لا يبدو ان بقايا النظام ستسمح بإحراز اي تقدم حقيقي في طريق التنفيذ التدريجي لبنود الاتفاقية وآليتها التنفيذية. معطيات شتى تشير الى ان هذه البقايا لن تدخر جهداً في سبيل تحقيق غاية التعطيل الكلي او الجزئي لخطوات التنفيذ التي شرع الرئيس بالإنابة عبدربه منصور هادي في تطبيقها بدعوته للانتخابات الرئاسية المبكرة وتكليفه لمرشح المجلس الوطني بتشكيل حكومة الوفاق.
في تكتيكات البقايا، ثمة رهان على تحقيق غايات الإعاقة والتعطيل عبر مسارين رئيسيين، اولهما: العزف على وتر الرفض الثوري الشبابي لحصانات وضمانات الاتفاقية، وثانيهما: إقرار مخططات التحشيد والتعبئة والفوضى في مواجهة الحكومة المنتظرة.
لاتريد البقايا للتسوية السياسية ان تمضي قدماً في طريق البناء والتغيير، حقيقة ما انفكت تؤكدها الاحداث التالية لفعل التوقيع (تحركات صالح واجتماعات الاولاد).
تدرك البقايا ان نجاح الحكومة الوفاقية في مهمتها سيؤدي بالضرورة الى التقويض التدريجي لهيمنتها الراهنة على مقاليد السلطة والثروة وصولاً الى تحقيق ما اخفقت في انجازه ادوات الفعل الثوري والشعبي.
بالنسبة لهذه البقايا، تبدو الحكومة الوفاقية اكثر مكامن القلق حضوراً، إنها –اي البقايا- تدرك قدرة ادوات السياسة على انجاز جانب كبير من الغايات والاهداف الثورية التي استعصى على الشباب تحقيقها عبر ادوات الضغط الشعبية، وهو ادراك يدفعها للتحرك باتجاه اسقاط الحكومة الوفاقية المنتظرة.
وبما ان نجاح (اتفاقية الرياض) مرتبط بنجاح حكومة الوفاق، والعكس يبدو واضحاً مع النقيض، فإن تخليق عوامل ومسببات الاخفاق لهذه الحكومة يجسد منطلقاً رئيسياً لتحقيق غاية الاعاقة والفشل للاتفاقية برمتها.
ثورياً لاتبدو تحركات صالح هي الباعث الوحيد للقلق، إذ ان اجتماعات وتدابير واجراءات الاولاد (اجتماع طارق صالح ببعض المسؤولين انموذجاً) تعد باعثاً لايقل اهمية.
الاجتماع المشار إليه –حسب الصحوة موبايل- كرس لبحث آليات ووسائل اسقاط الحكومة الوفاقية بما في ذلك اخراج مسيرات احتجاجية وتنظيم اعمال شغب وفوضى بالتزامن مع تدشين الحكومة لمهام عملها رسمياً. العزف على وتر الرفض الشبابي للضمانات، تكتيك يوازي تلك التحركات ويضارعها في الفاعلية والتأثير.
بوسعنا الادعاء هنا ان تلك البقايا تحاول استثمار ذلك الرفض على نحو داعم لأجندة اسقاط الحكومة والاتفاقية. ثمة تطلع بائن يتغيا تحويل الحكومة الوفاقية الى هدف للإسقاط في اوساط شباب الثورة، ورغم انه يبدو تطلعاً عصياً على التحقق، إلا ان البقايا تراهن على إحداث تصدعات بين شباب الساحات ومجلسهم الوطني بصورة تكفل تعزيز ممكنات التحقق لذلك التطلع عملياً.
حتى اللحظة يصعب الحديث عن تصدعات ظاهرة، غير ان واقعاً كهذا قد لايدوم طويلاً. بتعبير آخر، يمكن القول ان تمسك الشباب بأهداف ثورتهم لايعني باي حال من الاحوال رفضهم لتحقيق هذه الاهداف عبر أدوات السياسة، فقطاع شبابي واسع يؤيد منح المجلس الوطني والمشترك فرصة كاملة لتحقيق هذه الاهداف سياسياً لاسيما عقب ان استعصى انجازها ثورياً، غير ان هذا التأييد لا يلغي –بالمقابل- حقيقة القلق الواضح الذي يساور كثيراً من الشباب.
في الواقع، هنالك ما يبرر جرعات القلق الطافقة لدى الشباب، فخلال الايام التالية لفعل التوقيع على الاتفاقية وآليتها التنفيذية حدثت تحولات سياسية كبرى انتجت واقعاً جديداً وتسببت في إحداث صدمات متتالية لدى الشباب وخصوصاً المؤمنين منهم بفكرة الحسم الثوري.
الخطاب الاعلامي الاحتفائي التالي لفعل التوقيع، كان سبباً اضافياً في مفاقمة تلك الصدمة الشبابية ورفع مؤشرات القلق والتوجس الى مداها الاعلى، ولولا تطمينات الدكتور ياسين سعيد نعمان التي أبرقها للشباب عقب التوقيع مباشرةً لما وجدت تلك المخاوف طريقها نحو السكون الجزئي بتاتاً.
لاينبغي النظر الى التمسك الشبابي بالاهداف الثورية كحالة ضدية مناوئة للفعل السياسي الذي يديره المجلس الوطني، فالتباين بين الشباب والمجلس –ان وجد- سيظل مقتصراً على جزئية الوسائل ولن يمتد مطلقاً الى الاهداف والغايات التي تشكل قاسماً مشتركاً.
الشباب والمجلس يتشاطران اهدافاً وغايات جامعة، وينبغي ان يظل التعاضد هو اللغة المشتركة لمجاوزة اي تكتيكات او تطلعات تتغيا احداث تصدع او تعارض بين الطرفين.
معادلة التكامل يجب ان تظل هي المرجعية للعلاقة بين الشباب ومجلسهم الوطني، فبدونهم لايمكن للمجلس احراز اي تقدم في تنفيذ الاهداف الثورية عبر ادوات السياسة، وبدونه لايمكن للشباب تحقيق اهداف الثورة عبر ادوات الحسم.
وبما ان هذه المعادلة تعد الخيار الامثل للحيلولة دون تمكن بقايا النظام من تنفيذ مخططات احداث التصدع، فإن موجبات التكامل تفرض على المجلس الوطني مراعاة الخطاب الشبابي والسعي لتقديم كل الضمانات والتطمينات اللازمة وصولاً الى تعزيز الثقة والشراكة.
ولكي يكون المجلس الوطني جاداً عليه اولاً ان يشرع في التنفيذ الفوري لخطة توسعة قوامه التي كان قد اقرها قبل اشهر بهدف إعادة الاعتبار للتمثيل الشبابي في عضويته.
اخيراً، ستمضي تكتيكات بقايا النظام قدماً، غير انها يصعب ان تحقق اهدافها ما دامت معادلة التكامل والتعاضد هي المرجعية لتنظيم العلاقة بين الشباب ومجلسهم الوطني.. وكفى