تسببت موجة من الهجمات بطائرات بدون الطيار والتي تنفذها وكالة الاستخبارات الأمريكية على قيادات القاعدة في اليمن، تسببت في غضب عارم في الشارع اليمني تجاه السياسة التي تنتهجها الولاياتالمتحدة وينظر لتلك السياسة على أنها ظالمة ومظللة حيث تولي جل اهتمامها لجهود مكافحة الإرهاب بدلا من السعي لإيجاد معالجة حقيقية للازمة السياسية المتصاعدة. السياسة لم تكن احد اهتمامات سام الحميقاني وأصدقائه من المراهقين، فقد فوجئوا هذا الشهر بموت صديق لهم وهم يعانون ولم يفهموا بعد ما الدافع لقتله. ويقول الحميقاني وهو طفل يبلغ من العمر15 عاما ويعيش في إحدى ضواحي صنعاء، وهو يحبس دمعته ويطأطئ رأسه نحو الأسفل، يقول لمجلة تايم «لقد كان اعز أصدقائي، وقد كنا نلعب معا كرة القدم كل يوم». وقال صديق آخر وهو يشير إلى مجموعة من الصبية الذين أحاطوا به وكان قد بدا على وجوههم الحزن، وهم يرتدون بناطيل من الجينز «لقد كان مثلنا. كان يحب السباحة وألعاب الكمبيوتر ومشاهدة الأفلام... كما تعلم الأشياء الاعتيادية» صديقهم الذي مات كان اسمه عبدالرحمن العولقي، البالغ من العمر16عاما والمولود في مدينة دينفر بولاية كولورادو، وهو ثالث مواطن أمريكي يتم قتله في اليمن في الأسابيع القليلة الماضية باستخدام طائرات بدون طيار.
والده هو رجل الدين المتشدد أنور العولقي وهو أيضا مواطن أمريكي تم قتله مطلع هذا الشهر مع المسئول الإعلامي سمير خان من نيويورك. عندما أعلن عن مقتل عبدالرحمن في الأيام الأولى في الصحافة الغربية، صرح بعض المسئولين اليمنيين المحليين انه يبلغ من العمر21 عاما لتنشر بعدها أسرة العولقي صورة من شهادة ميلاد عبدالرحمن. ووفقا لرواية أقاربه فإن عبدالرحمن خرج من منزل الأسرة الكائن في صنعاء في30 سبتمبر بهدف البحث عن والده الهارب والذي يختبئ عند قبيلته، العوالق، في منطقة نائية بمحافظة شبوةالجنوبية الوعرة. وبعد أيام من بدء عملية البحث، قتل والده في عملية نفذتها الولاياتالمتحدة بواسطة طائرة بدون طيار، وبعدها بأسبوعين زعمت الحكومة اليمنية أن غارة جوية قد نفذت وأدت إلى مقتل أحد قيادات القاعدة. و قد قتل في تلك الغارة كل من عبدالرحمن وابن عمه المراهق وستة آخرين أيضا. ويقول مسئول أمريكي إن «الصبي كان في المكان الخطأ في الوقت الخطأ» وإن الولاياتالمتحدة كانت تحاول قتل هدف مشروع وهو القيادي في القاعدة الإرهابي إبراهيم البنا الذي يعتقد انه قتل في نفس الغارة التي قتل فيها الفتى المراهق. جد عبدالرحمن المكلوم لا يصدق هذا التفسير. ناصر العولقي الذي حصل على شهادته الجامعية من الولاياتالمتحدة سعى لسنوات طويلة داخل المحاكم الأمريكية لمنع إدارة أوباما من استهداف أو قتل ابنه أنور، وقال لمجلة تايم «اشعر بعدم الرضا وأن هذه الجريمة سيتم نسيانها. اعتقد إن على الشعب الأمريكي أن يعرف ما حدث بالضبط وكيف يتم إساءة استخدام نفوذ حكومتهم من قبل الإدارة الأمريكية الحالية.. على الأمريكان أن يبدءوا بسؤال أنفسهم لماذا يتم استهداف صبي بالقتل، بالإضافة إلى ابني، فقد قتل حفيد أخي ويبلغ من العمر17 عاما وهو ليس أمريكيا ولكنه إنسان تم قتله بدم بارد. أنا لا أستطيع أن أتفهم لماذا قتل حفيدي المراهق صاحب ال17 ربيعا بصاروخ هيلفاير وكيف لم يتبق منه إلا قطع صغيرة من الأشلاء. لماذا؟ هل أصبحت أمريكا أكثر أمنا بمقتل هذا الصبي؟» وفيما يخص ابنه، أنور العولقي، والد عبدالرحمن يقول ناصر العولقي «لقد قتلت أمريكا ابني بدون محاكمة ولم يقترف أي جريمة، بل قتلوه بسبب حرية الكلام» وقد اتهم الرئيس الأمريكي بشكل مباشر بمقتل ابنه وقال «أدعو الشعب الأمريكي ان يجلب القتلة إلى العدالة ادعوهم إلى تعرية نفاق الحائز على جائزة نوبل للسلام للعام 2009 قد يكون كذلك بالنسبة لبعض الناس ولكن بالنسبة لي أنا وأسرتي فهو مجرد قاتل أطفال». في غضون ذلك، تقف الولاياتالمتحدة بين خيارين، فإما أن تواصل حملتها والتي تعتمد في جزء منها إلى المعلومات التي تستقيها من الأجهزة الأمنية الموالية لحكومة الرئيس الذي يصارع من اجل البقاء في السلطة أو أن تشجع عملية التغيير السياسي. وامتدادا للربيع العربي، تأثرت اليمن طيلة 9 أشهر منذ بدأت الاحتجاجات المناهضة للحكومة وتقف اليوم على شفا حرب أهلية. وقد حاول دبلوماسيون أمريكيون أن يديروا عملية انتقال السلطة وذلك بتنحي الرئيس علي عبدالله صالح مع إبقاء تركيز مؤسسات الدولة على عمليات مكافحة الإرهاب. يقول حسن لقمان، وهو واحد من المحتجين الذين لا يعرفون الكلل، وهو معتصم في ساحة التغيير بالعاصمة اليمنية «إن دعم الولاياتالمتحدةالأمريكية لهذا النظام أمر يسيء لكل الشباب الذين سقطوا شهداء وهم يصارعون هذا النظام». ويؤكد دبلوماسيون غربيون انه في الوقت الذي ينصب اهتمامهم على العناصر القيادية في القاعدة في اليمن لكنهم لن يسمحوا أن يشغلهم ذلك عن مهمة التوصل إلى حل سياسي. ويقول دبلوماسي غربي في العاصمة صنعاء «أنا متأكد ان الحكومة كانت تأمل بأن تساعد الانتصارات التي تحققت مؤخرا ضد تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية في تخفيف الضغوط عليها، ولكننا نظل عند مواقفنا ولن يغير ذلك من الوضع القائم في اليمن الذي يواجه مشاكل مزمنة». لكن الضربات الجوية المتلاحقة التي تقوم بها إدارة أوباما في اليمن هي أيضا أخطأت أهدافها مرات عدة لتحصد الأبرياء وتفاقم من الأوضاع الإنسانية والأمنية المتردية. في ديسمبر2009 استهدف صاروخ بحري أمريكي تجمع من الخيام في منطقة نائية في جنوب البلاد، أدى إلى مقتل العشرات بينهم 14 إمرأة و21 طفلا. وعلى الرغم من غضب منظمات حقوق الإنسان اليمنية والتحقيق المفصل الذي قامت به منظمة العفو الدولية إلا أن المسئولين الأمريكيين رفضوا أن يتحملوا المسئولية عن تلك الضربة. ولم تتوقف الكارثة هنا بل امتدت إلى نائب محافظة مأرب الغنية بالنفط حيث تم استهدافه ومرافقيه بطائرة أمريكية في الصيف الماضي. وكانوا قد اجتمعوا لقبول تسليم أحد مسلحي القاعدة المطلوبين ليجدوا المكان يحترق فعاد بسلام. فقد أدى العصيان الواسع من قبل أقارب ينتمون إلى نفس القبيلة التي ينتمي لها المسئول الحكومي والذي مازال مستمرا حتى يومنا هذا، أدى إلى مزيد من التعطيل في قطاع البنية التحتية للنفط، المصدر الوحيد الذي يدر أموال عبر تصديره، كما تسبب التمرد في انقطاع إمدادات الكهرباء والمحروقات عن ملايين اليمنيين بشكل يومي. محافظة أبينالجنوبية المضطربة كانت هي الأخرى هدفا لهجمات شرسة بطائرات بدون طيار، ومعارك استمرت شهورا طويلة بين وحدات الجيش التي تلقت تموينات أساسية من الولاياتالمتحدة ومسلحين مرتبطين بتنظيم القاعدة. ويستعيد النازحون الذاكرة بمرارة عندما كانوا يرون ويسمعون طائرات بدون طيار ويعتقدون أن الحكومة قامت بشكل متعمد باستغلال حالة الفوضى لتحقيق مكاسب سياسية أمام القوى الخارجية. بنظرات ملتهبة ومن خلف خمارها الأسود تقول مريم وهي إحدى النازحات «أقسم بأن بعض تلك القنابل أمريكية. لقد رأينا طائرات – طائرات صغيرة- لم نرى مثلها من قبل، وكان تحلق فوقنا 24 ساعة في اليوم وكانت تخيف أطفالنا». ويرى الآلاف من الناشطين في جنوب اليمن التي كانت دولة مستقلة حتى قيام حرب أهلية دامية أدت إلى فرض الوحدة مع الشمال قبل نحو عقدين من الزمن، يرون أن مشكلة القاعدة جاءت للتشويش على قضيتهم العادلة ودعوتهم للاستقلال. ويقول حسن البيشي وهو لواء في جيش اليمن الجنوبي سابقا ومعارض للحكومة «الجنوب غني بالنفط ويقع على أهم خطوط الملاحة الدولية وإذا استمرت الولاياتالمتحدة في تجاهل مصالحنا وركزت فقط على مشكلة تافهة، فيجب علينا عندها أن نبحث عن حلفاء مثل الصين وإيران على سبيل المثال». وبالغوص عميقا في مشاكل البلاد السياسية ورقعتها الفسيحة، فإن الضربات التي تقوم بها الولاياتالمتحدة تحمل في طياتها مخاطر استعداء الشباب الذين بلا شك سيورثون مستقبل اليمن. يقول احد أصدقاء عبدالرحمن وقد تحول حزنه إلى غضب «من الذي لا تستطيع أمريكا قتله؟».
عن مجلة تايم الامريكية- ترجمة خاصة بالمصدر أونلاين