في ظل الجدل المتكرر عن طبيعة الدولة في اليمن – دكتاتورية ، فاشلة..الخ – وعن وجودها من عدمه، يمكن القول ان هنالك دولة، لكنها دولة من من نوع اخر تماما. هي دولة لا تتسم بمقومات الدولة الحديثة المتعارف عليها ولا المعنى الدكتاتوري بالمعنى الحرفي للكلمة ولكنها أقرب الى ما يعرف ب«الدولة الغنائمية» والدولة الغنائمية هي تلك التي لا تفصل بين ملكية الدولة والملكية الخاصة وتعتبر البلاد وثرواتها وأهلها غنيمة لها. الدولة الغنائمية هي معضلة اليمن الكبرى، وكل ما سواها من فساد وإرهاب واستبداد وطائفية وعنف ليس إلا تفاصيل صغيرة تحت هذا العنوان الاكبر ولا يمكن حل اي من مشاكل اليمن دون الخروج من هذا النوع من الدولة. خاصة ان شواهدها وتشعباتها لامتناهية ومتواجدة بتراتب أفقي وعمودي مخيف وشاسع. ذلك ان شواهد الدولة الغنائمية لم تعد منحصرة على الدولة بالمعنى الكياني فحسب بل على كيانات المجتمع ايضا لشيوخ قبليين وعسكر ورجال دين وساسة..الخ. محاولة اعتماد 13 مليار ريال في الميزانية العامة للدولة لمشائخ القبائل هي شاهد واحد على هذه الغنائمية المُخيفة. كان ذلك بعد ان قالت الاممالمتحدة «ان هنالك 7 مليون يمني يخلدون الى النوم كل ليلة وهم يتضورون جوعاً».!! فكرة اللجان الشعبية في الحروب التي خاضتها الدولة عززت من غنائمية هذه الوجاهات ايضاً اذ ان الحروب اصبحت فرصة استثنائية للفيد، تماماً كمنطق جنكيز خان وهولاكو قبل آلاف السنين. تحويل القطاع العام – عبر التعيين الولائي- وتكنوقراطيه الى ما يشبه «الدولة الزبائنية» شاهد اخر. تتسع الكارثة في ان الاحزاب السياسية ايضاً غنائمية وأصبحت عبارة عن مخازن اجتماعية للانتهازيين اكثر من ان تكون احزاب حقيقية. المجتمع المدني يحتاج فقط الى انشاء هيئة لشؤون المنظمات ، تماما على غرار مصلحة شؤون القبائل فالفرق بين الجهتين قارب على التماهي. خاصة ان السيلان الغير منظم واللاممنهج لأموال المانحين مسخ المجتمع المدني وغرس فيه الغنائمية وجعل له مافياته وشلله وأسواقه السوداء. وهذه فجيعة كبرى.! بالتأكيد ، بالإمكان الحديث عن استثناءات في كل المشار اليه اعلاه ، لكن يفضل تغييبها هنا لان كل من لا يجب ان يستثنى ، سيستفيد من هذا الاستثناء. كل ما سبق وريعية الاقتصاد اليمني واتكاليته وجعله اقتصادا تسوليا يجعل من التحول نحو دولة مدنية ومواطنة متساوية امرا شديد الصعوبة. ذلك بالإضافة الى غياب العقد الاجتماعي بين اليمنيين والدولة وبين اليمنيين أنفسهم.
امام اليمنيين اليوم فرصة تاريخية لصياغة هذا العقد الاجتماعي عبر مؤتمر الحوار الوطني المقرر عقده خلال الاشهر القادمة. بالإمكان القول انها فرصة استثنائية للخروج من هذا المأزق الغنائمي. وقد خرج اليمنيين على امتداد العام الماضي مطالبين بدولة مدنية حديثة ، وفعلوا كل ما بوسعهم من اجل ذلك. لكنهم اليوم غير قادرين على قيادة التحول لوحدهم. على المجتمع الدولي ايضا الدفع بكل ثقله نحو صياغة عقد اجتماعي جديد بين اليمنيين ودولتهم على ان تفاصيل هذا العقد لا يستطيع ولا يجب على سوى اليمنيين صياغته. حينها فقط بإمكان اليمنيين البدء في الخروج من وضع الدولة الغنائمية، وتحويل تعددهم الى تنوع وخلافاتهم الى اختلافات وبناء يمن المواطنة المتساوية. لكن نجاح مؤتمر الحوار الوطني في صياغة عقد اجتماعي جديد وحقيقي يعتمد أيضاً على اشراك الاقليات والمهمشين فيه والمساواة ليس فقط في مخرجاته وإنما في الوصول اليه. على ان المشكلة تكمن في ان اطراف الحوار هي جزء من هذه الحالة الغنائمية بل ومرتبطة غنائميا باطراف خارجية – كاللجان الخاصة المعلنة والغير معلنة مع العديد من الدول- الا ان الامل هو في القوى الجديدة ذات التاريخ القصير والحساسية الوطنية الاكبر ووحدها فقط بامكانها العمل على فكفكة هذه القوى وكلما اتحدت اصواتها في الحوار الوطني ، كلما استطاعت انتزاع تقدم اكبر في الوصول الى الدولة المدنية الحديثة.!