"عمود شبحي" تحت سلطنة عُمان!.. ظاهرة جيولوجية نادرة    ميسي يهدد عرش رونالدو العالمي    ديدان "سامّة" تغزو ولاية أمريكية وتثير ذعر السكان    نجاح أول عملية زرع قلب دون الحاجة إلى شق الصدر أو كسر عظم القص    صحيفة أمريكية تكشف حجم خسائر إسرائيل اليومية    البيت الأبيض يعلق على موعد قرار ترامب بشأن الهجوم المحتمل على إيران    في ظروف غامضة    نتائج الصف التاسع..!    قضاة يشكون تعسف وزير المالية إلى رئيس المجلس السياسي الأعلى    عن العلاقة الجدلية بين مفهوم الوطن والمواطنة    حين يُسلب المسلم العربي حقه باسم القدر    فريق الرايات البيضاء يكشف عن اخر مستجدات إعادة فتح طريق رئيسي يربط بين جنوب ووسط اليمن    نتائج الصف التاسع..!    الجيش الإسرائيلي: صاروخ إيراني انقسم لصواريخ صغيرة عند انفجاره بتل أبيب واصاب عشرات الإسرائيليين    "مسام" ينتزع نصف مليون لغم حوثي خلال 7 أعوام    كأس العالم للاندية : ميسي يقود انتر ميامي لفوز ثمين على بورتو    مراجعات جذرية لا تصريحات آنية    الحوثيون يقرّون التحشيد الإجباري في الحديدة بدعوى نصرة إيران    ذمار تضيق على نسائها    المعبقي يكشف عن اجراءات نقل مقرات البنوك إلى عدن وكيف ستتعامل مع فروعها في مناطق سلطة صنعاء    خيانة عظمى.. علي ناصر محمد يتباهى بمنع انضمام الجنوب لمجلس التعاون الخليجي    عرس جماعي ل 58 عريسا وعروس في البيضاء    تعادل إيجايي بين السهام والصحة في بطولة البراعم لأندية تعز    عمال قطاع S2 العقلة شبوة يهددون بوقف شحن النفط لكهرباء الرئيس ويحملون وزارة النفط المسئولية    من عدن إلى الضمير العالمي    فعاليتان للإصلاحية المركزية ومركز الحجز الاحتياطي بإب بيوم الولاية    ترتيبات لإنشاء محطتي كهرباء في اب بقدرة 5.5 ميجاوات    الموضوع الأهم من "وقف إطلاق النار" لترامب في الحرب بين إيران والكيان الصهيوني؟    جماعة الإخوان الوجه الحقيقي للفوضى والتطرف.. مقاولو خراب وتشييد مقابر    صنعاء .. اعلان نتيجة اختبارات الشهادة الأساسية    الصين تنشر قائمة ب20دولة قصفتها أمريكا خلال 80 عاما    مناقشة تنفيذ مشروع شبكة الصرف الصحي في مدينة البيضاء    شبوة أبتليت بجار السوء.. مأرب موطن القتلة والمجرمين وقاطعي الطرق    تصريحات بلا أثر.. ومواطن يئن تحت وطأة الجوع والانهيار    سامسونغ Samsung تصنع أجهزة جوالات للتجسس الإسرائيلي لمنطقة الشرق الأوسط    من يومياتي في أمريكا .. هنا أموت كل يوم    اليوم نتائج الشهادة الاساسية وهذه طريقة الحصول على النتيجة    كوستاريكا تقلب الطاولة على الدومينيكان    كيف تواجه الأمة الإسلامية واقعها اليوم (2)    انهيار متواصل للريال اليمني.. أسعار الصرف تواصل التدهور في عدن    شكر الله سعيكم.. نريد حكومة كفاءات    مباراة تاريخية للهلال أمام ريال مدريد    الهلال السعودي يتعادل مع ريال مدريد في كأس العالم للأندية    الخطوط الجوية اليمنية... شريان وطن لا يحتمل الخلاف    إصابة 3 مواطنين إثر 4 صواعق رعدية بوصاب السافل    الصبر مختبر العظمة    اعتقال صحفي في محافظة حضرموت    الفريق السامعي: ما يحدث ل"إيران" ليس النهاية ومن لم يستيقظ اليوم سيتفاجأ بالسقوط    مواطنون يشكون منع النقاط الامنية ادخال الغاز إلى غرب محافظة الضالع    كندة: «ابن النصابة» موجّه.. وعمرو أكبر الداعمين    لملس يزور الفنان المسرحي "قاسم عمر" ويُوجه بتحمل تكاليف علاجه    الرهوي يناقش التحضيرات الجارية للمؤتمر الدولي الثالث للرسول الأعظم    لاعبو الأهلي تعرضوا للضرب والشتم من قبل ميسي وزملائه    شرب الشاي بعد الطعام يهدد صحتك!    الصحة العالمية: اليمن الثانية إقليميا والخامسة عالميا في الإصابة بالكوليرا    حوادث السير تحصد حياة 33 شخصاً خلال النصف الأول من يونيو الجاري    استعدادًا لكأس الخليج.. الإعلان عن القائمة الأولية لمعسكر منتخب الشباب تحت 20 عاما    وزير الصحة يترأس اجتماعا موسعا ويقر حزمة إجراءات لاحتواء الوضع الوبائ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لا دينية لا علمانية.. بل دينية-علمانية
نشر في المصدر يوم 08 - 07 - 2012

ترتفع موسيقى الإيقاعات السياسية النخبوية والشعبية اليمنية على نبرة وترين متنافرين هما الدولة المدنية القائمة على الصبغة الدينية والعلمانية. فأنصار كل وتر يحلل نظرياً أسباب فشل طرح الطرف الآخر ونجاح طرحه، دون إسقاط نظريتهم على الواقع وعلى تجارب حديثة حقيقية يمكن أن تجعل من نظرية أي منهم نموذجاً يمكن أن يلجم الأفواه. ففي النطاق الجغرافي، لم يوجد نموذج واحد لأي دولة عربية أو إسلامية متطورة وناجحة في إدارة شئون الحياة وتطويرها بشكل مرضٍ، وإن احتج أحدهم بوجوده، فليس السبب الحقيقي لنجاحه إلا لربط التصميم العلماني للدولة بالعوامل الثقافية والدينية لمواطني الدولة. بمعنى آخر، لا يمكن نسخ تجربة شرقية أو غربية بتفاصيلها وتطبيقها كاملةً على الأرض العربية أو الإسلامية.

فعند النظر إلى الوراء التاريخي، لم تبلغ الحضارة العربية والإسلامية أوج ازدهارها العلمي والحضاري إلا عندما تأثرت بفلسفات وحضارات الشرق والغرب حين تركزت عواصم السلطات بالقرب من دول تلك الحضارات، في الأندلس ثم قبل ذاك في بغداد ثم دمشق.
ولفهم ما سبق، دعونا نستمع هنا إلى تحليل أشكال المواجهة التي استخدمها العرب والمسلمون ضد أوروبا التي طردتهم من أوروبا في العصور الوسطى، والتي أعقبتها بحملات الصليبية متتالية للعالم الإسلامي– وتطورت فيما بعد إلى استعمار كامل وتقسيم لأراضيه. يصف عميد المؤرخين الغربيين أرنولد توينبي (الذي حلل 21 حضارة تاريخية عبر التاريخ) ان أساليب المواجهة الثقافية العربية تمثلت في أسلوبين، الأول هو أسلوب التقوقع على الذات والانطواء على الماضي التليد بحثًا عن السلوى في ازدهار ماضيهم، وقد تجسد هذا الأسلوب في النزعة السلفية التي تمترست وراء التشدد الديني كدرع لرفض كل ما يتعلق بالآخر ومواجهة عدوانه؛ أما الأسلوب الثاني فهو التلبس (الكاذب) بسمات الحضارة الغربية كوسيلة لدرء الخطر، والمتجسد بالنزعة العلمانية التي تنكر دعاتها لهويتهم الدينية وموروثاتهم الثقافية ورموها خلف ظهورهم على أمل اللحاق بركب التقدم.
ويرى توينبي أن هذين الاسلوبين فاشلين، ذلك أن الأول لم يضف لهم شيئاً مع تغير أوضاعهم السياسية والاجتماعية والثقافية ولمواجهة حقيقية لعدوهم، وإنها لا تزيد عن راسب حضاري متحجر أما الثاني فقد ينجح، لكن نجاحه شكلي و"تقليد" لأنه لا يقدم إبداعًا ضمن الحضارة القائمة. بعبارة أخرى، يمكننا القول أنه إذا كان مشروع الفريق الأول (السلفيون)، فهو ليس بالمعاصر، وإذا كان الفريق الثاني ( المقلدون) معاصرًا، فهو ليس بالعربي ولا بالأصيل.
فإذا ما نظرنا إلى بلادنا أو بلدان العالم العربي لوجدنا أن تحليل توينبي صالحة إلى حدٍ بعيد، فتيار التقليد يتسع أكثر وأكثر دون أن نستفيد من التجربة التركية الحديثة، حيث صار المواطن التركي اليوم لا هو بالشرقي ولا هو بالغربي، يعتبر نفسه أوروبياً ويقدم نفسه للأوروبيين على أنه أوروبي ويخاطبهم – وهم الرافضين له – معاتبًا إياهم بآيات من إنجيلهم. فلم يكن أمامهم إلا العودة شرقاً وخاصة إلى خلفيتهم الدينية الإسلامية كما هو قائم اليوم. أما تيار السلفية فقد تقوقع داخليًا وخارجيًا وسياسيًا واقتصاديًا، وغدا الوصف العالمي والمحلي له هو "الإرهاب" الذي خرج من رحمه ويهدف إلى تقويض أسس الحضارة!
هذه الأبعاد تزيد بلا شك من صعوبة الإجابة على سؤالنا المطروح في بداية المقال: هل من الممكن في ضوء واقعنا الاجتماعي والثقافي والسياسي الراهن قيام مشروع الدولة المدنية المعاصرة التي توازي المشروع الحضاري الناجح لأسلافنا!!
لقد تغلب أسلافنا مبكراً على الإشكال الفلسفي الذي نعاني منه اليوم وهو طريقة التقريب بين أحكام الشريعة ومنطق العقل البشري والعلم. وكان خيارهم الواضح هو الحوار المنطقي والعلمي المفتوح مع الآخر من خلال التثاقف عبر حركة الترجمة دون التفريط في هويتهم العربية الاسلامية. ونحن اليوم نواجه نفس الإشكال ذاته، وهو طريقة الموائمة بين القيم الدينية والأخلاقية والجمالية ومقتضيات العلم التي لا نستطيع تجاهلها.
لذلك فما من وصول الى الدولة المدنية المبتغاة إلا بالتقارب الواعي مع الحضارات المتقدمة عبر الترجمة أو تكثيف تعليم اللغات وتطوير وتوسيع برامج واتجاهات الجامعات ومراكز البحث العلمي والحضاري والإصلاحات الإعلامية والتعليمية والاقتصادية والسياسية، إصلاحات تعليمية تضمن الحفاظ على الهوية الثقافية (اللغوية والدينية والأخلاقية والتاريخية) في وجه الغزو الفكري الذي غاد صعباً على الدولة مواجهته في عصر العولمة وتكنولوجيا المعلومات؛ وإصلاحات اقتصادية تنتشل مجتمعاتنا من إرباكها الواسع في تمييز أولويات احتياجاتها في برامجنا الإنتاجية والاستهلاكية، وأخيرًا إصلاحات سياسية تعيد للمواطن احترامه لبعضه البعض ولكرامته في وطنه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.