مثّل وصول علي عبدالله صالح إلى السلطة خطيئة تاريخية لسبب بسيط: لا يمكن لأمة أو شعب يحترم نفسه السماح لجاهل بأبسط قيم الدولة أن يعتلي كرسي الحكم. وفي لحظة من غفلة التاريخ كما يقال وغياب عقلاء لديهم حد أدنى من الفكر الناضج وصل علي عبدالله ونصب عينيه البنك المركزي، وبفطرته البدائية رأى فيه العقل الذي يعوضه عن كل نقص وجهل متمثلا قول الشاعر: فهي اللسان لمن أراد فصاحة وهي السلاح لمن أراد قتالاً وقد ذكر بعض المطلعين على تاريخ علي عبدالله صالح أنه أصدر أول أمر إلى البنك المركزي المليء بالعملة الصعبة من عهد الرئيس الحمدي, وكان يشك انه سوف يعمل بأمره لأنه يدرك أن تلك مخالفة لم يسبق إليها أحد من قبله ولكنه فوجئ بتنفيذ أمره نتيجة للاضطراب الذي رافق اغتيال رئيسين. عندها أدرك أن الحظ ابتسم له وان نقائصه وغياب مؤهلات الحاكم سوف يعوضها البنك المركزي في المرحلة الأولى، ومن البنك المركزي سوف يعوض قوة العقل والفكر بالأمن المركزي ولاحقاً الأمن القومي والحرس العائلي. وحتى يتوافق الواقع مع مستواه الفكري راح يبذل قصارى جهده لخفض قيم الساسة والمثقفين ومستوى التعليم، حتى قيم القبيلة النبيلة حولها إلى قيم رذيلة. كل ذلك حتى لا يظهر انه الناقص معرفة وعلماً. غياب علي عبدالله صالح عن الساحة اليمنية أول خطوة نحو بناء الدولة, صحيح أنها خطوة من ألف ميل يجب علينا الاستعداد له . إجبار صالح على الرحيل يعيد للقيم الكبيرة مكانتها، ويؤكد أن الشعب اليمني اليوم ليس ذاك الغافل الذي سمح لصغير ان يعتلي مهمة كبيرة. دخل متسللاً وسيخرج متسللاً, لم يعد لديه خيارات, بقاؤه في الداخل مستحيل فقد صنع له ثارات مع قوى كثيرة قبلية وحزبية وشخصيات وطنية، وقبل ذلك ثارات مع شعب ثائر . السفر إلى الخارج صار ضمن المحرمات لأن العدالة تنتظره والسجون تستعد لاستقباله. تفجير الوضع وخلط الأوراق فاته قطارها لأن أي محاولة من هذا القبيل ستحرمه الملجأ الوحيد في الإقليم كالسعودية أو أبو ظبي ,المبادرة الخليجية التي وقع عليها وترعاها دول الخليج ومجلس الأمن لن يكون اليوم مقبولاً مطلقاً اللعب بها، ولن يكون بمقدور علي عبدالله صالح إعادة اللبن إلى الضرع كما يقال، وأي لعب واستهتار من هذا القبيل يعني أن على علي صالح أن يواجه مصيرا سيسجله التاريخ «الرائيس الذي فوت كل الفرص وبحث بنفسه عن النهاية المزرية». كان بإمكانه لو عجل الرحيل أن يجوب العالم دون ملاحقة ولكنه أصر على مزيد من سفك الدماء فصار العالم له بالمرصاد. بإمكانه اليوم قبل غدا المغادرة إلى السعودية أو أبو ظبي ولكن لا ندري ماذا ينتظره بعد أيام إذا حول اللعب بالنار لأن هناك أناساً تصنعهم البيئة فتراهم يعيشون أسرى بيئاتهم وظروف تربيتهم عندما تغيب أو يحرمون من المعرفة التي تنتشلهم من واقعهم ومهما بلغت مكانتهم المعنوية والمادية إلا أن تصرفاتهم تكون انعكاساً لذلك، وأصعب ما يحيق بالشعوب أن تكون التصرفات السوقية موجها لأناس وضعتهم الأقدار موضع القرار.
الاعتذار للشعب ممن دعموا أو سكتوا عن حكم صالح هناك ست جهات عليها الاعتذار للشعب اليمني علي طريق الثورة حتى قيام الدولة: أولاً: القوات المسلحة التي استخدمها صالح في عمل غير صالح ,حولها من جيش للشعب إلى جيش عائلي، ومن جيش وطني كما نصت أهداف ثورة26 سبتمبر إلى عصا غليظة بيد الجلاد . وقد فعل الجيش المناصر للثورة حسنا عندما أعلن اعتذاره عن دعم نظام علي صالح واستعداد قائد الفرقة للمثول أمام أي محكمة تنصبها دولة الثورة السلمية. ثانياً:على المنظومة القبلية التي استخدماها الديكتاتور لتكريس الاستبداد والظلم والتخلف أن تعتذر للشعب اليمني عن أي دعم أو مساندة أو سكوت خلال ثلاثة عقود. وكما كان اللواء علي محسن شجاعا باعتذاره ممثلا للقوات المسلحة فانه مطلوب من أبناء الشيخ عبد بن حسين الأحمر رحمه الله، كمثليين عن أبيهم وعن كل قبائل اليمن، الاعتذار للشعب اليمني, واعتقد أن الشيخ صادق بن عبدالله سوف يفعلها فهو شجاع لا يتردد خاصة عندما يكون الأمر يخص الوطن.
ثالثاً:على القوى الحزبية التي كان لها موقف مساند أو ساكت في مراحل مختلفة من حكم الدكتاتور الاعتذار للشعب: الدكتور عبد الوهاب محمود عن البعث، والإخوة عبدالوهاب الآنسي أو محمد اليدومي أو ياسين عبدالعزيز عن التجمع اليمني للإصلاح.
رابعا:على رجال المال والأعمال الاعتذار للشعب اليمني على مساندتهم وسكوتهم عن الفساد والظلم الذي مارسه نظام علي صالح ضد الشعب اليمني, وعلى الأستاذ علي محمد سعيد رئيس مجلس إدارة مجموعة هايل سعيد وشركائه ورئيس الغرفة التجارية كممثلين لهذه الفئة الاعتذار للشعب اليمني.
خامسا:على علماء الشريعة الذين جبنوا عن قول كلمة الحق عند الرئيس الجائر, وهذه الفئة يمثلها في الاعتذار للشعب الشيخ عبد المجيد الزنداني رئيس هيئة علماء اليمن، أما جمعية علماء اليمن التي أحلت قتل الشعب فلا ينفعها الاعتذار. سادسا :على الدكتور عبد الكريم الإرياني عن نفسه أولا ونيابة عن الأسر الأخرى التي دعمت أو ساندت أو سكتت عن ذبح صالح قيم الدولة وزرع قيم الفوضى. نعم على الدكتور الإرياني الاعتذار للشعب ثلاث مرات، كونه دعم صالح لعقود وهو الدكتور الذي يعلم أن صالح غير صالح لقيادة دولة كما انه بقي مع صالح بعد أن أوصل اليمن إلى بلاد فاشلة، والاعتذار الأكبر لعدم انفصاله عن صالح رغم الجرائم بحق شباب الثورة السلمية. اعتذار هذه الفئات الخمس للشعب يعني أننا نتجه نحو بناء الدولة دون تردد وأننا سنقف بكل حزم ضد أي محاولة للانحراف عن الهدف الذي قدم آلاف الشهداء أرواحهم من أجله. إسقاط بقايا نظام الفساد إذا كان رحيل علي عبدالله صالح الخطوة الأولى على طريق بناء الدولة تمثل الثورة على منظومة الفساد التي نشرها في كل مكان أبناؤه وأبناء إخوته وإخوته وأصهاره وكافة أقاربه، هؤلاء وصلوا إلى السلطة ونهبوا الثروة في مخالفة فاضحة لمبادئ 26 سبتمبر و14 أكتوبر و22مايو ومبادئ الدستور وكل الأعراف والقيم الإنسانية. يجب إسقاط منظومة المصالح غير المشروعة في السلطة والثروة التي كرسها حكم صالح لأقاربه, ومثل ذلك إسقاط منظومة المصالح غير المشروعة في السلطة والثروة التي نثرها صالح على خدام نظامه من وزراء وقادة عسكريين وقبليين ومتثاقفين وأدعياء دين وقادة أحزاب مصطنعة وأدعياء مجتمع مدني ورجال أعمال انتهازيين وغيرهم من الطفيليين الذين ازدهر عصرهم في ظل صالح. أغلب الذين ارتفعت مكانتهم في السلطة والثروة أثناء نظام صالح هم محل استفهام ويجب فحص ملفاتهم بدقة من خلال قضاء نزيه وإعلام مهني عفيف.
تسليم السلاح لم يعد لعلي عبدالله صالح سلطة حقيقية حتى يسلمها, وفي أيامه الأخيرة سمي تندرا بعاقل حارة السبعين, والذين تحدثوا عن تنحيته عن السلطة أو نقل السلطة كانوا يتحدثون مجازا, والصحيح هو تسليم الأسلحة التي بحوزة أبنائه وأقاربه. يجب على اللجنة العسكرية العمل خلال أسابيع لتسليم الأسلحة إلى مخازن الشعب وليس للأسرة ثم إعادة توزيعها على وحدات الجيش المختلفة دون تمييز بينها، لأن بقاء السلاح بيد أفراد العائلة أو وحدات وتشكيلات عسكرية بعينها يمثل خيانة لمبادئ الثورة اليمنية ولقيم الدستور. توحيد الجيش اليمني تحت قيادة وطنية واحدة وكذلك الوحدات الأمنية أمر له أولوية. إن السنين الماضية التي عمل فيها علي صالح على تقسيم القوات المسلحة والأمن ونشر العداوة بينها كاستراتيجية للسيطرة عليها وشل قدرتها على التغيير. إن استراتيجية نشر الصراع بين أبناء القوات المسلحة وبين القبائل والأحزاب تستدعي من الجميع التعجيل بتوحيد الجيش، وعلى الثوار في الساحات والشعب كله الدفع باتجاه تسليم السلاح من أيدي العائلة على طريق بناء الدولة اليمنية الحديثة. المصدر أونلاين