الأنظمة التي استفحلت وتجذرت في أوطاننا وحيواتنا لعقود، واستبدت وظلمت يستحيل أن يتم قلعها في أسابيع أو في أشهر، وعندما يسخر البعض بعد أحداث القاهرة في ميدان التحرير قائلا إن الثورات مسلسل مكسيكسي لا ينتهي! تثار فينا الدهشة لمستوى الجهل الذي نعاني منه ونحن نتحدث عن حالة نادرة من حياة وحالات الشعوب.. حالة لا تعيشها البلدان إلا كل قرن من الزمان أو عدة عقود، حالة يظل يحلم بها الإنسان الحر طيلة حياته وأوقاتاً كثيرة يموت دون أن تمر علية واحدة منها. يا ناس.. يا عالم.. يا شعوب الأرض قاطبة، إننا نعيش أروع حالة في التاريخ أنها حالة الثورات العربية.. ثورات لم نكن نحلم إننا سنشم رائحتها ولو من بعيد فما بالكم ونحن صرنا جزءاً منها، بل وأهم أبطالها كشعوب عربية، والآن وبكل استخفاف نقول إنها مسلسل مكيسكي لمجرد إنها تستمر في تصحيح مسارها واقتلاع بقية أشكال الفساد المتعفنة. لقد استمرت حالة الهدم لعقود، أفلم نتوقع أن تستمر حالة البناء- وهي الأصعب مع الثورات المضادة ومحاولات الهدم الخارجية والداخلية – لسنوات مع كثير من الفوضى والقلاقل حتى تستتب الأوضاع وتبدأ حالة الازدهار. لقد عشنا أعمارنا كلها مشاركين في حالة الهدم والظلم والاستبداد فلماذا لا نعش بقية أعمارنا مشاركين في حالة البناء والعدل والازدهار، حتى وان لم نجنِ ثمارها نحن الآن، فيكفينا شرف إننا كنا من أسس لها وصدرها لأبنائنا من بعدنا، علينا أن نتوقف عن القدح بالثورة لمجرد أن القذارات التي كانت مختفية في الأسفل صعدت إلى الأعلى، وبدأت تتكشف لنا عللنا وأمراضنا.
إننا بحاجة لهذا الوضوح لنتخلص من كل هذا الطين والخذلان الذي لم نكن نعرف من أين يأتي ليكبلنا ويسحبنا إلى الأسفل، إنها الثورة وحدها التي تغربل الخبيث من الطيب مهما طال الزمن ومهما اختلط الحابل بالنابل، لذا على المتسرعين والمتعجلين والمتشائمين والملولين أن يعودوا إلى بيوتهم ويمارسوا خذلانهم لأنفسهم، لأن الثورات لا تحتاج إلا لأرواح قوية ايجابية وبناءة وقادرة على الاستمرار في ثورة عمرها بأكمله. وإذا كان مسلسل الثورة سيسيطر على المشهد العربي طيلة العقود القادمة فمرحباً بالكرامة والحرية والعدالة والازدهار، وإن كانت مبدئياً على حساب ما يظنه البعض أمناً واستقرارا أجوفين ولا حياة للجبناء. المصدر أونلاين