منذ أن انطلق منها مارد الثورة مساء ال(11) من فبراير وهي لاتزال تفاجئنا كل يوم بأسلوب جديد من أساليب النضال السلمي، وتعلمنا دروس العزة والكرامة.. بل وتدهشنا بثباتها وصمودها في مواجهة آلة القمع والإجرام.. عصا التركيع والإذلال. إنها تعز.. مهد الثورة.. وولاّدة الثورات.. حيث قدح أبناؤها الشرارة الأولى للثورة السلمية التي أضاءت ساحات الوطن.. فكانت (ساحة الحرية) في تعز أول ساحة يصدح فيها الثوار بكلمات العزة والحرية والكرامة.. فيها أول شهيد للثورة(مازن البذيجي) وكذلك أولى شهيدات الثورة(عزيزة) تعز. منها انطلقت أول مسيرة راجلة من المعافر إلى ساحة الحرية.. ومنها خرجت (مسيرة الحياة) المسيرة التاريخية قاطعة أكثر من 260كيلومتراً لتسجل تعز وشبابها أكبر وأول مسيرة راجلة رفضاً للظلم والاستبداد في تاريخ ثورات الربيع العربي. ولأنها رائدة الثورة.. ومدرسة النضال والحرية نالت النصيب الأكبر من البطش والقمع والإرهاب، وتعرض شبابها لصنوف شتى من القتل والتعذيب.. ولأنها تعز ينبوع الثورة الذي لاينضب.. وسراج الحرية الذي لاينطفئ.. صب عليها من قذائف الحقد ومدافع الانتقام ألواناً أراد النظام أن يطفئ نور الثورة، وذلك من خلال إركاع تعز بالقوة، حتى يتسنى له إخماد الثورة.. فوسوس له شيطانه أن يحرق تعز وساحة الحرية.. فكان له ما أراد.. حيث أحرق الخيام والناس فيها نيام.. لكن إرادة الله أقوى من كل ظالم. هي تعز الثائرة والحاسمة والقاصمة للطغاة والجبابرة.. وليست الحالمة فقط.. من جبل صبر تعلمت معاني الكبرياء والشموخ.. وآيات المجد والصمود.. ثائرة.. لاتذل أوتستكين.. لم يجىء يوم بخلت بالدماء. بل سقت شجرة الحرية بأنهار من دماء شبابها البريء الطاهر.. حتى أضحت شوارعها مزينة بقناديل الشهداء ومصابيح الحرية. ففي كل شارع منها هناك قصة شهيد تروى.. وحكاية جريح تُسرد.. وأسطورة شاب ثائر كيف أرعب بصدره العاري جنوداً مدججين بأرقى السلاح.. شهداؤها يتجاوزون ال(200) شهيد. ألم أقل لكم إنها تعز.. مدينة المعجزات.. مدينة تتحطم على أبوابها معاول القتل والفناء.. أكاديمية الثورة تنجب القادة والأحرار.. تصنع كل يوم ثورة.. ومسيرة حياة.. ثورة ضد مؤسسات الفساد لتحررها من ربقة الأسرة أو الحزب، وتعيدها إلى مالكها الحقيقي وهو الشعب. هكذا عودتنا تعز.. تنتفض لكرامتها وتثأر لقداستها إذا انتهكت.. وتغضب لمدنيتها إذا تسلحت.. لاتقبل الضيم والنكران.. عصية على الخضوع والإذلال.. وبعيدة عن الصراعات القبلية وانتشار السلاح.. لكن اليوم حالها قد تغير.. وأصبحت مدينة السلاح والمسلحين.. ونقاط التفتيش والثكنات والمواقع العسكرية. ماذا جنت مدينة الأدب والفكر والثقافة.. والتنوير والحداثة حتى تُنتهك(مدنيتها) ومؤسساتها التعليمية والصحية بل وقلاعها الأثرية وتتحول إلى ثكنات عسكرية تحصد الأرواح وتجلب الموت والدمار؟ من يرد الاعتبار لمدينة ألفت الأمن والأمان.. واعتاد أبناؤها حياة البساطة والانسجام..والرقي والاحترام؟ تعز مدينة فكر وثقافة.. لم تعش يوماً حياة سلاح أو انتقام.. تعز مدينة حضارة لن نسمح لأيّ كان أن يجرها إلى مربع الثأر والصراعات.. ولن نقبل أن يعبث بها الفاسدون والقتلة والمجرمون. تعز اليوم بحاجة إلى وقفة جادة منا جميعاً كي تضمد جراحاتها وتعود إلى دورها الثقافي والتنويري في بناء المجتمع. أيها المحافظ الصوفي: حمود أن تلعب في الوقت الضائع وتنقذ تعز من غول الفساد وانتشار السلاح وتحفظ ماتبقى من كرامة تعز وطهارة مدينتها وحضارتها ولا أظنك فاعلاً خير لك من أن تبقى متفرجاً على كل هذا العبث والخراب على دكة الاحتياط.. فضع نفسك حيث تشاء.. فمدينة كتعز لاتستحق كل هذا الجحود والإهمال.. بل الشكر والعرفان. انقذوا تعز.. وستجدون أبناءها أوفى الناس ذماماً.