لا يكاد يمر أسبوع إلا وتطالعنا وسائل الإعلام بأخبار عن احتجاجات هنا وهناك لجنود أوقفت رواتبهم جزاء انضمامهم للثورة، وهي احتجاجات مشروعة ومن حقهم تصعيدها، وسنقف معها، إذ لا يعقل أن جنديا يعول أسرة وراتبه الهزيل موقوف منذ شهور بسبب وقوفه مع الثورة.. بدلا من مكافأتهم قطعت رواتبهم ومصدر دخلهم الوحيد!! المخزي فعلا أن هذه الاحتجاجات تأتي في ظل رئيس جديد صعد إلى السلطة بفضل شباب الثورة وتضحياتهم، وحكومة وفاق وطني نصف وزراءها جاءوا من صفوف الثورة، وقبيل انعقاد مؤتمر الحوار الوطني، وبعد عام إلا ربع من توقيع المبادرة الخليجية!!
كنا نظن أن اعتقال "العوبلي" في خولان سيوقظ صناع القرار ويلفت انتباههم لهذا الموضوع وسيضع حدا لهذه القضية لكن واضح أن المراحل لا زالت طوال.. فهل هذه هي مكافأة الجنود المنضمين للثورة، وما الذي يمنع من صرف رواتبهم وتسوية أوضاعهم، ومن يقف ضد منحهم حقوقهم، أم أن حكومة باسندوة الموقرة والجهات المختصة تنتظر توجيها من علي عبدالله صالح بحل مشكلتهم وإنهاء معاناتهم الطويلة؟!
أسئلة محيرة وتثير أكثر من علامات استفهام وتعجب، وتعيد للأذهان قضية الجنود الذين تم تسريحهم من الخدمة عقب حرب صيف 94م حيث أهمل المخلوع صالح قضيتهم وشكل لها لجانا تلو اللجان طيلة عشرة أعوام، وكلها تقاضت مستحقاتها وماطلت في إيجاد الحلول وبعضها ساهمت في تعقيد المشكلة رغم بساطتها، وكانت النتيجة تشكل الحراك الجنوبي السلمي ومع الوقت وغياب الحل تكونت فصائل مسلحة في المحافظات الجنوبية تنفذ أجندات خارجية وصارت تهدد وحدة الوطن، ولم تجد نفعا المبالغ المصروفة والمهولة لاحقا لحل المسألة، ولو أن خمس تلك المبالغ صرفت في حينها لما تطورت الأوضاع إلى هذا المستوى، لكن فساد المخلوع صالح ونظامه وافتقاره للمسؤولية الوطنية تسبب في كل ذلك، والذكي الآن من يستفيد من أخطاء سلفه..
إذا تجاهلت القيادة السياسية ملف الجنود المنضمين للثورة ولم توجد حلا عاجلا لقضيتهم فعليها أن تنتظر قريبا حراكا جديدا في البلد وأزمة معقدة تضاف للقائمة، ولا نستبعد أن أطرافا محسوبة على النظام المخلوع تعرقل حل قضيتهم لأنها تعرف تماما أن النتيجة ستكون قاسية جدا للنظام الجديد، فهؤلاء جنود مسلحون ومدربون وعاجزون عن توفير لقمة العيش لأطفالهم في ظل حكومة ضعيفة، وقوى خارجية تتربص بأمن واستقرار اليمن وتصول وتجول في الساحة اليمنية وفرصتها بتجنيدهم لأهداف مشبوهة وهكذا ستتطور الأمور إلى ما لا يحمد عقباه، بينما القضية بسيطة وتتلخص في عدد قليل من قيادات عسكرية ترفض التوجيهات العليا بصرف حقوقهم..
لسنا بحاجة لتقرير (هلال – باصرة) بنسخته المطورة بعد سنوات يقول إن القصة أبطالها 15 قائد عسكري ويخير القيادة السياسية بينها وبين بقاء الدولة اليمنية، فإقالة هذه القيادات بداية الحل للأزمة اليمنية عموما والجنود خصوصا، وها هي ساحات التغيير والحرية بتصعيدها الأخير تقدم خدمة مجانية للرئيس هادي للتخلص من عبء بقايا العائلة الثقيل في المؤسسات العسكرية والأمنية، ومن ثم التوجه لمعالجة قضايا المواطنين العاجلة ومن بينها تسوية وضع جنود الثورة وتكريمهم كي نقطع الطريق على خطر مرتقب.