الكثير من التساؤلات تطفو على السطح بسبب تناقضات السلطة الحالية في اليمن في تعاطيها لموضوع الحرية أو بمعنى آخر الحريات بتعدد اشكالها كحرية التعبير والرأي والفكر ، وحرية العمل والصناعة والتجارة وغير ها الكثير حتى تداخلت الامور في بعضها واختلط الحابل بالنابل ، وبذلك غاب معنى الحرية وأفل شعاعها ، حتى اصبحنا لا نعرف معناها ؟ . أخبرنا أستاذي يوما عن شيء يدعى الحرية .. فسألت الأستاذ بلطف أن يتكلم بالعربية .. ما هذا اللفظ وما تعنى وأية شيء حرية .. اسمع يا ولدي معناها وافهم أشكال الحرية .. ليست حقا ليست ملكا فأصل الأمر عبودية .. تقضي أن يقتل مليون وإبادة مدن الرجعية .. فليحفظ ربي مولانا ويديم ظلال الحرية .. فبمولانا وبحكمته ستصان حياض الحرية .. وهنالك أمر ملكي وبضوء الفتوى الشرعية .. من خالف مولانا سفهاً فنهايته مأساوية ..
الشاعر الاستاذ احمد مطر بهذه الابيات أظنه صب الملح على جراح اليمينين النازفة بسبب معاناتهم ، ومصادرة حرياتهم وانتهاكها ، وكأن الحرية في وطننا الغالي ليست حقاً مكتسبأً للانسان لكينونته البشرية على اعتبار انه ولد حراً، ما حصل بالأمس القريب للصحفيين جمال عامر، وعبدالكريم الخيواني، واليوم يحصل لمحمد المقالح، وسمير جبران، ومنير الماوري وغيرهم الكثير، وبالأمس صحيفة الايام ، واليوم صحيفة المصدر ، فعلى من تدور الدائرة في الأيام القادمة ؟
يقولون أن الحرية تحقق للانسان سعادته وتعينه على تسيير أمور حياته ، وتحرره من القهر والاستبداد ، وتساويه مع الجميع في الحقوق السياسة والمدنية، أما الديمقراطية التي يقصد بها حكم أو سلطة الشعب فهي كلمة انحدرت من الفلسفة اليونانية ، وتعتبر رافداً للحرية وشكلاً من أشكال التعبير عنها وعن أناشيدها ، وهنا يصبح تلازم الحرية والديمقراطية امراً مفرغاً منه ، ولكن تتلاشى حقيقة هذه الكلمات ولا نجد لها قاموساً محدداً في بلادنا يهدينا لمعانيها بعد أن أصبح وضعها يائسا ويقترن بالشعور الدائم باستحالة التحقق على أرض الواقع.
لا تعنينا هذه الكلمات بقدر ما يعنينا كيف نحياها ونعيشها في واقعنا!، الأهم هو ماذا تعني الحرية والديمقراطية في قاموس السياسية اليمنية ؟، وعند صناع القرار ، وقادة الرأي ، وسادة البلاد ؟ .
المفارقة العجيبة ان السلطة تدعي انها ديمقراطية، وانها صانعة صرح الحرية الشامخ وحامي حماه، فأين الحرية وأين الديمقراطية في ظل كل هذا التعسف والانتهاك غير المبرر للحقوق ومصادرة الحريات، وتتوطيع القانون وفق أهوائها.
لاعجب في ذلك! فالديمقراطية في بلدنا ولدت غير مكتملة ، ونموها بطئ ، ولن تصل إلى سن الرشد بسهولة او سرعة كما يتصورها الحاضنون لها حاليا والذين لم يتعلموا أسس الحضانة، بل ولم يتأهلوا تأهيلاُ نفسياً وعلمياً لهذا الأمر، فالديمقراطية تحتاج الى بيئة صحية حتى تكون ولادتها ونموها وتطورها طبيعيا.
عجيب أمر الحرية لديهم !! . تسلط ، وقمع ، ونهب ، واستئثار ، وانفراد بالقرارات، واختطاف للصحفيين، ومحاكمة آخرين، وإغلاق صحف، وترويع المواطنين . فعن ماذا يتحدثون هولاء؟ والى متى سيظلون يمثلون دور الأذكياء الحذقاء؟، سنون وهم يمارسون سياسات خاطئة جعلت من المواطن يعيش كالجسد بلا روح ، وهم ينعمون برغد العيش في قصور فارهه .
ألم يأن لهم ان يفقهوا حقيقة ما يصنعون؟ يا ليتهم فهموا معنى الحرية ؟ الحرية التي تبدو وكأنها في مهب الريح ، والتي لم يتبقى لنا منها غير الاسم نتغنى به في أناشيدنا الحماسية ، أما معناها الحقيقي فقد أخذته أمواج البحر ، ولم يبقى سوى دوائر خفيفة تنبئ عن ثورة الحرية المحتضرة ..
أسفي أن تخرج أجيالاً لا تفهم معنى الحرية .. لا تملك سيفاً أو قلماً . لاتحمل فكراً وهوية .. وعلمت بموت مدرسنا في الزنزانات الفردية .. فنذرت لئن أحياني الله وكان بالعمر بقية .. لأجوب الأرض بأكملها بحثا عن معنى الحرية ..