من المؤلم جداً ما نراه من عنف يمارسه الحكام في هذه الثورات العربية العظيمة، عنف وحشي تسبب في تشويه وتلوث سلمية هذه الثورات وجعلها ملطخة بدماء الأبرياء والأحرار. في حديث لأحد المحللين السياسيين ذكر أن محاكمة حسني مبارك ساهمت في انحراف مسار الثورات السلمية واتجهت بها إلى العنف. فهل تحول الحكام بعد هذه المحاكمة إلى ثيران هائجة لا تقاوم اللون الأحمر ولا تتردد في ممارسة أبشع أنواع العنف على من خرجوا يهتفون "ارحل"...حكام -حتى في أفراحهم- تمطر السماء رصاصاً لتتساقط معها الأرواح الآمنة. فأصبحوا بعد تلك المحاكمة يفضلون الموت وهم يقفون على أرجلهم وخلف قواتهم يستميتون في الدفاع عن كراسيهم، على أن يموتوا مذلولين مهانين خلف القضبان. وهل كان الأحرى بإخواننا المصريين تأجيل محاكمة حسني مبارك لنتمكن من حسم ثوراتنا في بقية الدول؟ (على الأقل كان سيأتي شهر رمضان وقد انتصرت ثوراتنا واحتفلنا وأقمنا موائد "الإفطار الجماعي" على شرف هؤلاء الحكام في "محاكمة جماعية"). لم نكن نتوقع كشعوب أن يواجه حكامنا هذه الثورات بذلك العنف والقسوة، في الوقت الذي لم يتوقعوا هم أيضا جرأتنا وإصرارنا على إسقاطهم وتضحياتنا التي فاقت توقعاتهم بكثير. فهل يتحول فعلاً "الربيع العربي" إلى "خريف تتساقط فيه الأرواح المتعطشة للحرية"؟ بالتأمل لفصول الثورات العربية نجدها تبدأ بالشتاء العربي والذي تتجمد فيه القلوب والمشاعر ويتصلب فيه الحكام، وتتكاثف فيه المظالم والمفاسد وتكبر فيه التحديات والعوائق ككرة الثلج، لتمر بالصيف العربي حيث تشتد حرارة الأجساد الشابة المشتعلة لتذيب معها التحديات وتنصهر كرة الثلج وتخلع الشعوب ثوب الخوف، ويأتي "الربيع العربي" لتتفتح أزهار الثورات وتنتشر رائحة الياسمين ويصل عبقها إلى كل أرض عربية، ويفاجئنا الخريف بتساقط الأرواح المتعطشة للحرية والكرامة الإنسانية، ولكن: لتسقط معها حتماً أنظمة عاثت في الأرض فسادا. وتمر الثورات العربية بفصول لا نستطيع أن نتجاوز إحداها ليمر الآخر، ولكن يجب أن نكون على يقين دوما بأن الربيع آتٍ لا محالة.. فليعلم هؤلاء الحكام أن الزمن مهما طال لا بد أن يأتي التغيير، ولا بد أن يأتي يوم تتحرر فيه الشعوب، هكذا أخبرتنا كتب التاريخ، فليستعد لهذا اليوم الجميع، وليستعد من يخافوا تصدير هذه الثورات إليهم، من يعبروا القارات لتوسيع ممالكهم مستبعدين تماماً قيام ثورة عليهم، ثورة ربما تكون بقيادة نسائية تحدَت -بداية- رجل المرور. ثورة سنباركها نحن اليمنيين بدورنا ونقف معها ونحفز شبابها على المضي قدماً فيها، كما وقف معنا ملوكهم في ثورتنا، و لكن ليقتلوها، ليقتلوا ثورتنا التي ستنتصر مهما حاكوا المؤامرة تلو الأخرى، ثورتنا التي سنستعيد بها كرامة الإنسان اليمني التي داسوا عليها وأحرقوها على حدودهم ونستعيد أراضينا المنهوبة ونستعيد معها عزة اليمن ومجده ونعيد له سعادته. و اللافت أن كل ذلك الحراك العربي يأتي وسط تخاذل دولي كبير، تخاذل يفرق بين مواقف تلك الدول من ثوراتنا العربية بناءً على مصالحها. وهنا –وهنا فقط– يصدق القول بأن مصر ليست تونس، وأن اليمن ليست مصر أو تونس، وأن ليبيا ليست اليمن أو مصر أو تونس، وأن سوريا ليست ليبيا أو اليمن أو.. الخ.
أخيراً: ادعوا الشباب للمشاركة الفاعلة والحرص على توثيق ثورتنا اليمنية والاستفادة من التجمع في الساحات للتعرف على العوامل التي ساعدت على قيام الثورة، والتحديات التي واجهتها وتواجهها وقصص النجاح والدروس المستفادة، وتوثيق الأناشيد والشعارات التي تردد، وباستخدام مختلف الوسائل من صور وأفلام وكتب وغيرها. لنضمن تاريخاً واقعياً منصفاً، تاريخاً غير مزور أو مظلل، لا تاريخ تم تفصيله –هو أيضا– على مقاسات علي صالح ليكتشف الكثير منا بعد أكثر من ثلاثين عاماً، من الذي يقف وراء مقتل القائد العظيم إبراهيم الحمدي. إبراهيم الحمدي الذي خاطبه آنذاك والدي رحمة الله عليه في أبيات من الشعر الشعبي محذراً: من عاونك عِنُاه ومن عاندك رحل ولا عاد هو مِنا ولا عاد نقبله ومن لم يكن معنا فممكن ومحتمل يجي من ورا ظهرك على حسك إزهله هذياطلائع شعبنا الصادق امتثل وهذي فئات الشعب من كل منزله اضرب بنا الأقدار لا أكثر ولا أقل نريدك تساوينا وتلغي المفاضلة يا رائد التصحيح ويا مبتغى الأمل ويا غاية الآمال في كل مرحلة أخي ابتعد من شِق الاوباش والهمل فهذي الدوائر قفر والأرض مهملة عاهدت نفسي والبواسل معي وسِل ذِي ما القَدر قادِر يزيحه نِحلحله