أسرفنا صادقين، في نقد الأعمال العسكرية والمواجهات المسلحة في مدينتي مدينة تعز ، لجأنا إلى تغليب منطق السلم وجعل مدينة تعز كما هي مدينةً للعلم والثقافة وبناءً على ذلك طوعنا كل شيء لمساواة المستفز بالرصاصة والمُدمر بالدبابة و الصواريخ ، أعترف تحملنا كل صنوف السحل النقدي لكن ذلك كله ، ويعلم الله، ما كان إلا لكي نحافظ على المدنيين في تعز واستمرار مسيراتهم السلمية كما هي زاهية و قوية و راقية حتى لا ندع لأي أحد، بنية أو بسوئها ، أن يسفك قطرة دم مقدسة على أرضٍ كريمة... بالأمس خرجت المسيرات تُطالب بحقوقها، خرجت سِلمية بعد انسحاب "المسلحين" و ترك مواقعهم ، لم نرَ غير جثثٍ مقهورة، وأرواح مسلوبة ، ودماء زكية تناثرت نتيجةً لتوغل الشيطان في قلوب هذا الجيش الأحمق الذي لا يفرق بين المطالبات السلمية و عمليات التمرد العنيفة فهو يُقَدِر الثانية أكثر بناءً على منطق القوة و الضعف المتوغل في عقولهم و التي يعشقون تقييم الأمور من خلالها حتى الثمالة... دعونا نرجع إلى الوراء قليلاً ، المدنيون يُقصفون قصفاً عشوائياً بحجة أن المسلحين هم من يبدؤون أولاً، تعاضدت الأصوات نحو دعوة "المسلحين" إلى أن يكونوا خيري ابني آدم و ينسحبوا حتى لا تبقى ذريعة ، مسيرات سلمية تُطالب برفع الثكنات العسكرية من الشوارع لأجل استمرار الحياة الطبيعية و تُقابل بالرصاص و تتناثر الأشلاء و الدماء... و إذا ما سافرنا إلى اللحظة ، فلا أقل من القول بأن ذلك كله جريمة و جريمة كُبرى تُصبح المسيرات السلمية فيها عبثية وسيلجأ الناس كل الناس إلى السلاح و سينظمون إلى الجماعات "المسلحة" لأنهم لم يعد أمامهم أي خيار للتعبير عن حقوقهم ومطالبهم وقناعتهم... قد يُمارس الإنسان كل الأشياء لكي يتهرب من قدرٍ حتمي ما ، رفضنا المُبادرة لأنها لم تخضع لضغط الشارع وقلنا حينها أنها ستجعل من الثوار ورقة مهمشة يسهل البطش بها حال الاتفاق أو شبه ، رأينا ذلك في تعز معقل الثورة ، و رأينا قائمات بأسماء وزراء تتنافر أسماؤهم لمجرد وجودها في القائمة ، كانت كل الأشياء تحكي بلغتها أنْ لا اتفاق في ظل عدم وجود قناعة كافية لتحقيقه ، الطرفان في عمليتي شد و جذب و كلٌ منهما يتربص بالآخر ليبطش به ، كانت تلك المقدمات واضحة جلية لا لبس فيها و هذا ما يُمهد القدر لإثباته ، العناد عنوانٌ كبير في كتاب كل صفحاته متعجرف بحجم علي عبدالله صالح وأشباهه من الأيدي التي كانت يبطش بها أبان عهده ، إنه عنوانٌ مكتوب على كل صفحة من صفحات الكتاب و ليس على الصفحة الأولى لكي يستبدلوها بصفحة "المبادرة الخليجية" ... في حوار مع بعض الدكاترة الأجلاء، كان بادٍ عليهم حجم هائل من الاستغراب عندما قلتُ لهم أنّ أعظم ما يُحيريني في الثورة هو المنطق الذي انطلق منه قتلة المظاهرات السلمية في الأشهر الأولى من الثورة ، و يبدو السؤال هذا مُلحاً حال التوقيع على كل ورقة «مبادرة» أو اتفاق ، بالأمس كررتُ نفس السؤال: بأي حق يُقتل المعتصمون و تُقمع مسيراتهم السلمية؟! ، أزعم أنْ لا جواب غير أن هناك صراعٌ عنيف بين الحق و الباطل، بين الحياة و الموت ، بين الرُقي و الحيوانية ... إنّ من يقمع مسيرة سلمية أياً كانت من الصعب جداً التحاور معه ، من الصعب جداً إقناعه بكل المبادئ النبيلة ، من الصعب جداً الاجتماع معه حول منطق نبيل ، و بالتالي في حالة استمرار هذه الحالة الشاذة فإن عمليات لوم المسلحين ستكون دعوات " لا معيارية" و الدفاع عن الحقوق في هذه الحالة سيأخذ أشكالاً أخرى أكثر خشونة من مجرد مسيرات و أزعم أنهم لن يكونوا بمقدورهم تحمل تلك الخشونة حينها... إلى المنغمسين بفكرة القمع و رؤية الأشلاء على قوارع الطريق محروسة بدمائها أقول : لقد تجبر من ذي قبل من تجبر ، لن تملك عذرا تدافع به عن نفسك إذا ما أمسكت أيدي الرب بعنقك ، قداسة النفس البشرية تتساوى و حقوق البشر في مطالبتهم بحقوقهم بسلم ، من يقمع أحداً يُطالب بحقوقه فكأنما قتله ولا أبشع من جريمة لا تحتاج إلى تبرير كالقتل... إن ما تمارسونه الآن من قمع المسيرات السلمية سيُحيط بسياج من نار بأيدي الثوار أنفسهم لن تمنعها عنكم حصونكم حينها ستجدون منهم جلدا كما رأيتموه و هم بصدورهم العارية... أعدُكم إني سأغمض عينيّ حتى لا أرى جثثكم مرصوصة على الطرقات إن أصريتم على عنادكم و قتلكم الناس البسطاء.