انتهى عهد «الزعيم الضرورة» ذو الطابع العربي وانتهى عهد الرئيس علي عبدالله صالح عملياً لكن مؤتمريين مرتاعين لنهايته بدأوا هجرة عكسية إلى التاريخ ليعيدوا الحياة إلى هذا المصطلح الدعي في توقيت ضال. كان سفر علي عبدالله صالح أو بقاؤه شأناً شخصياً لم يعد موضوع جذب. وكان الرجل سيسافر خارج البلاد وقدم طلباً بذلك إلى الولاياتالمتحدة غير أن الهلعين من تحطم دعامتهم المتينة في بلوغ الغايات سابقاً قالوا له إنه «زعيم ضرورة» وعليه أن يلزم أرض الوطن. تقول وكالة سبأ الحكومية إن ذلك قد حدث خلال اجتماع صالح بأعضاء المؤتمر في الحكومة ومجلسي النواب والشورى أمس الأربعاء. وطبقاً لتقرير للوكالة صوًر مشاعر المؤتمريين هؤلاء خلال الاجتماع فقد ألحوا عليه «بالعدول عن أي زيارة خارجية في هذا الظرف الصعب الذي يتطلب وجوده وان المؤتمر ومعه أبناء هذا الشعب يريدون بقاء الرئيس إسهاما كاملاً منه في الخروج من هذه الأزمة ولما يمتلكه من قدرة وخبرة وعدم الذهاب بالبلاد إلى الصراع». «وأن سفره سيشكل حالة خطيرة على الأوضاع وعلى المؤتمر وأصر الجميع على بقائه في اليمن مؤكدين دعوة الرئيس إلى الاستجابة لهذا المطلب الوطني وعدوله عن السفر». وحرفياً يقول التقرير إنه «بعد نقاش مستفيض حول مختلف القضايا والموضوعات استجاب فخامة رئيس الجمهورية أن يؤجل زيارته احتراماً لقرارات الهيئات واستجابة لدعوة الضرورة حرصاً منه على توفير سبل نجاح المبادرة وآليتها التنفيذية المزمنة وتنفيذها». هذا المشهد يؤلف حالة إشفاق حيال صالح وهو يستدرج إلى غواية لم يعد لها خصوصاً حين نستعين لإبراز ذلك بصورة تقليدية من الوعي العربي لزعيم ضرورة بهيئة جنرال شديد البأس، يقف وسط الجموع متحدياً إسرائيل ثم التصوير الحالي لصالح كزعيم ضرورة بزعم المؤتمريين وهو في أتعس حال، يبحث عن إقامة وادعة بصحة متعبة وذكرى سلطة مسلوبة ولعنة شعبية لا تنطفئ. أما «أن المؤتمر ومعه أبناء هذا الشعب يريدون بقاء الرئيس» فهذه كرة خرسانية لا يمكن التعامل معها مطلقاً إلا حين يهتف ملايين المحتجين الذين ثاروا على الرئيس نفسه بعودته ويرفعون كلهم يافطات موحدة تقتبس مثلاً ما رفعه محتج مصري مازحاً عقب سقوط مبارك: عد يا رئيس، لقد كنا نمزح. إيراد هذا النقاش مبني على افتراض أن مؤتمريين قد ناحوا حقاً بين يدي الرئيس وناشدوه البقاء كما يقول التقرير لكن الافتراض الأقرب للحقيقية أن صالح الذي كان أعلن سابقاً نيته السفر دون أن يشاور «الهيئات» لم يقرر البقاء «احتراماً لقرارات الهيئات» هذه المرة بل ليصنع مزيداً من التعقيدات في طريق العملية السياسية الوليدة وليضيق على نائبه المفوض بسلطات الرئاسة. ليدرك المؤتمريون أن أفضل السبل لجبر صالح حالياً هي في مساعدته على الانتقال إلى المواطنة العادية لا تشييد مزيد من الأوهام في رأسه. وهذا واجب المؤتمريين في المقام الأول رأفة به وبهم حتى لا يجدوا أنفسهم بدونه قطيعاً ضالا يتوه في دروب حالكة.