في قرية "الحد" بمديرية موزع محافظة تعز، تواصل الطفلة فريدة حيدر – عام ونصف- حياتها الطبيعية بعد أن بدأت تتعافى وبشكل ملحوظ، من أعراض سوء التغذية التي تعانيها وأغلبية أطفال المنطقة. وفي حضن أم هزيلة وخجولة، تحاول الطفلة التي طلي في رأسها عجين من أوراق شجرة السدر، أن تكتم صراخها لبعض الوقت، لكن شدة الحمى التي دفعت بوالدتها لتلك العملية بحجة أنها سمعت عن أن "حناء السدر" يخفف الحمى عندما يوضع في الرأس، كانت تعيدها إلى لحظات البكاء بينما أمها تتحدث بصوت منخفض عن حال ابنتها.. "على هذا الحال، تبكي وتصرخ كل ساعة.." تقول الأم، وتتابع بلهجة محلية صعبة "الآن بدأت تتحسن حالتها بعدما رحنا بها للمركز الصحي وجابوا لها علاج".. وتتلقى الطفلة التي تعيش في كنف أسرة فقيرة مكونة من أم وأب وخمسة أخوة، علاجها في مركز التغذية العلاجية بمستوصف مديرية موزع، بشكل أسبوعي منذ حوالي شهر. وتعد فريدة واحدة من عشرات الأطفال الذين يتلقون العلاج حالياً، في قسم التغذية العلاجية المدعوم من منظمة اليونسيف فيما يخص الدراسات المسبقة والتدريب والتأهيل وتوفير العلاجات. وتؤكد رئيس قسم التغذية العلاجية في المركز الصحي بمديرية موزع، سارة الخطري أن عدد الأطفال المصابين بسوء التغذية في موزع يتزايد كل يوم. مشيرة إلى أن المركز سجل أكثر من 8500 حالة إصابة منذ بداية عمله في العام 2007. وطبقاً لمعلومات اليونسيف فرع تعز، فإن قسم التغذية العلاجية في المركز الصحي بمديرية موزع يعد ثاني أكبر أقسام التغذية العلاجية من حيث استقبال حالات الأطفال المصابين بسوء التغذية في تعز، وذلك بعد قسم المستشفى اليمني السويدي بالمدينة. وكشفت دراسة أجرتها اليونسيف في فبراير الماضي عن أن غالبية أطفال تعز يعانون من سوء التغذية. منوهة بالمخاطر المترتبة على غالبية هؤلاء الأطفال والتي تصل للموت أو للإصابة بأمراض مزمنة. ويقول مدير المكتب الصحي بمديرية موزع، جميل أحمد علي، أن هناك صعوبات كثيرة تحول دون وصول عدد كبير من الأطفال للمركز لتلقي العلاج في المركز، وذلك في إشارة إلى أن أغلب أطفال موزع مصابين بسوء التغذية. ويعتقد أن بعد المركز عن بقية قرى المديرية فضلاً عن صعوبات تنقل أبناء المناطق البعيدة والظروف الأمنية والإقتصادية التي مرت بها اليمن في الفترة السابقة، أحالت ولاتزال دون وصول كل الحالات. وبشأن تدريب المتطوعين في مديريته، من قبل خبراء التغذية العلاجية في اليونسيف كجزء من أنشطتها الإنسانية في اليمن، يقول الرجل أن عدد المتطوعات من النساء وصلن إلى 18 متطوعة تدربن جميعهن على كيفية إكتشاف حالات سوء التغذية لدى الأطفال خلال زياراتهن للقرى والتجمعات السكانية، وإقناع الأهالي على أهمية إيصال أطفالهم لقسم التغذية العلاجية في المركز الصحي بمديرية موزع. إحدى المتطوعات اللواتي كن متواجدات بالقرب من مدير مكتب الصحة بموزع لحظة اللقاء به صبيحة الأحد الفائت، لم تخف رغبتها في إصطحابنا إلى "الحد"؛ إحدى القرى التي زارتها هي وأقنعت الأهالي بعلاج أطفالهم من سوء التغذية. وفي القرية المكونة من مجموعة عشش مهترءة ويسكنها المئات من السكان الذين تبدو على ملامحهم آثار الفقر المدقع، نكتشف حقيقة ما قالته المتطوعة التي ترافقنا، فيما يخص الصعوبات التي تواجهها وهي حاجة الأهالي أولاً، للمساعدات الإنسانية. وفيما تحاول التعرف إلى حالة جديدة لعشرات أطفال القرية الذين عانى ولايزال أغلبهم من سوء التغذية، يتساءل أحد أهاليهم بصوت بائس: ايش باتجيبوا لهم.. وبينما تجتهد في الرد على سؤال محزن لأحدهم، يأتي الآخر وسط مجموعة بينهم نساء ورجال، كبار وصغار، يرتدون ملابس مهترءة للغاية، ويقاطعك بصوت حزين ومتفائل: باقي هذا سجلوه معهم.. وتلتفت على طفل هزيل وعاري وفمه مفتوح على صراخ يتجدد. ويشير خبراء محليين في التغذية العلاجية إلى أن أعراض سوء التغذية لدى الأطفال المصابين متعددة، منها؛ الهزال الشديد لجسم الطفل، أو التورم الزائد وظهور بعض ملامح النمش أو التقرحات على الجلد. وتقول الدكتورة نجيبة المهدي – أخصائية في صحة الطفل بمحافظة تعز: تكون نفسية الطفل المصاب بسوء التغذية، دائماً متضايقة.. وغالباً ما يصاحب هذا الضيق بكاء وصراخ من قبل الطفل المصاب. وتعتقد الدكتورة المهدي وهي مشرفة ومدربة في التغذية العلاجية بمنظمة اليونسيف فرع تعز، أن هناك تحسن ملحوظ في صحة عدد من المصابين الذين يتلقون العلاج في عدة مراكز بمحافظة تعز، فيما لا تخفي وجود حالات وفاة وغياب فجائي وذلك بسبب حالات الفقر المتزايدة في أوساط وعدم قدرتهم على تحمل تكاليف الإقامة والتغذية بالنسبة للمرافقين القادمين من مناطق بعيدة إلى مركز المدينة.. وتوضح المهدي أن سوء التغذية أمر سيء ومترابط، إذ يؤدي هو إلى الإصابة بمختلف الأمراض، الخطيرة والأخطر، وهذه الأمراض التي يصاب بها الطفل هي أيضاً، تقود إلى سوء التغذية. وتعد اليونسيف أول منظمة دولية تتعاون مع وزارة الصحة اليمنية في مجال محاربة سوء التغذية لدى الأطفال في مختلف محافظات البلاد. ويشار إلى أنه وفي العام 2006 وبعد دراسات وتقييمات عديدة اشترك فيها أطباء وخبراء مشهورين على مستوى العالم، افتتحت اليونسيف أقسام متخصصة في أهم المراكز الصحية وأهم المستشفيات المتخصصة بالطفولة في جميع محافظات اليمن. وتؤكد أخصائية الطفل وخبيرة التغذية العلاجية في اليونسيف الدكتورة نجيبة المهدي أنهم ومن خلال قسمين أحدهما يسمى؛ قسم التغذية العلاجية (TFC) والأخر: العيادة الخارجية التغذوية (OTP)، يقومون بعمل المسوحات والدراسات الأولية واكتشاف حالات سوء التغذية في أوساط الأطفال وتقدم أنشطة تتعلق بتدريب وتأهيل المتطوعين في التغذية العلاجية في كل مديرات وقرى تعز واليمن، فضلاً عن توزيع أدوية مناسبة لكل حالات سوء التغذية التي يصاب بها الأطفال. يذكر أن هناك أسباب عديدة لإصابة الأطفال بسوء التغذية، منها ما يتعلق بتغذية الأم في فترة الحمل، ومنها ما يخص أنواع هذه الأغذية التي تتناولها الأسر والطفال في صغرهم، وبينها المأكولات المشروبات الملوثة، فضلاً عن أن أهم أسباب الإصابة بسوء التغذية لدى الأطفال في تعز بالذات، تكمن في مياه الشرب الملوثة في المدينة التي تعرف بأنها من أكثر المدن التي تعاني أزمة مياه.