يفترض أن تقدم لجنة الاتصال الرئاسية تقريرها نهاية الأسبوع, ويليه صدور قرار رئيس الجمهورية بتشكيل اللجنة التحضيرية للحوار الوطني, لكني أجد الوقت ما زال باكراً على إجراء حوار يحقق الأهداف المنشودة مع استمرار مناخات غير مساعده, فقط هناك أطراف تسعى إلى “لفلفة” و“سلق” حوار -حسب الطلب-. وقبل الحديث عن “عصيد” أطراف الحوار المختلفة وتذمر أهمها وهم الشباب، وبدا ذلك واضحاً من خلال تشكيل لجنة تحضيرية لعقد المؤتمر العام الوطني للشباب من قبل أكبر تكتل وإئتلافات وحركات شبابية ثورية في معظم المحافظات, ومؤخراً أعلنت هيئة علماء اليمن اعتراضها على تهميشها وشرائح التجار والمشائخ وعدم تواصل لجنة الاتصال الرئاسية معهم. يتوجب تحسس الأهم وهو المناخ المناسب لإجراء حوار وطني حقيقي, هو الأول من نوعه لليمنيين للخروج بحلول عملية وواقعية لمشاكلهم وأهمها غياب الدولة, وفرصة تاريخية, من المعيب, ان نسلقها إرضاء لأطراف داخلية أو خارجية سواء بقايا النظام السابق أو شركاء حكومة الوفاق الوطني أو الحوثيين أو غيرهم . الشباب متمسكون بمطالبهم للقبول بالحوار وأهمها إنهاء اختطاف مؤسسات وطنية عسكرية وأمنية من قبل أقارب الرئيس السابق خاصة الحرس الجمهوري والأمن المركزي مع استمرار رئيس أركان الأخير, باستفزاز الشباب, ليس فقط بوجوده في منصبه ومؤامراته الخفية لعرقلة حكومة الوفاق, ولكن تحركاته وهستيريا الأضواء الإعلامية والاحتفالات ومايرافقها من رسائل مستفزة للشباب وكل قوى الثورة. وحتى العاصمة صنعاء التي يفترض أن تحتضن المؤتمر العام للحوار الوطني مازالت مقسمة أمنياً وعسكرياً وتعاني الحصار العسكري والاقتصادي ولم يستقر أمر لواء من ألوية الحرس (الثالث) تحت قيادة قائده المعين حديثاً, والمليشيات مازالت تمارس التقطعات (القبلية حسب مايزعمون) في الطرق التي تربط صنعاء بتعز والحديدة وحجة ومأرب وغيرها. ولم يكن التشوه والارتباك ومحاولات إقصاء أطراف مهمة في الحوار مرافقاً فقط للجنة الرئاسية الفرعية التي حاول أعضاؤها (هلال وباصالح وزميلتي العزيزة نادية السقاف) تجاوز مكونات الشباب الحقيقيين الذين واجهوا آلات الدمار والموت وفقدوا أنبل رفاقهم وأطهرهم الذين ذهبوا شهداء وجرحى ومعاقين واستبدالهم بشباب مزعومين من أولئك الذين كان من بينهم القتلة والمحرضون والمدافعون إعلامياً عن جرائم النظام السابق. لكن حتى لجنة التواصل الوزارية كان لها دور كبير في “العصيد” ونصيبها من الارتباك والتشوه والاقصاء ورافق أداءها الاخفاق غالباً, والمقدمات تحدد النهايات, فلن يفضي أداء فاشل وارتباك وإقصاء إلى مؤتمر حوار وطني ناجح, مالم يرد له “السلق” و“اللفلفة” وفق سيناريوهات معدة، وبالتالي لن يكون حواراً وطنياً حقيقياً ولن يحل مشاكل وينهي أزمات. هناك أطراف كذلك وافقت على المشاركة في الحوار خوفاً من التهديدات الدولية، باعتبار من يعرقلونه أطرافاً ضد نجاح المرحلة الانتقالية الثانية وفي نفس الوقت تدفع نحو التوتر وتمارس العنف وبعضها يضع شروطاً مسبقة كشأن بعض الفصائل التي تزعم تمثيل الحراك الجنوبي السلمي والحوثيينوبقايا النظام السابق. كنت في وقت سابق تحدثت عن ذلك وعن استحالة الحديث عن خوض حوار ووضع شروط مسبقة من جانب مختلف الأطراف, لكن لا بد من وجود أسس لخوض ذلك الحوار أو ربما معايير ومبادىء ثابتة. مثلاً لايمكن خوض حوار لم يتفق بعد أطرافه على مدنية الدولة وأنها ليست دينية بمفهوم عبدالملك الحوثي أو عبدالمجيد الزنداني وليست عسكرية سواء بمفهوم اللواء علي محسن أو العميد أحمد وابن عمه يحيى, وليست قبلية كما قد يريد صادق الأحمر أو محمد ناجي الشايف, بل مدنية ومدنية ومدنية وهو ما سالت لأجله الدماء. وبالطبع لايمكن أن يكون حواراً وطنياً جاداً فيما بعض أطرافه تمتلك السلاح المتوسط وربما الثقيل وتدير مليشيات مسلحة، سواء كانت ترفع شعار الحوثي الذي سخر منه سفير أمريكا بصنعاء أو تطالب بتقرير المصير وفك الارتباط أو تقول إنها من أنصار شرعية الرئيس السابق أو حتى كانت ترفع شعاراً إخوانياً أو وهابياً. هناك أسس أخرى تضمنتها قرارات مجلس الأمن الدولي ونصت عليها المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية, فمثلما مُنح صالح وأصحابه حصانة شملت 33 عاماً يتوجب وجود قانون للعدالة الانتقالية يشمل الفترة نفسها 33 عاماً, ويبتعد عن ممارسة العمل السياسي ويستغفر الله ويحمده على أنه لم يلاق مصير حبيبه مبارك. وكذلك نجله وأقاربه المتهمون بجرائم قتل الشباب الأصل أن يعتكفوا في أبعد محراب ليحمدوا الله أنهم لم يلاقوا بعد مصير حبيب العادلي ولم يسجنوا مثل جمال وعلاء. أما أن يستمر استفزازهم للناس إلى هذه الدرجة إلى حد أن يشترط كبيرهم عدم مرور مسيرات الشباب في أماكن بالعاصمة صنعاء مازالت تحت سيطرة اتباعه, فوالله إنها قمة المسخرة. الحوار بحاجة إلى مناخ مناسب لايزال غير متوفر, واليمن مازالت بحاجة لحوار وطني جاد وحقيقي يضع النقاط على الحروف ويتفق الجميع على نتائجه ويسلمون لها قولاً وفعلاً.