بقدرة قادر تحول أحمد الشلفي مراسل الجزيرة إلى "جوبلز"، وهذا الأخير هو وزير دعاية هتلر، أشهر جهاز إعلامي عرفه التاريخ الحديث، وارتبط بالكذب والقمع وهما توأمان، وبنظام بوليسي شديد القساوة من فرط قساوته سقط وهو في قمة جبروته بفعل القمع واستعباد الشعوب. يتناسى هؤلاء المستبدون أن الشعوب مثل الشمس وأن الكلمة هي شعاعها الذي يستحيل حجبه أو توقيف زحفه نحو الظلام ليزيله بالمدى، وينقر على قلبه مثل ساعة الزمن "دق.. دق" حتى يموت. لا أضعف من المستبدين والطغاة، وعلى قدر القسوة يكون الضعف والسقوط. هذا "الرهيب" رئيس جهاز مخابرات "استالين" يتبول على سرواله هلعاً بمجرد شعوره بأن هناك من يدق الباب ليقبض عليه وهو من قبض على الملايين وقتل الملايين وشرد الملايين ولقب "بالرهيب"، وكان يكفي ذكر اسمه ليصاب هذا المواطن أو ذاك بالسكتة القلبية. لم يكن لجوبلز هتلر و"رهيب" استالين من مهمة غير الدعاية للزعيم وشطحاته تحت شعار "اكذب ثم اكذب حتى يصدق الناس"، ومهمة أخرى هي تكميم الأفواه ومطاردة الكلمة المخالفة والخوف منها حتى ولو كانت صوت عصفور يغرد بالحرية. إن توجه السلطة في بلادنا نحو القمع والخطف ومنع الكلمة والصحفيين، آخرهم سمير جبران ومنير الماوري، (منعهم تحريراً ونشراً وكتابة، ونسوا و"قراءة،" إلى ما هو أخطر كما حدث مع المقالح ونائف القانص). ليس علامة قوة، بل هو ضعف وهلع من الكلمة، فالضعيف عندما يصل حد الحمى والهلوسة يعوض ضعفه بلغة العضلات والهروب إلى النطح والرفس وتحويل سمير جبران الشاب المسالم إلى مصدر خطر، وأحمد الشلفي الذي لا يملك إلا نقل الخبر بمهنية إلى أكبر إرهابي ونازي عرفه التاريخ وهو لا يملك سوى ميكرفون قناة "الجزيرة"، ولا يحمل سكيناً ويكره الإرهاب والجنبية. هذا سقوط مخيف لا نرضاه للسلطة ونشفق عليها من الوقعة، التي تبدأ بالتعامل مع الكلمة وكأنها سلاح دمار شامل أو كابوس يتوجب ضربة بالطائرات والحديد والنار والحي والميت. وعندما يتعب المستبدون تشرق الكلمة كعادتها من جديد وتتسلل من كل مكان وتشرق كل صباح.. بينما يتلاشى المستبدون في فضاء التاريخ ويردمون في حفره الصغيرة غير مأسوف عليهم.