من المفارقات العجيبة في اليمن أن الثورة المضادة بدأت قبل أن تبدأ ثورة الشعب السلمية فبينما كان النظام يقول اليمن ليست تونس ومصر كان في الوقت نفسه يحشد أنصاره ويزج بهم لاحتلال الساحات المتوقع أن تكون مقرات اعتصام كما حدث لساحة التحرير بصنعاء بل وصل الأمر إلى أن وجه مجلس الدفاع الأعلى ( مجلس حرب) الحكومة باتخاذ بعض التدابير ومنها صرف علاوات كانت متوقفة وغيرها من الإجراءات في سبيل إخماد أي حراك شعبي في إشارة إلى أن البلاد كانت في حالة طوارئ غير معلنة . ولكن الاحتقان والتأزم كان أقوى من أي مهدئات فانطلقت شرارة الثورة في تعزوصنعاء وبدأ الشباب بالاعتصام فواجهتهم السلطة بكل الأساليب القمعية ولم توفر أي وسيلة بما في ذلك القتل والتعذيب والاختطاف . وكانت أكثر كلمة تتردد وتقض مضاجع النظام هي الزحف نحو المؤسسات وهو يعي أنها ستكون القاصمة وستسقطه تماماً فأتخذ في سبيل منع ذلك إجراءات منها أنه حشد البلاطجة في معسكرات وصرف المليارات من الريالات عليهم . وساندتهم قوى أمنية وعسكرية موالية للنظام وواجهوا أي مسيرة كانت تحاول الخروج عن الساحة باتجاه أي منطقة جديدة في العاصمة بالرصاص بل وبأسلحة متوسطة و ثقيلة كما حدث في جولة النصر (كنتاكي) . وكان الهدف من كل ذلك هو إيصال رسالة أن الزحف يساوي القتل بلا رحمة وتقريباً نجح النظام في إيصال تلك الرسالة وأصبح يتعايش مع ساحات الاعتصام واعتاد علي وجودها . لكن ما أربك بقايا النظام وقلب عليهم الطاولة هي ثورة المؤسسات لأنها حققت إحدى فعاليات الثورة وهو الزحف وفعلاً فقد بدأ الزحف على المؤسسات ولكنه زحف من الداخل قوي ومؤثر وفاعل ونتائجه إيجابية بكل معنى الكلمة وتكلفته مقبولة مقارنة بالدماء والإصابات التي كانت متوقعة في حال حصل زحف ثوري من خارج تلك المؤسسات . وهذا يؤكد على الحكمة اليمانية التي وصف بها النبي اليمنيين وكانت أبرز ملامح الثورة بل وشعارها هو مجسم الحكمة اليمانية أمام بوابة جامعة صنعاء . فهذه الثورة بالرغم من كل ما يمكن أن يقال عنها من نقد وملاحظات إلا أنها حكيمة وتتحرك ببطء ولكن بثبات وكل يوم تقترب من تحقيق أهدافها . ثورة المؤسسات أسقطت أهم عوامل قوة الثورة المضادة وهي البلطجة بكل أساليبها وأعتقد أن الرئيس صالح ومن تبقى من قيادات حزبه قد بدأوا بدراسة أساليب جديدة في ثورتهم المضادة وقد أزعجتهم ثورة المؤسسات وأقضت مضاجعهم ولكن يحق لنا أن نقول لهم اليوم فاتكم القطار فاتكم القطار لأن الشعب اليمني وشبابه الصامدين على قدر التحدي والمسؤولية وأن النصر صبر ساعة ولم يبق أمامكم إلا الخروج للمنفى أو الاستمرار في تحدي إرادة الشعب وفي الأخير ستكون العدالة الدولية أو المحلية لكم بالمرصاد .