يبدو المشهد اليمني في الوقت الراهن غارقا في الفوضى ، بعد مرور قرابة 7 اشهر من توقيع المبادرة الخليجية وبعد ثلاثة اشهر ايضا من الاستفتاء على تولي عبد ربه منصور هادي مهام الرئيس المخلوع ، في صورة تعيد للذاكرة حالة المرج والهرج التي غرق فيها اليمنيون مع السنوات الاخيرة لحكم صالح ، والتي بينها ضجيج محاربة القاعدة واعادة تدوير جولات الصراع مع الحوثيين في شمال الشمال ، وتفاقم معاناة الانسان اليمني في الريف والمدينة سواء من الناحية الاقتصادية او الاجتماعية ، والاستهتار بمطالب الحراك الجنوبي ، والامعان في المظالم في مختلف المحافظات .اما انقطاع الكهرباء وانعدام الوقود فهو منتج اصيل عايشناه طويلا في زمن الدولة الفاشلة التي ادخلتنا في كهف طويل ومخيف . ولعل هذه المقدمات وغيرها هي من قادت الناس الى الخروج للشارع ومواجهة احتمالات الموت بأيدي الغدر والخديعة ، ورفع خيار المواجهة مع القبح بصدور عارية ، والمؤلم ان تستوطن فينا وبدواخلنا غصة حارقة مع مراقبة الوجوه البريئة التي قدمت ارواحها قربانا لمعنى التغيير . وزاد عليها النظام البائس العمليات الانتحارية ومصادرة المزيد من الارواح على مرأى ومسمع من العالم ، كي يدحر آخر انفاس الامل في رؤية يمن كريم ومحترم ، وهذه هي سياسة من قادوا اليمن خلال العقود الثلاث الماضية ، قطع اواصر الشعب بأي تطلعات وطنية نظيفة ، وتسليم الناس فريسة لليأس والقهر وفي حالات كثيرة الجنون ، والانقياد . لقد روعتني اشلاء العسكر في ميدان السبعين ، كما روعت كل اليمنيين المحبين لوطنهم ، وقبلها هالتني مشاهد قصف مدينة تعز بالذخيرة الحية وعلى احياء عشوائية وهو المشهد الذي تكرر في عديد مدن ومديريات كان خيارها الوحيد هو المراهنة على الصمود وعدم العودة لمربع الاستكانة والذل . وحين اتحدث عن النظام فلأنه لايزال متغول في شكل الدولة الفاشلة وحاضر في كل المرافق ، والتجمعات مستكينا تارة ومتربصا في تارات اخرى ، ومستكلبا او مستذئبا للانقضاض على حلم الابرياء ، وكعادتنا في التقليد كما هو حال الثورة التي تهيأت لها كل الظروف لتقوم منذ سنوات فانتظرت حتى جاءت ثورة تونس وتلتها مصر ، فان اتباع صالح يرقبون المشهد جيدا وينتظرون مالذي ستسفر عنه الحالة المصرية في الانتخابات التي يمكن من خلالها اعادة احمد شفيق من قاعة رئاسة الحكومة الى القصر الجمهوري كدرس مستخلص وجاهز لاعادة ممثل عن النظام السابق وقد نرى بوادر لهذا السيناريو عقب انتهاء مرحلتنا الانتقالية التي لااتوقع ان يحدث فيها الكثير من التغيير أو المؤمل . ويبدو ان قدر الثورات اليمنية ان تذهب لتعليق يافطة المقولة الشائعة " القطة التي تاكل اولادها " فيبدأ الصراع مبكرا على المكاسب قبل التفكير في الام الناس ونكباتهم ، وفي المشهد اليمني مايشبه هذه الحالة ويتوافق معها او يتماهى ، يتضح ذلك من خلال التكتلات المسبقة حيث يرقد في الزوايا المبصرة والمعتمة من يريد ان يلتهم الكعكة بمفرده مع ان الكعكة لطخت بالدم واصبح فعل التهامها امرا مستحيلا من دون الذهاب الى المعمل اواعادة تصنيعها مجددا بمساعدة كل الناس الذين يتضورون جوعا في المطبخ السياسي . ومن المجدي القول ان بوصلتنا السياسية يجب ان تكون مغموسة في خصوصية وهوية الشعب اليمني وتشكيلته الاجتماعية والقبلية والنفسية التي ينفرد بها دونا عن سائر البلدان بحيث تتجه وفقا لارادتنا الوطنية وليس وفقا لارادة مصالح الدول المؤثرة في المشهد الداخلي للمساحة الجغرافية المسماة مجازا الوطن اليمني ، خاصة ونحن امام بلد يتشظى وثورة اعادت لنا ذاكرتنا الوطنية ووحدت فينا معنى تقديم النفس رخيصة في سبيل التغيير ومواجهة التفاهات والانانية سواء في مسالك السياسة اوالاقتصاد بحيث يمكن استلهام كل هذه المعطيات لمراجعة واقعنا الكئيب واصلاح اوضاعنا الاقتصادية المتردية . لقد سئم الشعب من رصد الاحتياجات وتقارير المنظمات الدولية المشبعة بالتحذيرات، كل هذه الارقام كنا نعرفها مسبقا وهذا المنحدر الخطير توقعنا ان نتدحرج فيه جميعا لذلك قررنا الخروج معا للاحتجاج ومقايضة الموت مقابل ان نمنح ولسنوات طويلة الحياة والكرامة ، كل هذه الارقام لاتخيفنا لاننا ندرك معطياتها جيدا ، ولتجاوز مآسيها بتنا مطالبين جميعا بصناعة اليمن الاقتصادي وتدوير المال فيه ، حتى يجد الكثير من العاطلين فرصه للعمل والزواج وبناء اليمن الآمن ويتركون التنظيمات الدموية والانتماء للافكار العصبية وشلل التكفير والقتل . قليلا علينا الاهتمام بالعدالة واتاحة المجال لليمنيين المحرومين والمشردين في فيافي الاهمال داخل المديريات وفي المدن الرئيسية الكبرى، و على راس المال المخلص والشجاع ان يتحرك وعلى الحكومة ان تكون جادة في تدوير عجلة الاقتصاد المعطل . ان الارادة الحرة تفرض علينا المساهمة جميعا في نجاح الثورة ، وتحقيق تطلعات الناس، هذه التطلعات التي هي ثورة بحد ذاتها وفي تحقيقها ماسيريح نفوسنا من هذا العذاب اليومي الذي نخوضه ونحن نرقب اليمن وهي مدعاة للسخرية والرثاء في المحيط المجاور نتألم ونكتوي ويعصرنا الحنين، علينا الا نركن على الاتاوات والمساعدات ، من البلدان المجاورة فان لم نساعد انفسنا ونقوم بتفعيل مبدأ الثواب والعقاب والمحاسبة ونعيد لليمني كرامته في الداخل فان جيراننا لن يتعاطفون معنا أكثرا ولن تستمر هذه المؤتمرات طويلا ، لان كل دولة مشغولة بمشاكلها الداخلية وهي غير معنية في النهاية بترميم هذا الخراب الذي طال روح الانسان اليمني ونفسيته من الداخل ، هذا الانسان العزيز الذي يستحق ان يعيش بكرامة وان يتوقف عن استجداء كلمات العطف بفعل حفنة من الانانيين واللصوص وهم من ابناء جلدتنا للأسف، وما لم نتكاتف في مواجهة كل هذه المؤامرات والتحديات فاننا سنجد مستقبلنا برمته، غارقا في الفناء الخلفي سنجد انفسنا وبلا مقدمات نتذابح ونشيع احبابنا واقاربنا على نحو متواتر بصنائع ايدينا الملطخة بالدماء والضغينة تماما كما هو حاصل في الجانب المقابل للمياه الاقليمية اليمنية حيث يقطن اصدقاؤنا الصوماليون الذين أجزم بأنهم صاروا يشفقون علينا بدلا من خياراتهم السابقة في الهرب الى أراضينا الآمنة .