أكد وزير الخارجية أبوبكر القربي أن لا أزمة بين اليمن والولاياتالمتحدة على خلفية تأجيل الانتخابات التشريعية التي كان من المقرر أن تشهدها البلاد في السابع والعشرين من نيسان (ابريل) الجاري، مشيراً إلى أن واشنطن أبدت رأيا في ما يتعلق بهذه القضية وصنعاء ردت عليها في حينه . وتطرق القربي في حوار مع صحيفة "المستقبل" اللبنانية إلى علاقة اليمن الأمنية بالولاياتالمتحدة وموقف اليمن من قضية معتقليه في غوانتانامو ومطالبته بتسليم المعتقلين في السجن ليتم إعادة سجنهم وإعادة تأهيلهم في اليمن، رافضاً أن يتم تسليمهم إلى دولة أخرى . وتناول الحوار الوضع الأمني المضطرب في اليمن إثر العمليات الأخيرة التي شنها تنظيم "القاعدة" في البلاد، مؤكداً أن الحكومة اليمنية لديها إستراتيجية لمواجهة هذا النشاط . وقال إنه من المبكر تقويم مدى تأثير خطابات زعيم تنظيم "القاعدة" أسامة بن لادن أو نائبه أيمن الظواهري بالتحريض على العمليات الإرهابية في اليمن، مشيراً إلى أنها تأتي أحياناً من باب المصادفة وأحياناً ربما يكون لها علاقة بهذه الخطابات، لكنه قال إن هذه مسؤولية الأجهزة الأمنية للتحري والتأكد منها. كما تناول القرار الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية ضد الرئيس السوداني عمر حسن البشير الذي قال إنه يهدف إلى تمزيق السودان والإضرار بوحدته ونسيجه الاجتماعي، والعلاقة مع إيران. وفي ما يلي نص الحوار: تأجيل الانتخابات ما هو السبب في اتخاذ الأحزاب السياسية في البلاد قراراً بتأجيل الانتخابات التشريعية التي كان مقرراً أن تشهدها البلاد الشهر الجاري إلى ما بعد عامين؟ شخصياً اعتبر القرار صائباً، لأن الانتخابات ليست هدفاً بذاته، الهدف من الانتخابات والممارسة الديموقراطية أن تعطي للمواطن الحق في التعبير عن رأيه لاختيار من يمثله في البرلمان، وأن يكون البرلمان قادراً على أن يؤدي دوره وأن يحاسب الحكومة ويقوم بمراقبة أعمالها، وأن يعزز الوحدة الوطنية وأن لا يكون في هذا البرلمان ما يمكن أن يسمى هيمنة طرف على طرف آخر . لهذا لو تمت الانتخابات من دون مشاركة المعارضة، سواء تلك المنضوية تحت تكتل أحزاب اللقاء المشترك أو المجلس الوطني للمعارضة وحتى الأحزاب التي لا تنتمي لهذا الطرف أو ذاك، بكل تأكيد ستثير لغطاً في العالم حول نتائجها وستظل دائماً تجد من يشكك في هذا البرلمان. لهذا كانت الحوارات والجهود التي بذلها الرئيس علي عبد الله صالح مع المؤتمر الشعبي العام وقد تم التوصل في النهاية إلى القناعة بأن التمديد لمجلس النواب عامين سيهيئ الوقت الكافي لإصلاح قانون الانتخابات وأي إجراءات وإصلاحات سياسية ودستورية أخرى . ونحن نأمل أن يبدأ الجميع بجدية من الآن للعمل لانجاز ذلك، لأن الزمن يمر بسرعة، وكل تأجيل أو مماطلة سيعرض الاتفاق للخطر، إذ اننا سنجد أنفسنا بعد ذلك نلاحق الزمن، فمن المهم أن تبدأ هذه الأمور بصورة عاجلة، وعلى المؤتمر أن يكون هو المبادر حتى لا يعطي الفرصة للمعارضة لأن تقول إننا كنا منتظرين .
كيف تقومون الموقف الخارجي وخاصة الاتحاد الأوروبي والأميركيين؟ بالنسبة الى الأوروبيين كان موقفهم متفهماً تماما، أما الأميركيون فقد أصدروا تصريحا عبروا فيه عن تخوفهم من أن هذا التأجيل قد يفهم منه بأنه تراجع للممارسة الديموقراطية في اليمن، بينما هذا الكلام يمكن أن يكون صحيحاً لو اتخذت الحكومة وحدها مثل هذا القرار، لكن الحكومة فرض عليها الأمر من قبل المعارضة، لأنها هددت بالمقاطعة، والحكومة كانت حريصة على أن لا تقاطع المعارضة هذه الانتخابات، أي أنها كانت حريصة على أن تكون هناك انتخابات تشارك فيها كافة الأحزاب السياسية وبالتالي النظرة لهذا القرار يجب أن تكون ايجابية.
هل سببت تلك التصريحات أزمة بينكم وبين الأميركيين ؟ لا، على الإطلاق، الأميركيون أصدروا تصريحاً واضطررنا للرد عليه في حينه، لأن المتحدثين في البيت الأبيض والخارجية الأميركية عندما يعلقون على أية قضايا من هذا النوع يتحدثون وكأنهم في عالم مثالي، ولا ينظرون إلى واقع البلدان التي يتحدثون عنها، يقولون كلاماً وكأنهم أوصياء على هذه البلدان، وهذا الأمر يرفضه اليمن كما ترفضه كل الدول.
المواجهة مع "القاعدة"
تزايد نشاط "القاعدة" في الفترة الأخيرة، وخاصة بعد استهداف السياح الكوريين مرتين، فما هي الإستراتيجية التي تتخذها الحكومة في الوقت الحاضر للقضاء على نشاط "القاعدة" ؟ الحكومة اليمنية اعتمدت في مواجهة الأعمال الإرهابية، سواء من قبل تنظيم القاعدة أو غيره، على مبدأين: الأول هو الجانب الإستخباراتي الأمني ويتمثل الثاني في الحوار مع هذه الأطراف . ونتيجة للحوارات تولدت قناعات بأن هناك من بين هذه العناصر من يجدي معه الحوار يعد وسيلة لإقناعه في الابتعاد عن طريق العنف، والتأكيد على أن هذا العنف في حقيقة الأمر لا يحقق شيئاً مهما كانت الأيديولوجية والأفكار التي يحملونها، وإنما يؤدي إلى الإضرار بمصالح بلدانهم ومصالح شعوبهم، وبالإسلام وقيمه التي لا تقبل هذا النوع من الإرهاب، وهناك من لا يجدي معه الحوار . والجانب الإستخباراتي والأمني يأتي في إطار الجهود الدولية والإقليمية، لأن إرهاب القاعدة صار هماً دولياً وليس فقط هماً إقليمياً أو محلياً . إذن الحكومة تأخذ في الاعتبار أن هناك عناصر من القاعدة لا ينفع معها الحوار، فهي عناصر لا تقبل الحوار وتصر على الاستمرار في طريق العنف، وبالتالي يجب أن تكون المواجهة معها مواجهة استخباراتية وأمنية .
ما مدى تأثير هذه الهجمات ونشاط "القاعدة" على سمعة اليمن في الخارج وعلى إمكاناته في المواجهة؟ هناك تأكيد من قبل دول العالم على وقوفها مع اليمن في مواجهة هذه العمليات الإرهابية لأنها تدرك تماماً أن أي انتصار للإرهاب في أي مكان في العالم هو خطر على مجمل العالم، وليس على الدولة التي تحدث فيها الأعمال الإرهابية . وبالتالي هناك استعداد للتعاون ولدعم جهود اليمن لمواجهة الإرهاب، وهذا الجانب يمكن أن نعتبره جانباً إيجابياً، لأن الإرهابيين لم يؤثروا على علاقة اليمن بالدول وعلى استعداد هذه الدول لدعم جهود اليمن لمكافحة الإرهاب، بل على العكس من ذلك . الجانب المؤسف في هذه العمليات الإرهابية هي الإضرار بمصالح البلد وبمصالح المواطنين ومعيشتهم، وهذه الأمور ستؤثر على الاقتصاد وعلى دخول المواطنين وعلى التنمية والذي سيدفع ثمنها كل مواطن يمني .
برأيكم هل تراجع نشاط "القاعدة" تحت الضربات الأمنية المتواصلة أم أن هذا النشاط تزايد مؤخرا ؟ لا نستطيع أن نحكم على أن نشاط القاعدة زاد أو خف من خلال العمليتين الأخيرتين، ولا يقاس الإرهاب في تنظيم دولي من وقوع أحداث في منطقة واحدة فقط، إنما يجب أن ننظر اليها من وحي الأحداث التي نشاهدها هنا وهناك من أعمال القاعدة . القاعدة بكل تأكيد تستقطب عناصر جديدة كما هو واضح من المعلومات التي تتداولها الأجهزة الأمنية في العديد من البلدان، وهناك أيضاً مخاطر من أن القاعدة أصبحت تستعمل في الوقت الحاضر العمليات الانتحارية كوسيلة لإثارة الذعر، لكن إذا رأينا ماذا تحقق هذه الجماعات على أرض الواقع ففي حقيقة الأمر هي لا تحقق شيئاً . معتقلو غوانتانامو
لوحظ أن هناك تحركات أميركية باتجاه اليمن للتعاون في مجال مكافحة الإرهاب، إلى أي مدى هناك تنسيق في هذا المجال؟ هناك تنسيق أمني استخباراتي بين اليمن والولاياتالمتحدة، لكن الآن أكثر ما يدور من نقاش هو حول اليمنيين المعتقلين في سجن غوانتانامو وانتظارنا للكثير مما يعبر عنه سواء الرئيس أوباما أو المسؤولين في الإدارة الأميركية الجديدة حول الرغبة في إغلاق سجن غوانتانامو . وقد تم تعيين عدد من المسؤولين في الإدارة الأمبركية الجديدة للنظر في ملفات هؤلاء السجناء وإمكان ترحيلهم إلى بلدانهم أو إلى بلدان أخرى لإعادة تأهيلهم أو إعادة سجنهم فيها . وفي حقيقة الأمر، من الصعب معرفة ماذا يدور في أذهان الأميركيين، لأنه بقدر ما تريد الإدارة الأميركية التخلص من ملف غوانتانامو هناك من يعارض هذا التوجه من قبل الإدارة الاميركية، لأنهم يعتبرون أن التخلص من هذا الملف أو المسجونين في غوانتانامو قد يهدد الأمن القومي الأميركي . موقفنا في هذا الجانب واضح، نحن نطالب بتسليم المواطنين اليمنيين المتواجدين في غوانتانامو إلى الحكومة اليمنية، وقلنا ذلك مرات ولا نقبل تسليمهم إلى أية جهة أخرى .
لماذا ترغب الولاياتالمتحدة في تسليمهم إلى إدارة أخرى وليس لليمن، ما هي مبررات واشنطن في هذه القضية؟ واشنطن تريد أن تمحي ذاكرة سجن غوانتانامو من أذهان العالم بكل ما عاناه من تجاهل لمبادئ حقوق الإنسان وممارسات تتعارض مع حقوق الإنسان، تريد واشنطن من خلال إغلاق المعتقل أن تعطي انطباعاً من أن هناك تقدماً في نظرة الإدارة الأميركية الجديدة نحو هذا الملف . في حقيقة الأمر إذا كانت هذه العملية سترتبط بمجرد تحويلهم إلى سجون في أوروبا أو إلى سجون في أماكن أخرى، فإنه لا يمكن أحدا أن يقول إن هذا تحولا وتغيرا حقيقيا في السياسة الأميركية .
ما هي الظروف التي توفرها اليمن لإقناع واشنطن أنها قادرة على استيعاب معتقليها في سجونها وليس في سجون الغير ؟ الجانب الأميركي لديه مخاوف ليس فقط بالنسبة لليمن، بل حتى بالنسبة للدول الاخرى. وفي كل عمل من هذا النوع من المؤكد أنك تواجه صعوبات، فعندما تتحاور مع عشرات أو مئات من الأشخاص حول إقناعهم بالعدول عن فكر التطرف ستبقى هناك نسبة لا تقبل بذلك، صحيح قد تدعي بأنها قبلت بذلك، ولكن فقط لكي تخرج من السجن على أن تبدأ من جديد، وهنا تأتي كيفية التأهيل والتحري من الذين اقتنعوا تماماً بالاعتدال وتجنب الإرهاب والعودة الى ممارسة حقوقهم السياسية كأي مواطن آخر، وبين الذين لا يجدون إلا الإرهاب وسيلة لفرض آرائهم ورؤاهم السياسية . الإدارة الأميركية تواجه هذا الموقف الصعب، بكل تأكيد هناك عشرات من ال 240 الذين لا يزالون معتقلين في غوانتانامو ليست لهم علاقة بأعمال العنف أو الإرهاب والقاعدة، وبالتالي يجب من الجانب الإنساني والقانوني والعدل أن يفصلوا عن غيرهم من المتورطين بالأعمال الإرهابية .
السودان وإيران هل تتوقعون سيناريوهات أسوأ بالنسبة للوضع في السودان بعد التطورات الأخيرة؟ عندما تقرأ ما يكتب من تحليلات في الصحف الغربية وبعض التحليلات السياسية بالذات في مراكز الأبحاث تشعر أن هناك مخططاً خطيراً يستهدف السودان ووحدته ونسيجه الاجتماعي، وأحد العسكريين الإسرائيليين عبر عن ذلك بوضوح عندما قال إن السودان بمساحته وثرواته سيكون قوة عربية كبيرة، ونظر إليه تماماً كما نظر إلى العراق وينظرون إلى إيران، إذا ما قوي عودها ستكون خطراً يهدد إسرائيل . من هنا نرى كيف فتحت إسرائيل أبوابها للاجئين السودانيين واستقبلت رئيس إحدى منظمات المعارضة في دارفور، ونرى الموقف الغربي الذي يقف أمام الجهود المبذولة عربياً وإفريقياً لتجميد قرار المحكمة الجنائية الدولية تحت بند المادة السادسة عشرة من قانون المحكمة . هل تشعرون بأن هناك معركة حقيقية بين العرب وايران؟ لا أعتقد أن هناك معارك بين العرب وإيران، إلا إذا اعتبرنا أن الأجندات السياسية ومصالح الدول معارك، إيران دولة جارة ولها مصالح وطموحات والبعض يقول إن لها أطماعا، وهذا قد لا ينطبق على إيران فقط بل وعلى دول كثيرة في المنطقة، وبالتالي يجب أن نفرق بين ما هو مشروع للدولة وما هو غير مشروع، بمعنى أن على إيران أن تحترم الجوار العربي وأن تحترم مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، وأن تضع حداً لبعض التصريحات التي للأسف تصدر من هنا وهناك وبعضها يأتي من مسؤولين قريبين من القيادات وتؤدي إلى نشوء القلق في العالم العربي . وعلينا أن نعمل، نحن وإيران، على تحديد الخارطة التي يجب أن نتفق عليها حتى لا يتعداها أي طرف، وهذا ما يجب علينا كعرب أولاً أن نبلوره وأن نتفق عليه .