مازلت أتذكر تلك الطوابير الممتدة أمام مكتب الخدمة المدنية في الحديدة خلال فترة التسجيل أو تجديد القيد. الآلاف من الخريجين والخريجات من كليات الجامعة والمعاهد المعتمدة يزاحمون الأمل وسابقون الزمن للوصول إلى شباك يجلس خلفه موظف يستقبل طلبات التسجيل ببرود وخمول نتيجة لسنوات الطوابير المترددة عليه, يحبط فيك الأمل المنتعش بفرحة التخرج وخطوة نحو الحصول على وظيفة تطيب عناء السهر والجد لتبدأ صفحة جديدة كانت حلماً يروادك لتصبح ضمن عشرات الآلاف ممن سبقوك بعشرات السنوات تحت الانتظار . هكذا الحال المعتاد لتبقى المحسوبية وأهلها هم الأبرز. وما حدث مؤخراً من توزيع الدرجات الوظيفية في مكتب التربية بالحديدة بتواطؤ مكتب الخدمة المدنية بالحديدة , مهزلة غير جديدة علينا, تكررت في المحافظة كثيراً تحت سقف السلطة المحلية التي أكتفت بإيقاف القرار دون محاسبة, تاركة للفساد ميداناً فسيحاً وهي تعيش حالة من الانهيار المزري، وبدا ذلك جلياً لما تشهده المحافظة من تسلط النفوذ على حساب الحقوق التي تكفلها القوانين في كثير من القضايا و بأحقية من لهم الأسبقية في الحصول على وظائف حيث شردتهم سنوات الانتظار وحولت حياة بعضهم لمآس وقهر يعيشونه بسبب ما يسمى " الأقربون أولى بالمعروف" وتحول تلك الوظائف لحاملي الثانوية العامة وحديثى التخرج.
وقد كشف في وقت سابق مدى التلاعب في سجلات الموظفين الجدد بمكتب التربية والتعليم بمحافظة الحديدة للعام 2009م عن تلاعب وتقاسم لهذه الدرجات وفق معايير أسرية.
ففي حين أقرت الحكومة وبصورة استثنائية اعتماد 20 درجة وظيفية لمعلمات الريف بالحديدة من أجل تغطية العجز للمدارس الريفية وإعادة تفعيل المدارس التي أغلقت في المناطق النائية بسبب توقف المعلمات المتطوعات عن العمل لعدم توظيفهن، ذهبت الدرجات الوظيفية إلى غير من رصدت لهمن. ويوضح الكشف المعمد من مكتب الخدمة المدنية بالحديدة استحوذاً أقارب مدير مكتب التربية ونائبه ومدير الشئون المالية ومدير بنك التسليف الزراعي ومدير شركة النفط بتلك الوظائف.
ويشار إلى أن جميع هؤلاء لم يكونوا ممن سجلوا في الخدمة المدنية بل تم إدراجهم فور رصد الدرجات.
وقد عبرت عديد من الأوساط التربوية عن استيائها لمثل هذا التقاسم على حساب من لهم الأحقية والمتطوعين في الميدان لعشرات السنين منتظرين حصولهم على درجة وظيفية.