مفهوم العٍقاب الجماعي لدى الشعوب المُتحضرة من الجرائم الأخلاقية البشعة والتي تُعرّض مرتكبيها للمحاكمة الجنائية كمجرمي حرب منها يُمثلون أمام لعنة التأريخ وأقاصيه المٌظلمة كأسوأ النماذج البشرية وأكثرها تشوهاً وشذوذاً. إن قتل هذا الكم من الناس تحت إي غطاء كان لا يمكن عزله أو النظر إليه خارج هذا التعميم , ولا يمكن خلق مبرراته الهزيلة ,خارج دوافع الجنون والطيش, ها نحن اليوم أمام مشهد مروع آخر سقط فيه زهاء التسعين قتيل من الشباب في عمر الزهور وطفلاً في عُمر ذلك الوريد المُتشوق للخفقة الأولى من الحياة , وبيومين فيما يشبه عمليات التطهير الإجرامي ومذابح (رواندا ) والشعوب التي أُبيدت عرقياً وأثنيًا وكُل المجازر التي نخجل من قراءتها تحت دوافع الإشمئزاز أو الخوف الباطن من تصور الشناعة في أقبح وجه , وأننا لا نُذكر بالتأريخ هُنا , إلا لأنه نموذج مُتكرر يعرض نفسه بوجوه جديدة ومشاهد جديدة ومسرحاً مفتوح للأحداث باختلاف البزات والنعالات ليس إلا . o وها نحن في الجُهة المُقابلة من الجريمة وفضاعتها نشاهد تدنيس الإعلام الرسمي للحقائق وخلق مبررات لا تختلف بقُبحبها عن مُببرات سفك دم الأبرياء ' إذا أن الجريمة دائماً تحتاج لمأجورين للتنفيد ومأجورين لخلق دواعيها والتغطية على شناعتها وتظليل الناس بغية النجاة أو الإستمرار في القتل بعيداً عن الوعي الجمعي وضميره , فالجندي وأمثاله من كومبارس هذه المجازر الوقحة هم الواجهة الرهيبة لخداع الناس ,لذا شاهدناهم في الوقت الذي تٌعلن فيه ستين أسرة حدادها وحُرقتها , كيف يعقدون الثرثرات ويسخرون وكأنها إحدى نُزهات الجنرال الفظيع ( للمرح ).
إن اليد التي تضغط الزناد الغادر وتصوب قصب البندقية في صدر جموع عُزل لا تميز غيضها من طيشها ولا قضيتها من بشاعتها مُدفوعة بالأجر البخس على التنكيل وعلى حصاد الأرواح , لا تسفك دموع أمُ ثُكلت وحسب , بل تنسف كل قيم الإنسانية وتنسف معها كل قواعدها للدفاع عن أي مُعتقد , فما بالك حين يكون القاتل مأجوراً وكلب بوليسي تابع لجهاز أمني مُستبد تشرب بالدم منذ تأسيسه والظلامية السياسية منذ أول خطوة صعد فيها صدورنا قابعاً كالطاعون ,هل ثمة من يجهل ذلك التأريخ الأسود غير كلابه وتابعوه المُرضى والمُصابين بداء الغلو للحاكم ؟ . وحين يكون المُقتول شعباً أثبت حُسن نواياه وأثبت للعالم بفخر ' أنه ذلك الحضاري الرافض للعنف الداعي سلمياً على خط غاندي لنيل حقوقه وانتزاعها حتى من بين مخالبهم. o هذه رسالة صريحة قد بادر بها النظام المُتغطرس منذ أول انطلاقة لشرارة الثورة السلمية , وها هو اليوم بذات الحرص مُصراً على ترويع المواطنين ومُشدداً على العنف كوسيلة ناجعة لقمع كل تصعيد نحو إسقاطه كما هو حق مشروع لم يعد بحاجة لمزيد من التوصيات , وليس غريب عليه هذا الإصرار على الدجل والكذب وتخدير تابعيه بالوعود وتظليهم بأماني المُنقذ ومُطهر البلاد من العصيان , وإصراره على النفاق إيضاً تحت غطاء الشرعية وتحت غطاء حفظ خط الأمن والسلم للبلد المنزوع منها أصلاً .. عاراً علينا أن نقبل هذا ونصمت عن كل كبيرة وصغيرة تعرض لها هذا الشعب منذ قيام الثورة عارُ علينا أن نطمس حادثة بأُخرى ونعيش دائماً رهن نبوءة وكارثة مضرجة بالدماء والضحايا عارُ أن يُقتل أي مواطن آمن في عُقر بلاده ' وعارُ عليك أيها المأجور الوقح المسعور بأبخس ثمن أن تُفرغ الرصاص في صدراً أعزل وتسفك عُنق أحلامه وتسفك عنق أمه للدموع .. عاراً عليك أيها النجل المُدلل ما تٌقدم عليه اليوم 'بأسم صفات الخسة الموروثة من ذلك العسكري المُتغطرس وترث من بين أقبحها هذا الوجه المتلفع بالغرور المتنكر لأبسط الحقوق الإنسانية ' فهؤلاء ليسوا نعاج من هدرت دمائهم , ليسوا قرابين لتُكفر فيها عن خطايا نظام ساقط أخلاقياً وفاشل لعقود , بل يمنيين شُرفاء ضاقت بهم الوصايا والمخافر والبلاد بما حملت , ثمانية أشهر من الرفض والتنديد بالورد والشعارات السلمية شوارع مفتوحة للهجير والحصار والرصاص الحي , إلا تكفي هذه الرسالة السامية لتخجل من أعقاب البنادق والفرمانات المجنونة وكأنك من تتفضل في منحهم حق التظاهر والإحتجاح وتنسي ثمة وثائق ممهورة بالدم وضعها هذا الشعب عبر كفاحه الطويل ونالها بجدارة دون منة منك أو تطوع ذليل . إن هذه الدماء الزكية والأشلاء المتناثرة في الشوارع والدم الذي يٌغطي صدور المُتظلمين لن تشربه لعبة الحرب السخيفة هذه المرة فتنتظر تخثرها أو ينطفئ الغل في الصدور , وتفتح كالمُعتاد حسابات النجاة بالحوار والتسويف والوعود المهشمة , ويمضى كل شيء على حاله دون عقاب .. بل إننا نُشفق على قاتل وضع خياراته أمام تحريض كافة المشاعر النبيلة في احتجاج آخر هذه المرة لن تكون المطالب فيه إخلاء تأريخنا من أقدامكم البربرية وحسب . بل للتذكير بإن هذا الشعب الذي استطاع الصمود طوال هذه الفترة مُحتفظاً بصلابته وكافة المعايير الإنسانية غير منٌجر لنواياكم البغيضة للحرب والتشهير والتجويع وغير مُكترث بتاتاً بالحصار والظلام في أبلغ صورة قد تصف الأنذال ' هو ذاته الشعب المُقاوم مُصدر قيم الثورة والحرية ... هو الوعد عما قريب يأخذ حقه مهما تعاظمت مآسيه , فقد أراد ولا محالة ينتصر !