في خضم الأحداث الملتهبة في اليمن، من تغيير سياسي وفساد إداري وغياب العدالة الاجتماعية وخطر تنظيم «القاعدة» والإرهاب، ولدت أكبر الأزمات وهي الجوع أو سوء التغذية المذمن، الذي بات يهدد أكثر من 60 في المئة من أطفال هذا البلد. «الجريدة» رصدت عن قرب ساعات الألم وأيام العذاب في هذه البقعة العربية، التي كانت يوماً مصدر إشعاع ثقافي وحضاري، ففي قرية «الحد» بمديرية موزع في محافظة تعز وسط اليمن وجدنا الطفلة سلام، التي لم يتجاوز العام ونصف العام، لكن جسدها الهزيل يوحي بأنها ابنة أشهر فقط، سلام التي تعاني سوء التغذية الحاد، مثلها مثل عشرات الأطفال، تكلف أسرتها الفقيرة عناء السفر لعشرات الكيلومترات بحثاً عن علاج يدفع عنها خطر الموت. في مركز «التغذية العلاجية» بمشفى المديرية، تتلقى سلام منذ أكثر من شهر، علاجها المخصص من قبل فريق طبي من «اليونسيف»، غير أن شفتيها المتيبستين من كثرة الصراخ، فضلاً عن جلدها الرقيق، وشعر رأسها المتساقط، تؤكد أن مخاطر إصابتها بسوء التغذية الحاد لا يمكن أن تدفع عنها ببساطة. أمل محمد، إحدى المتطوعات في التوعية الصحية، رافقتنا إلى «الحد»، قرية الطفلة سلام، مطلع يوليو الحالي، وحاولت أن تعرفنا إلى الأطفال المستفيدين من أنشطة مركز التغذية، ممن تعافوا وممن لايزالون يعانون، لكن مشهد الفقر المدقع في القرية المكونة من مجموعة عشش ومنازل بدائية، طغى إلى جانب استفسارات الأهالي عن إمكانية الدعم المادي والعاجل، على كل شيء. بلهجة من تحب عملها الإنساني، تؤكد المرأة الثلاثينية أنه «إلى جانب الأمية والجهل، هناك صعوبات مادية تحول دون وصول الكثير من الأطفال المصابين إلى قسم الرقود، غير أن اليونسيف توزع عليهم العلاج للمنازل في سياق أنشطة العيادة الخارجية التغذوية». وعادةً، يدخل الأطفال المصابون بسوء تغذية حادة إلى مركز التغذية كمرضى داخليين، ويخرجون منه عندما تتحسن حالتهم، بعدها يتابعون علاجهم في البيت كمرضى خارجيين، إذ تستطيع الأمهات بهذه الطريقة، أن يوفرن الرعاية لأطفالهن في بيوتهن مع زيارة أسبوعية للمركز. ويعد قسم التغذية العلاجية في المركز الصحي ب»موزع» ثاني أكبر قسم يستقبل الأطفال بعد القسم المركزي بمستشفى اليمني السويدي في مدينة تعز (240 كم غرب صنعاء). وتؤكد مسؤولة قسم التغذية بموزع سارة الخطري ل»الجريدة»: أن عدد الأطفال المستفيدين من خدمات المركز منذ بداية عمله في 2007، يقدر بتسعة آلاف طفل، مبينة أن كثيرا من الأطفال المصابين في مناطق كثيرة لا يصلون إلى القسم بسبب الظروف. وتزايد عدد المصابين بسوء التغذية الحادة في اليمن في الأشهر الأخيرة بشكل مقلق، إذ كشفت دراسة أعدتها «اليونسيف» في فبراير الماضي أن محافظة تعز، التي يتجاوز عدد سكانها 5 ملايين نسمة، تصدرت المحافظات اليمنية من حيث إصابة الأطفال بسوء التغذية. وتقول اخصائية صحة الطفل في فرع «اليونسيف» بتعز نجيبة المهدي ل»الجريدة»: هناك مجموعة عوامل تسهم في وصول إلى الأطفال إلى مرحلة سوء التغذية، منها عدم توفر المياه الآمنة للشرب وغياب الصرف الصحي وتراجعه وربما انقطاع الخدمات الصحية إلى جانب مخلفات الأزمة السياسية والاقتصادية التي تعصف بالبلاد. ويعترف المدير الفني لمؤسسة المياه والصرف الصحي هواش المحمدي ل»الجريدة» بوجود أزمة تتثمل في تراجع إنتاج آبار مياه الشرب في تعز في ظل تزايد عدد المستهلكين، مشيراً إلى أن هناك هدرا منظما للمياه من قبل البعض، وذلك من خلال استهلاك كميات كبيرة في زراعة القات. ولا يخفي المحمدي وجود مشاكل تتمثل في اختلاط مياه المجاري بمياه الشرب في عدة مناطق بتعز، مما يصيب عدد كبير من سكان المدينة والضواحي بأمراض عديدة، لكنه يحمل هيئة الموارد المائية المسؤولية والتي يتوجب بحثها عن حلول لهذه المشكلة. وزارت «الجريدة» منطقة العامر، ضواحي مدينة تعز، حيث السد الأكبر الذي تحول إلى مستنقع كبير بعد أن أغلقت مخلفات المدينة التي ترمى بالقرب منه منافذ توزيع الماء في السد، وساهمت مياه الأمطار ومياه المجاري التي تصب فيه، في طمر السد وتحوله إلى مكان مخصص للأوبئة والأمراض.