عبد المنعم شامي مخلوق اعتيادي غير مفيد لأي استخدام حتى في حال تخفيض درجة الحرارة لأدنى حد، أو رفعها لأعلى مستوى. لكنه في الواقع واحد من أولئك الذين نموا في دولة المسخ وأصبح بمقدورهم أن يسببوا الكثير من الضرر. يبدو أن نسبة عالية من الذين نموا في دولة المسخ لديهم القدرة على أن يكونوا ضارّين ومدمّرين بلا حدود. لنكن صرحاء: كثير من كائنات صالح الضارة انضمت للثورة. علمياً: لقد فقدت غالبية هذه المخلوقات، مؤقتاً، قدرتها على إنجاز الضرر لكن المذهل أنها لم تعد قادرة على إنتاج الخير بالمرّة. يا إلهي! تتذكرون وصف «كالكُوزِ مجخّياً» الذي استخدمه النبي. لم أعرف قط معنى هذا الوصف، لكني متأكد تماماً أنهم أصبحوا كذلك. أما كائنات المسخ الضارّة، التي حافظت على تقاليدها العتيقة في التبشير بالسيّئ، لا تزال كما هي وربما بشكيمة أكبر. انظروا إلى عبد المنعم شامي، رغم أنه في الواقع جُرْم أصغر من أن تصفه اللغة، إلا أنه قادر على أن يختطف قيادات الثورة في الحديدة. لم يبنِ المسخ دولة، لكنه أنتج شلالاً من القتلة واللصوص. وقف عارياً بينهم وصرخ: هذه دولتي. قبل أربعة أعوام، في ليلة رمضانية، حشرهم في عاصمته وقال لهم: أنتم أشرف من في اليمن. لم يكن عبد المنعم شامي، في تلك الليلة، أحد الشرفاء الحاضرين. كان شريفاً على بُعد. علامة شرفه المسلّحون، وآيته سجنه الخاص، وعرشه في الزهرة. تتذكرون كتاب الطبيب الأميركي جون غراي «الرجال من المريخ، النساء من الزهرة». لكن زهرة «شامي» غير زهرة «غراي». في زهرة «شامي» يوجد رجال، بخلاف زهرة «غراي». لكنهم رجال يحاصرهم مسلحون يعملون خارج مدارات القوانين والأخلاق. بالمناسبة، يعمل شامي أميناً عاماً للمجلس المحلي في الزهرة، الحديدة. لكن، هل يستحق عبد المنعم شامي إثارة هذا الضجيج؟ لستُ متأكّداً مما إذا كان يجيد القراءة من الأساس. غير أنه من المؤكد أن هذا الشخص قادر على أن يختطف البشر وفقاً لرغبته الشخصية. فمثلاً اعتقل الشاب عبده جابر، أحد نبلاء ثورة اليمن. واحد من أشراف دولة صالح يختطف واحداً من نبلاء زمن ما بعد صالح. في اللحظة ذاتها، بينما كان مسلحون مطموسو الملامح يزجون بجابر في قبو مجهول، كان سلطان البركاني يخاطب زملاءه في البرلمان باللغة القديمة ذاتها. كأن الثورة لم تكن. إذ لا يزال «الأشراف» يتجوّلون في البلد، يسبّون ويختطفون، ويقتلون أيضاً. في لقائه الأخير بصحيفة الحياة أشار السفير الأميركي كثيراً إلى «الأزمة اليمنية». وكان يعني الثورة. بينما تحدث بيان برلين الأخير عن ثورة الشباب لأجل التغيير. كأنه يتحدث عن شغب مشجعي فريق كرة قدم يطالبون بتغيير الجهاز الفنّي. بيد أن سلطان البركاني لا يزال على المنصة يتوعد الجميع. وفي الضفة الغربية من البلد يتسلل شامي إلى سوق «المعرص». يختطف، يعذب، ويعفو أيضاً. في الحقيقة: لو كنا فرنسيين قليلاً، أو بلشفيين كثيراً، لصلبنا البركاني على نصب «الإيمان يمان والحكمة يمانية». ولو كنّا مكسيكيين قليلاً أو إندونسيين كثيراً لنصبنا شامي على برج مراقبة يطل على البحر والطيور. لكننا، للأسف، يمانيون شديدو بياض القلوب، منقوعون بالحكمة الميّتة. تاريخياً: لا يزال البركاني وشامي يعتقدان أن المسخ لم يمت وأنه إنما ذهب إلى ربّه كما ذهب موسى من قبل. لكن عقيدياً: لقد ذهب المسخ إلى ربّه عندما أدركه سوء الخاتمة وانهار عليه «النهدين». لكن أسوأ ما في سوء خاتمته أن «النهدين» كانا في الحقيقة «سيليكون» بدليل أن أحداً لم يمت. وهذه الحقيقة ربما أدركها البركاني ونسيها. ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي. ذيل الكلب عمره ما ينعدل. هذا ليس مجرد مثل سوقي، بل حقيقة بيولوجية. وأيضاً: واقع سياسي. بعد 15 شهراً لا يبدو أن شرفاء المسخ يشعرون بالخوف أو يفكرون بالتوبة. صحيح، يقال إن منتهى توبة العاهرة هو أن تصبح قوّادة تأكل من عرق جبينها. لكن فيما يبدو حتى هذا المستوى المتدني من التوبة لن نشاهده قريباً. أعني: لأن كل أولئك اللصوص لا تزال تحرسهم فرق الجوّالة المسلّحة. بالمناسبة، يا أصدقاء، عندما نتحدث عن فرق الجوّالة المسلّحة فنحن نقصد الحرس الجمهوري الذي يرأسه: علي عبد الله صالح، ويحرك لوحة مفاتيحه غلام قليل الحيلة، تائه في الدنيا مثل يونس شلبي في مسرحية مدرسة المشاغبين، اسمُه أحمد.
أعتذر من القرّاء لأني أكتب بهذه اللغة. صدقوني أنا لست في أحسن حالاتي، على المستوى النفسي على الأقل. يبدو أني دخلتُ في عملية استنزاف قوطية. وعندما تسألونني: ما معنى «الاستنزاف القوطي» فأنا لا أعرف. لكن إن لم تسألوني فأنا أعرف. إذ لا أزال عاجزاً عن تخيل مآل الثورة الآن. كنتُ أتخوف كثيراً من أن نكتشف أننا كنّا مبكّرين جدّاً في الثورة. أو متأخرين جدّاً. أو أن تكون الثورة قد اشتعلت في الوقت المناسب لكننا لم نكن جديرين بها. هذه معادلات على صعوبتها فهمها سلطان البركاني وعبد المنعم شامي. ما الذي يجري؟ أو ما الذي جرى؟ أو: ما الذي لا يمكن أن لا يجري؟ لماذا يختطف عبد المنعم شامي جابراً؟ لقد رأى شامي، على طريقته، أن الثورة ليست أكثر من مشكلة محطة مأرب الغازية. بينما أدرك البركاني، بحساسياته الانتهازية الأكثر تطوّراً من قرون استشعار أخطر الأسماك المفترسة، أن الثورة آلت في فصلها الأخير إلى أن تصبح مجرد «خناقة» بين علي محسن وعلي صالح. أو بين حميد الأحمر وأحمد الأسود. لكن علم النفس الاجتماعي يقول إن صراع شباب المشترك وشباب الصمود ليس سوى تجلّ عنيف لتعثر المشروع الكلّي. إذ يدخل الجميع في عملية «إزاحة العدوان Hostility displacement» تجاه الجميع عندما يفشلون كلياً في تفريغ حمولة الكراهية والغضب تجاه العدو الحقيقي، بسبب من امتلاكه عوامل الممانعة أو القوة. يتحلل المجتمع آلياً عبر تصادم متناقضاته المستعصية ببعضها. هذا بالضبط، في تقديري، التفسير الأكثر معقولية لصراع المشترك والحوثيين. وأيضاً: المآل الأكثر خطورة ودراماتيكية لقصة الثورة. يدرك عبد المنعم شامي هذه الوقائع ويتصرف على ضوئها، رغم أنه يتسلل في الظلام. عملياً تعوم اليمن في موجة عالية من الوقائع الجديدة المتناقضة. جديدة تحاصرها الوقائع القديمة الحيويّة. إذ لا يزال عبد المنعم شامي قادراً على أن يتسلل إلى سوق المعرص ويسرق البشر. لكنه لا يفعل ذلك على طريقة أوليفر تويست، ولا روبن هود. فهو لا يسرقهم فقط، إنهم يخفيهم تماماً. أما سلطان البركاني، الماكنة التي تحول الجريمة إلى خطاب أخلاقي، فلا يزال على ناصية الشارع يمارس عمل قوم لوط عليه السلام: يناطح بين الكباش ويحذف المارة بالحصى. كأن الثورة لم تصل بعد إلى الحي المجاور.