عند زيارة الشيخ حمود سعيد المخلافي في منزله في حي الروضة بتعز، يلاحظ آثار الخراب والدمار التي لحقت بالحي جراء قصف قوات الحرس الجمهوري المتمركزة في قلعة القاهرة ومستشفى الثورة وجبل جرة. على قمة جبل متوسط الارتفاع يقع منزل المخلافي وقد تعرض -كما يقول مرافقوه- إلى أكثر من 25 قذيفة بعضها كان في محيط المنزل بينما سقطت بعض القذائف على المنزل ذاته. قابلني الشيخ المخلافي بوجه بشوش وأجاب على تساؤلاتي بصدر رحب، ناقشت القائد الميداني لحماة الثورة بمحافظة تعز التطورات السياسية في البلاد بعد الانتخابات الرئاسية المبكرة ودور القبيلة في حماية الثورة، وكذا موقف المشائخ من الدولة المدنية. حاوره- عبد الله قابل * ما تقييمك للأوضاع حالياً في محافظة تعز بعد الاضطرابات التي عاشتها خلال الأشهر الماضية؟ - الوضع الأمني في تعز يعود إلى حالته الطبيعية تدريجياً خصوصاً بعد عزل عبد الله قيران من إدارة الأمن وتعيين مدير جديد، والأوضاع في تعز تعود إلى حالتها الطبيعية ولم يتبقَّ سوى عزل كل القيادات العسكرية التي مارست القتل والتدمير ولا زالت في مواقعها، وعودة الوضع الأمني إلى محافظة تعز مرهون بعزل تلك القيادات العسكرية من تلك المناصب. * هل انتهت الأزمة اليمنية بانتخاب الرئيس عبد ربه منصور هادي؟ - نحن سنراقب الوضع بعد الانتخابات، وسنبقى في الساحات حتى تحقيق باقي الأهداف التي خرجنا وخرج الشباب من أجل تحقيقها، وبقاؤنا في الساحات هو الضامن لعدم تحويل الثورة عن مسارها، شهداؤنا لم يضحوا بدمائهم من أجل أنصاف الحلول وإنما ضحوا من أجل ثورة كاملة تضمن لليمنيين العيش بسلام. خلال المرحلة المقبلة سنحاول طي صفحة الماضي بمرها وحلوها وسنعمل على المشاركة في بناء اليمن الجديد وتصحيح المفاهيم والأفكار والمعتقدات وكذا الشائعات الخاطئة التي كان الناس يعتقدون صحتها خلال أيام الثورة. * عاشت تعز ليالي مرعبة خلال أشهر الثورة نتيجة القصف المستمر والعشوائي للأحياء السكنية. لماذا هذه الهجمة الشرسة من قبل قوات الحرس الجمهوري على تعز بالذات؟ - هناك مقولة لعلي صالح قالها قبل فترة عندما خوفوه بأن تعز قد تثور ضده فقال «بالنسبة لتعز خلوها عد آخذها بطقم واحد»، ولأن تعز قد عانت من بطشه وطغيانه أكثر من غيرها من المحافظات، فقد خرجت على نظامه فهو حكم تعز أكثر من 45 عاماً (15 عاماً قبل توليه الرئاسة)، وهي المحافظة الأولى التي خرجت على نظامه، فأراد أن يؤدب أبناءها من خلال القصف العنيف الذي كانت تشهده المحافظة بمختلف أنواع الأسلحة خصوصاً بعد «محرقة الأخدود»، كما يسميها بعض شباب الثورة، في أواخر مايو الماضي. كان هم علي صالح هو إخماد الثورة ووأدها لكنه فشل، استمرت المحرقة أكثر من 14 ساعة وكان الرصاص ينهمر من كل اتجاه مثل المطر، وقتل العشرات وحرقت كل الخيام وأحرق أكثر من 14 معاقاً كانوا داخلها، وتم نهب وتدمير الساحة ومحاولات لطمس معالمها، وكان الهدف من كل هذه الأعمال هو جر اليمنيين إلى العنف المسلح وإلى الاقتتال فيما بينهم، ولكن لطف الله أحبط كل محاولاته في جر البلاد إلى العنف. بعد المحرقة التي شهدتها الساحة جرت محاولات لحل المشكلة ولكنها كلها باءت بالفشل، واستمرت قوات الحرس والأمن المركزي في طغيانها، بالمقابل استمر الشباب في التصعيد الثوري والمسيرات، وتم إنشاء أكثر من 14 ساحة جديدة بدلاً عن الساحة السابقة والتي تم استعادتها فيما بعد. تعز الآن أصبحت تعز الحاسمة وليست تعز الحالمة كما كان يقال. وأصبح الجميع، الرجال والنساء، في حالة بذل وتضحية منقطعة النظير لم تخف النساء ولم يتراجع الرجال وثبتوا في ساحاتهم. * في خضم الثورة الشعبية ذاع في أوساط الناس أن الذين أعلنوا انضمامهم إلى الثورة مجموعة من اللصوص والنفعيين وأصحاب السوابق، واتهمتم شخصياً بنهب أراضي المواطنين مستغلاً بذلك وجاهتك وأن عليك قضايا جنائية منظورة أمام النيابة، كيف تفسر هذه الاتهامات وما تقول فيها؟ - لم ننهب أي أرضية لأي مواطن في أي مكان. أنا فقط أقوم بالصلح في الأراضي المتنازع عليها تماماً مثل أي شيخ غيري، أما أنني أقوم بنهب أراضي المواطنين فهذا كلام عارٍ من الصحة. أما بخصوص القضايا الجنائية فليس لي يد في أي قضية جنائية وليس لدي قضايا لدى النيابة، بل بالعكس من ذلك تماماً أنا الوحيد الذي أقوم بالرد على طلبات مراكز الشرطة أو إدارة الأمن وأحضر إلى هناك في حال استدعوني وليس لدي أي مشكلة معهم. وأتذكر أنه قبل فترة تعرضت لمحاولة اغتيال حيث تم إطلاق رصاص على سيارتي وقتل يومها أحد المارة فتم استدعائي إلى إدارة الأمن للتحقيق واتهموني بالقتل وسجنت، وقد أظهرت نتائج التحقيقات براءتي لكن تم تمديد فترة اعتقالي بتهمة حمل سلاح دون ترخيص مع أنني ضابط شرطة. * متى سيضع الشيخ المخلافي سلاحه ويمارس حياته الطبيعية؟ - من قبل هذه الأحداث وأنا أمشي بالسلاح الشخصي وأتمشى بسيارتي، لكن نحن مستعدون أن نضع حتى الجنابي ونمشي بدون سلاح ونمارس حياتنا الطبيعية. نحن هنا في محافظة تعز لم نشأ أن نحمل السلاح وأن ندخل في مواجهات مع قوات الأمن، لكننا اضطررنا إلى حمل السلاح للذود عن أنفسنا وأعراضنا بعد ما رأينا الهجمات الشرسة على شباب الثورة وعلى الأحياء والمنازل السكنية وما حدث من سفك للدماء وإزهاق للأرواح، ونحن تعهدنا بحماية أبنائنا شباب الثورة الذين واصلوا النهج السلمي والتصعيد الثوري السلمي في الساحات، ولكن بعد الثورة إن شاء الله وبعد أن تهدأ الأمور وتعود الحياة إلى طبيعتها مستعدون لترك السلاح والمشاركة في صناعه المستقبل المنشود. * هل يمكن لمشائخ القبائل الاندماج في دولة مدنية ديمقراطية؟ - المشائخ هم أكثر المتضررين من حكم النظام السابق، وهم من أوائل المطالبين بالدولة المدنية دولة النظام والقانون التي تكفل لليمنيين الحقوق وتساويهم في الواجبات، وتحترم مواطنيها وتوفر لهم العيش الكريم، فالناس بحاجة إلى الراحة بعد هذه السنوات الطويلة التي مرت على اليمن واليمنيين وذاقوا فيها كل أنواع الظلم، فقد تعب الجميع من الحروب وهم متعطشون إلى دولة تطبق القوانين وتضمن للجميع العيش بسلام، دولة تقول للمخطئ أخطأت وتقول للمحسن أحسنت. * برز الشيخ حمود في الثورة الشعبية بشكل ملحوظ وكان حديث الثورة هنا في محافظة تعز؟ - لم أحاول الظهور ولم أسعَ إليه، حتى أنني لم أصعد إلى منصة الساحة ولا يوم واحد ولا حتى دقيقة واحدة، كل ما فعلته هو لم الصفوف في الساحة والعمل على توحيد الصف الثوري، لكن النظام وعبر أجندته بث إشاعات بين شباب الثورة وحتى بين الناس العاديين أنني أنا المسيطر.. إلى غير تلك الإشاعات ولكنني في الأخير مواطن عادي لي حقوق وعليّ واجبات. وفي الحقيقة أنا لست شيخاً، ولكن الناس هم من «مشيخوني»، وإلا فأنا ضابط شرطة، أما بالنسبة لعملي بعد الثورة فربما أواصل دراساتي العليا في علوم الشرطة، وسوف أساهم في بناء اليمن الجديد الذي ضحى الشهداء من أجله، وسنعمل في أي موقع لخدمة الناس. * كيف تفسر الإقبال الشديد على مراكز الاقتراع في يوم الثلاثاء 21 فبراير هنا في محافظة تعز وفي مختلف المحافظات؟ - الإقبال الشديد على مراكز الاقتراع دليل قوي على رغبة كل أبناء اليمن في التغيير والانتقال إلى الأفضل في ظل دولة مدنية جديدة تكفل الحقوق والحريات يتساوى فيها كل أبناء اليمن، وهو دليل على أن علي صالح أصبح منبوذاً من قبل كل أبناء اليمن حيث وهم يتطلعون إلى التغيير الذي أصبح ضرورة ملحة لليمن بعد كل تلك السنوات العجاف التي مرت على اليمن. من المشاهد التي رأيتها يوم الاقتراع امرأة عجوز في التسعين من عمرها خرجت إلى مركز الاقتراع لتشارك في الانتخاب فسألها أحد الجنود عن سبب خرجوها فقالت باللهجة العامية «يا بني خرجت أنتخب من شان لا تقتل أخوك ولا أخوك يقتلك ويعيش الناس بسلام واستقرار». * هناك من قاطع الانتخابات وعدّها خيانة لدماء الشهداء. - نحن خرجنا إلى الساحات كما أسلفت ولدينا مجموعه أهداف نريد تحقيقها، وبالتأكيد لن يتم تحقيقها إلا تدريجياً ابتداءً من الهدف الأول ثم ما سيتبعه من أهداف، وما وصلنا إليه يعد هو الهدف الأكبر من أهداف الثورة الشعبية أما بقية أهداف الثورة فسيتم العمل على تحقيقها من قبل الأحرار والشرفاء من أبناء اليمن حتى تصل اليمن إلى بر الأمان. وإذا كان إخراج علي صالح من الحكم إلى الأبد وهو المطلب الذي خرج كل الأحرار في جميع الساحات من أجله وضحى الشهداء فأين الخيانة، الخيانة أن ننقلب على الشهداء وعلى ما بذلوا أنفسهم من أجله ونترك الساحات ونعود إلى البيوت أما ونحن ما زلنا في الساحات مرابطين فهذه ليست خيانة. ما جرى هو عبارة عن استفتاء شعبي حول التغيير ورأي الناس فيه، وقد لاحظ الجميع في الداخل أو الخارج مدى الإقبال الذي شهدته المراكز الانتخابية، كان الناس يترقبون هل سيكون الشعب مع التغيير وهل فعلاً علي صالح يمتلك شعبية كبيرة، لكن الشعب خيب كل آمال علي صالح وصوت الجميع لليمن الجديد والتغيير. لقد عبر اليمنيون بهذه الانتخابات مرحلة الخطر وإن كان لازال موجوداً، تبقى الآن هيكلة الجيش والأمن على أسس وطنية تقوم على حماية الوطن والمواطن وليس حماية فرد أو مجموعه أو عائلة، نريد جيشا وطنيا يعاد بناؤه وترسيخ أساساته بحيث يضمن عدم الانحياز إلى حزب معين أو جهة معينة. * كلمة أخيرة تود توجيهها؟ - أشكرك وأشكر صحيفة المصدر التي تعتبر من الصحف المميزة في أخبارها، أشكر كل صاحب كلمة حق وصاحب كل موقف شجاع أظهره خلال أشهر الثورة وأشكر كل صاحب قلم حر ساهم في الدفاع عن الثورة وعن شباب الثورة، أتمنى أن نرى اليمن يتعافى مما أصابه طيلة السنوات الماضية وأن نرى اليمن الجديد، وأن ننسى خلافات الماضي ونفتح صفحة جديدة، وأن نساهم في حل خلافاتنا الداخلية وأولها القضية الجنوبية وقضية صعدة لكي نتمكن من بناء يمن جديد يتسع للجميع.