصته في أن يكون إنسانًا حرًا وكاملًا، ليس بالضربات الخارجية، بل بالخوف الذي يربيه لنفسه من الداخل.