قال مركز أبعاد للدراسات والبحوث أن أهم مؤشر على جدية وكفاءة الأطراف السياسية اليمنية الموقعة على المبادرة الخليجية التي تنقل السلطة من الرئيس علي عبد الله صالح إلى نائبه عبد ربه منصور هادي، ومدى نجاح المبادرة، هو التوصل من عدمه لاتفاق بشأن تشكيل لجنة الشؤون العسكرية والتوافق على أعضائها. وأشار المركز في تحليل سياسي إلى أن المبادرة نصت على تشكيل هذه اللجنة في غضون خمسة أيام من توقيعها، وأن عدم تشكيلها بعد مرور الفترة الزمنية المتاحة سيحدث قلقا محليا وإقليميا ودوليا من وجود طرف يعرقل تنفيذ آلية المبادرة. وقال المركز «قد يكون تأخير تشكيل اللجنة العسكرية مبررا بانتظار تشكيل حكومة الوفاق الوطني لضمان حصول توافق على أعضائها في حال وجود خلافات بين المعارضة السياسية والحزب الحاكم، لكن مصير المبادرة الخليجية سيكون في خطر إذا ما تبين أن الرئيس صالح يعرقل تشكيلها كونها تسحب صلاحيات واسعة منه كقائد أعلى للقوات المسلحة والأمن مبكرا، باعتبار هذه اللجنة من مهامها هيكلة القوات المسلحة والأمن تحت قيادة مهنية وطنية موحدة وإنهاء الانقسام العسكري وإيقاف النزاعات والمواجهات المسلحة في البلاد». وأضاف مركز أبعاد «المبادرة الخليجية التي وقعت الأسبوع الماضي في الرياض قد تكون نزعت فتيل الحرب الأهلية، لكنها لم تعط حلول واضحة لمشكلة توريث الحكم وهي المشكلة التي عصفت باليمن وأدت إلى احتجاجات مستمرة منذ فبراير الماضي». وحذر المركز من تمكن الرئيس علي عبد الله صالح ونظامه في تحويل المبادرة إلى أداة لتمزيق الثورة الشبابية وفشلها من خلال «توسيع الهوة والخلاف في الساحات بين الشباب وأحزاب اللقاء المشترك المعارضة». وأضاف المركز «إن أبرز سلبية للمبادرة هي عدم التطرق إلى مستقبل عائلة الرئيس التي تمسك بزمام الحكم والمتوغلة في أعماق المؤسسات السياسية والاقتصادية والعسكرية، كما أنها لم تعط تطمينات للشباب الثائر في ساحات الحرية بعموم البلاد حول عدم تسلم نجل الرئيس الذي يقود الحرس الجمهوري وبقية أفراد عائلته مناصب سيادية في حكومة الوفاق الوطني ومن ثم عودة مشكلة التوريث من بوابة المبادرة ». وتوقع التحليل أن تدخل المبادرة الخليجية البلاد خلال الثلاثة أشهر المتبقية للرئيس صالح «في إرباكات كون اليمن أصبحت برئيسين بالذات إذا ما استمرت محاولات صالح التصرف كرئيس بصلاحيات كاملة كما حدث بعد عودته من توقيع المبادرة في إصدار قرارات كقرار العفو عن معارضيه ما جعل المجتمع الدولي يشك في جديته ويعيد التركيز على ضرورة محاسبة المنتهكين للحقوق والقوانين الإنسانية كما في بيان مجلس الأمن الأخير». وانتقد عدم تطرق المبادرة لمسألة تغيير فريق الرئاسة والأمانة العامة للرئاسة التي يتهمها الشباب بأنها تدير البلاد من خلف الكواليس في إطار نظام عائلي موازي للنظام الرسمي. وقال المركز إن هناك تضارب في نصوص المبادرة واختلاف في فهمها وتفسيرها وهو ما أدركه القائمون عليها فضمنوها بنداً لتشكيل لجنة تفسير للمبادرة لكن ذلك لا يمنع أي طرف من التعلق بتفسير معين لتبرير عرقلته للمبادرة». وأكد على أن نجاح المبادرة قائم على ثقة متبادلة من كل الأطراف في شخص واحد هو عبد ربه منصور هادي وإعطائه صلاحيات السلطتين التشريعية والتنفيذية في حال عدم التوافق، وبالتالي فإن غيابه أو تغييبه لأي سبب من الأسباب قد يؤدي إلى انهيار المبادرة برمتها. بحسب مركز أبعاد. وأضاف المركز «تعمدت المبادرة إغفال بقية المكونات الفاعلة كالشباب في الساحات والحوثيين والحراك الجنوبي من تشكيلة حكومة الوفاق الوطني إما لرفض مشاركتهم أو الخوف من زيادة الاختلافات وفشلها واقتصرت على ذكرهم في برنامج الحوار الوطني خلال الفترة الانتقالية وهو ما أعطى انطباعا رافضا لها في أوساط هذه الفئات وسيؤثر على تنفيذها مستقبلا». وأشار إلى أن المبادرة التي أعلن عنها في مايو الماضي كان جوهرها «إنقاذ نظام الرئيس صالح فهناك مخاوف اقليمية ودولية من أي تغيير جذري يؤثر على مصالح الدول الفاعلة في اليمن بالخصوص في مجال مكافحة الإرهاب لكن المبادرة لم تراع المتغيرات أثناء توقيعها بعد سبعة أشهر حيث ارتفع معدل ضحايا الاعتصامات السلمية إلى أكثر من ثلاثة أضعاف العدد وقت بدء الحديث عنها وهو ما سيزيد من أعباء ومسئوليات حكومة الوفاق الوطني إذا لم يؤدي إلى عرقلتها». وعن إيجابية المبادرة قال مركز أبعاد إن «أهم ميزة للمبادرة هي أن الرئيس صالح فقد المشروعية الدولية وسيودع المشهد السياسي اليمني وليس الرئاسة فحسب بعد ثلاثة أشهر من توقيعه لها حتى لو أصر البقاء في رئاسة الحزب الحاكم، وهي ميزة للسلطة والمعارضة، فهي تعطي مخرجا مشرفا للرئيس صالح وفي الوقت ذاته تلبي مطلب رحيل رأس النظام الذي طالب به المحتجون في الساحات، كما أنها أعطت إجماعا دوليا على ضرورة بقاء اليمن موحدا ومستقرا، وأعطت شرعية دولية للتدخل ضد أي طرف يخل بالاتفاق أو يسعى لتفجير الأوضاع في البلاد». وأضاف «رغم بقاء الرئيس صالح حتى يناير من العام القادم إلا أن بنود وتفاصيل الاتفاقية سحبت كل الصلاحيات المتعلقة بالسلطتين التشريعية والتنفيذية والمؤسسة العسكرية والتمثيل الخارجي إلى النائب ولم يتبق له سوى رئاسة الحزب الحاكم وبرقيات التهاني والتعازي لنظرائه في العالم، وأي قرارات يعتبر إصدارها من صلاحياته ستكون محل رقابة دولية صارمة». وأشار أبعاد إلى أن الرئيس صالح أرغم بضغط محلي ودولي على التوقيع وليس وفق إرادته، وأن بإمكان المبادرة منعه من تفجير الوضع عسكريا والتقليل من التكلفة البشرية وإيقاف نزيف الدم اليمني. وتطرق إلى إيجابيات أخرى في المبادرة قال أنها بنظر الكثير من شباب الساحات سلبية «وهي الحفاظ على المؤتمر الشعبي العام كحزب سياسي وعدم اجتثاثه للحفاظ على طابع التعددية السياسية والسلم الاجتماعي وعدم تكرار تجارب الانتقام كما حصل في العراق»، وأضاف «العملية الديمقراطية المستقبلية ستعطي كل حزب سياسي حجمه الطبيعي كما كشفتها انتخابات تونس ومصر والمغرب بعد موجة الربيع العربي». وأوصى الشباب في الساحات بضرورة الاستمرار في وسائلهم السلمية حتى تحقيق مطالبهم وفتح قنوات حوار واسعة مع الأحزاب السياسية في الحكومة القادمة باعتبارها وسيلة مختصرة وغير مكلفة لترجمة أهداف ثورتهم وتحويلها إلى برامج تتبناها تلك الأحزاب. وحذر من زيادة الهوة بين الشباب في الساحات وأحزاب المشترك نتيجة لمشاركة الأخيرة في توقيع المبادرة، وقال المركز إن «المعارضة السياسية تعرضت لضغوط خارجية وتركت بين خيارين لا ثالث لهما إما إيجاد حل سياسي داعم للحل الثوري بالاستفادة من شريك أصبح ضعيفا هو الحزب الحاكم لتحقيق أهم هدف للشباب وهو رحيل الرئيس صالح وإما دخول البلاد في أتون حرب أهلية قد لا تؤدي إلى التغيير وإنما انهيار الدولة، ولذا فهي ترى أن الاتفاقية ستجعلها موجودة في صنع القرار خلال أهم وأصعب فترة تمر بها اليمن هي الفترة الانتقالية». وأشار إلى أن ورود شرط في المبادرة ينص على أن يكون المرشحون في الوزارات على درجة عالية من النزاهة والالتزام بحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي تعطي تفاؤلا لدى الشباب في الساحات المؤيد للمبادرة باعتبارها ضمان لعدم ترشيح أي من أركان نظام الرئيس صالح وعائلته المتهمين من قبلهم بارتكاب مجازر ضد ساحات الإعتصامات السلمية. وتطرق تحليل مركز أبعاد للدراسات إلى أربعة سيناريوهات مستقبلية بشأن المبادرة، أولها أنه «قد يتم تنفيذ الاتفاقية من الطرفين وهذا سيؤدي إلى خروج الرئيس صالح من الرئاسة نهائيا وهو انتصار جزئي للثورة الشبابية الشعبية في الساحات». وعن السيناريو الثاني، قال إنه «قد يتم رفض تنفيذ المبادرة أو الالتفاف عليها من أحد الطرفين وهو ما لا يتيح للبلاد أن تصل إلى انتخابات حرة وديمقراطية إما نتيجة للحرب أو الفوضى ويأتي هنا دور الجهات الاقليمية والدولية المراقبة لتنفيذ الاتفاقية التي ستضطر إما القيام بعقوبات شخصية لأركان الطرف الرافض أو الملتف على المبادرة من خلال تجميد الأموال أو منع السفر أو الإحالة للجنايات الدولية أو تحصل مواجهات تؤدي إلى ضعف أحد الطرفين خاصة إذا ما حصل دعم لوجستي خارجي لطرف ضد الطرف الرافض أو الملتف للمبادرة. وقال" في هذا السيناريو إذا ما افترضنا أن الرئيس صالح هو الرافض فنظامه سيسقط ثوريا إذا ما حافظت مكونات الثورة السياسية والثورية والعسكرية على تماسكها». وأما السيناريو الثالث المحتمل وقوعه فهو «افتراض تنفيذ المبادرة وخروج الرئيس صالح من السلطة لكن يبقى نظامه الأسري يعرقل عملية التغيير»، ولأجل تجنب وقوع هذا السيناريو، قال المركز إن على المعارضة القيام بعمل وقائي من بينها الضغط بعمل اتفاقات تؤدي إلى إقالة مكتب الرئاسة والأمانة العامة للرئاسة السابقة وإقالة القيادات العسكرية وسرعة إعادة هيكلة الجيش والأمن وتفعيل آليات الرقابة والمحاسبة وإحالة أي وزير ثبت أنه أخل عمدا بمسئولياته للتحقيق ومنعه من تولي مناصب قادمة. أما السيناريو الرابع والأخطر من وجهة نظر مركز أبعاد، فهو «غياب أو تغييب مفاجئ لنائب الرئيس عبد ربه منصور هادي والذي يعد المحور المركزي للمبادرة وستنتقل إليه الرئاسة، وهذا يعني أن بغيابه ستعود الأوضاع في اليمن إلى المربع الأول ما قبل المبادرة الخليجية واستمرار الاحتقان السياسي والانقسام العسكري والانهيار الاقتصادي».