تدهش مدينة تعز الداخل والخارج بفرادة مسارها الثوري المتصاعد والنوعي في ظل حصار عسكري يحيط بالمدينة. فبعد ثلاثة أشهر من تصدر قوات الحرس الجمهوري والأمن لقيادة العمليات في المحافظة، دخل اللواء 33 مدرع بقيادة العميد عبدالله ضبعان في جريمة خنق شمال غرب المدينة، لتمتد حالة الحصار إلى الريف الشمالي، وهو ما أثار سخطاً شعبياً في مديريتي التعزية وشرعب السلام التي يتهم ابناؤها اللواء 33 باستحداث عدد من النقاط العسكرية التي يقولون إنها تنتهك كرامة المسافرين من وإلى تعز، وتمنع وصول المواد الغذائية والاستهلاكية إلى المديريتين دونما سبب، ما شكل دافعاً لأبناء المديريتين للخروج بمسيرات شبه يومية لرفض الحصار، والتنديد بجرائم الحرب التي تتعرض لها تعز. ومثلما هو حال شمال تعز، تمتد حالة الحصار إلى جنوب وشرق المدينة، ويشتد الخناق أكثر فأكثر نظراً لأهمية المكان الذي يحوى عدداً من المؤسسات والمعسكرات المهمة في المحافظة منها مطار تعز وقيادة الحرس الجمهوري والأمن المركزي، مضافاً إلى ذلك وجود عدد من مصانع مجموعة هائل سعيد أنعم، لهذا بحث الثوار عن بدائل للتعبير عن مطلبهم السلمي لإسقاط النظام. وتناغماً مع التصعيد الثوري العام في البلاد، كانت الجمعة الفائتة موعداً لفتح ثلاث ساحات في النشمة وهجدة والراهدة، كما قام مجموعة من شباب الثورة بتشكيل لجان التنسيق المحلية في مديريات المعافر، المواسط، الشمايتين، المسراخ، صبِر الموادم، سامع، خدير، كما كشفوا عن ولادة ثلاث ساحات جديدة في الجمعة القادمة (ساحة الشهيد ماجد في الشمايتين، ساحة الشهيد عيسى محمد سيف في المواسط، ساحة الشهيد محمد عبد الرحيم في المعافر)، وقالوا إن جهودهم متواصلة لإسقاط بقية المديريات. وعلى الرغم من فتح ساحات جديدة للثورة في معظم مديريات الجمهورية، تظل تعز ساحة وجهة لملايين من جماهير الثورة الذين ينشطون كخلايا نحل في مسيرات شبه يومية تعم المدينة، فالمسيرات الحاشدة التصعيدية تكلل كل أسبوع بحضور مليون لصلاة الجمعة في ساحة الحرية وبقية ساحات الثورة المستحدثة مؤخراً، كان آخرها مظاهرة يوم أمس التي تعرضت لإطلاق نار من قبل قوات الأمن والحرس الجمهوري بالقرب من مستشفى الثورة العام بمدينة تعز للتنديد بتحويله إلى «ثكنة عسكرية» تستهدف ساحة الحرية وحي الروضة منذ خمسة أشهر. تمر الأيام وجذوة الثورة تتوهج في تعز تجسد هذا الزخم الثوري في احتفال ليلي لشباب الثورة بالمدينة بمناسبة مرور سبعة أشهر على بدء أول اعتصام للثوار بمدينة تعز ليلة 11 فبراير من العام الجاري، ما شكل عامل إحباط للقوات الموالية لنظام صالح الذي يربط كثير من المحللين السياسيين موعد إسقاطه بحسم محافظة تعز بشكل نهائي لصالح الثوار الذين يجنحون إلى السلم أكثر على حساب خيار الحسم العسكري تحاشياً «لمجزرة» يعد لها النظام منذ أسابيع، بدليل ما يصل إلى المحافظة من تعزيزات غير مسبوقة ونوعية، لكن ذلك يظل قوة خائرة أمام إرادة أبناء تعز. من جهة أخرى، تتعرض ساحة الحرية وبعض أحياء المدينة لقصف شبه يومي من قبل قوات موالية لصالح، كما تتعرض قرى بمديرتي التعزية وشرعب السلام للقصف، ومع أن محاولات لجنة الوساطة لم تصل إلى تسوية أمنية في المحافظة، بل حملت القيادات العسكرية والأمنية بالمحافظة وفي مقدمتهم مدير الأمن وقائد الحرس مسؤولية انهيار الوضع الأمني هناك.
وما زاد من تعقيدات الوضع العسكري في شمال تعز مشاركة اللواء 33 مدرع في التضييق على أبناء التعزية ومخلاف شرعب السلام، في ظل التزام المسلحين القبليين بخيار الثوار بسلمية الثورة والاكتفاء بالدفاع عن النفس، بحسبما يقولون.
ورغم فارق التسلح لم تستطع القوات التقدم تجاه شرعب بعد فشلها في تجاوز خطي الخمسين والستين، فالأسبوع الماضي شهد مواجهات عنيفة بين قوات صالح وأنصار الثورة الذين تمكنوا من صدها، بحسب مصادر ميدانية، وهي المواجهات التي توصف بالأعنف والأوسع على اعتبار ان الطيران الحربي شارك في قصف مناطق واستخدمت مدافع طويلة المدى، ومع هذا تمكن المسلحون من تدمير ست دبابات وإعطاب ما يقارب عشر آليات عسكرية، وإحراق تسعة أطقم عسكرية والسيطرة على خمسة أطقم محملة بالذخائر. بحسب المصادر. وفي اليومين الآخرين تراجعت بعض قوات الحرس إلى شارع الخمسين هرباً من ردة فعل مسلحي القبائل، وتحديدا بعد أن شهدت المنطقة تحليقاً مكثفاً للطيران الحربي، وتم الدفع بقوات من اللواء 33 مدرع لتغطية العجز في صفوف قوات الحرس، وأوكل إليهم –بحسب مصدر محلي- مهمة تلغيم الطرقات الفرعية وما يطلقون عليها طرق «التهريب»، ما أسفر عن مقتل شخص من أبناء مديرية التعزية بعد إصابته بلغم، وهو ما أدى إلى اندلاع مواجهات عنيفة بين مسلحي القبائل وقوات اللواء في منطقتي المطار القديم ومفرق شرعب الرونة بحذران في المدخل الغربي لمدنية تعز.
الصورة لمتظاهرين في مدينة تعز يوم 14 أغسطس (رويترز).