المبعوث الأممي يكشف عن حملة اعتقالات استهدفت موظفين أمميين في صنعاء والحديدة    الرئيس الزُبيدي يهنئ منتسبي القوات المسلحة الجنوبية بعيد الجيش الجنوبي ال54    عدن.. البنك المركزي يوضح بشأن تحديد أسعار الصرف    الحوثيون يتوعدون إسرائيل: "الانتقام قادم والحرب تدخل مرحلة جديدة"    منتخب الشباب يكسب قطر ويعزز فرصته في التأهل    الصين تبتكر نباتات عصارية تتوهج في الظلام    فريق التوجيه والرقابة الرئاسي بمحافظة المهرة يناقش قضايا المرأة وتعزيز حضورها المجتمعي .    إصابة 4 جنود صهاينة بكمين للمقاومة في غزة    (نص+ فيديو) كلمة قائد الثورة في استشهاد رئيس حكومة التغيير ورفاقه    ارتفاع حصيلة ضحايا العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة إلى 63459 شهيدا و 160256 مصابا    صنعاء.. تحديد موعد تشييع الرهوي ورفاقه    البريمييرليغ: مانشستر سيتي يسقط امام برايتون    وفاة ستة أشخاص بصواعق رعدية وحادثة غرق    السلطة القضائية في المحويت تنظم فعالية بذكرى المولد النبوي    مدرسة شهداء حزيز تقيم فعالية بذكرى المولد النبوي    لقاء بذمار يناقش الاستعدادات النهائية للاحتفال بذكرى المولد النبوي    القيادة المحلية لانتقالي عرماء تعقد اجتماعها الموسع للفصل الثاني من العام الجاري    قبل ملاقاة الليلة .. مدرب رايو فايكانو: يعحبني برشلونة كثير، ك"فريق متكامل" ومصدر الهام! للليجا    الكوارث الطبيعية الأخيرة.. وفضيحة الصمت الرسمي المخزي!    مجلس وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل يثمّن دور الحكومة السويسرية في دعم خطة حماية الطفل في بلادنا    آن الأوان أن نقرأ البردوني كاملاً، لا أن نختزله في الشعر وحده    إنطلاق منافسات البطولة ال12 للتنس الأرضي على ملاعب نادي التنس العدني بكريتر    الأولمبي اليمني يختتم معسكر الإمارات ويتجه إلى فيتنام لمواجهة سنغافورة وبنجلادش وفيتنام    تقلبات أسعار الصرف: لعبة سياسية تستنزف مدخرات الجنوبيين    الرئيس الإيراني يعزي الشعب اليمني في استشهاد رئيس الوزراء وعدد من رفاقه    اشهار كتاب ثوار فى رحاب الله للبردوني    مدارس حضرموت تبدأ العام الدراسي الجديد بحضور 324 ألف طالب    الرئيس الأمريكي كارتر يزور الصحفي بن سميط في منزلة بشبام    فرحان المنتصر ومختار مشرقي يفتتحان استديو البوندسليجا عبر عدنية إف إم    رئيس الوزراء بن بريك يوجّه رسائل للمعلمين والطلاب مع انطلاق العام الدراسي الجديد 2025 – 2026    اعتقال 51 مسلحاً في حملة ضد «داعش» بشمال شرقي سوريا    ريال مدريد يوافق على انتقال لاعب ميلان للبريميرليج    لملس يطلق العام الدراسي الجديد بعدن ويؤكد دعم العملية التعليمية    قبل أن تصبح المدارس أطلالا وخرائب    الريال اليمني يقفز بقوة أمام العملات الأجنبية ويحقق أكبر مكاسب منذ سنوات    صنعاء تضبط الجاسوس الأممي !    الشهيد أحمد الرهوي.. السياسي الذي اختار الوطن وواجه العدوان    محلات الصرافة بعدن توقف نشاطها    المحارب الوحيد.. وكثرة المنافقين الصامتين    وصمة عار    بن حبريش يبتز المواطن وكهرباء ساحل حضرموت بقطع الديزل    ريال مدريد ينجو من كمين ضيفه ريال مايوركا    الغاز الذي يحرق في شبوة سينتج كهرباء تكفيها مع المهرة وحضرموت وأبين    الحوثيون يعلنون مقتل رئيس الحكومة وعدد من الوزراء في قصف إسرائيلي    الدولار يتجه لتسجيل أكبر خسارة شهرية منذ بداية العام وسط توقعات خفض الفائدة    ابتكار أصناف من القمح تنتج السماد بنفسها    بعد 1500 عام.. حل لغز أول جائحة في التاريخ من مقبرة جماعية في الأردن    مقتل مواطنين وإصابة ثالث باشتباكات بين قياديين حوثيين في الحديدة    يا سر الوجود.. لولاك ما كان قدرٌ ولا إسراءٌ ولا دنيا    ترييف المدينة    تدشين المهرجان الثالث للموالد والمدائح النبوية    إغلاق 10 منشآت طبية وصيدليات مخالفة في مأرب    عظمة الرسالة المحمدية وأهمية الاحتفال بالذكرى العطرة لمولده الشريف    العلم يكشف هوية صاحب "جمجمة الوحش" بعد 60 عاما من الغموض    متى تشكل النظارات خطورة على العين؟    مشروع الطاقة الشمسية.. كيف نحافظ عليه؟    معاذ السمعي الشاعر المنسي في جغرافية النص    إغلاق 18 منشأة صحية وصيدلية مخالفة للتراخيص والأسعار بشبام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مَن قتل الجمهورية اليمنية؟
نشر في يمنات يوم 13 - 07 - 2025


عبد الوهاب قطران
منذ أكثر من عقد، لا تهدأ السجالات السياسية والملاسنات الإعلامية بين مختلف أطراف الصراع في اليمن، تتجدد بين الحين والآخر على منصات التواصل الاجتماعي، في معركة لا تتعلق بالمستقبل، بل بما مضى؛ إذ يتمحور الجدل دومًا حول سؤال واحد: من المسؤول عن سقوط الجمهورية اليمنية، ووقوع العاصمة صنعاء بيد الخوثيين في 21 سبتمبر/أيلول 2014؟
يتبادل الفرقاء السياسيون الاتهامات، كلٌ منهم يتبرأ من المسؤولية ويُلقي باللائمة على خصمه. في حين أن الحقيقة، كما أراها، أعقد من تبادل بسيط للتهم. وأمام هذا الانسداد المزمن في فهم اللحظة المؤسسة لانهيار الدولة، وجدت نفسي أستحضر نظرية علاقة السببية كما درسناها في كليات القانون والمعهد العالي للقضاء، لا باعتبارها أداة قانونية فحسب، بل كإطار تفسيري لفهم المأساة اليمنية في بعدها البنيوي والتاريخي والسياسي.
القانون كمرآة للانهيار
في الفقه القانوني، سواء في القانون الجنائي أو المدني، تقوم المسؤولية على أركان محددة. ففي الجنايات، يشترط توافر الركن الشرعي، والمادي، والمعنوي. أما في المسؤولية المدنية، فهناك: الخطأ، والضرر، والعلاقة السببية بينهما.
لكن ركن السببية تحديدًا ظل موضوعًا خلافيًا واسعًا بين فقهاء القانون:
هل يتحمل الجاني الأول المسؤولية كاملة؟
أم من ارتكب الفعل الأخير؟
أم من تسبب بالسبب "الملائم" أو "الكافي" أو "المؤثر" في النتيجة؟
ضربوا مثلاً شهيرًا لذلك: رجل أُطلق عليه النار فأصيب، ثم أُسعف في سيارة تعرضت لحادث، ثم أُجري له تخدير طبي دون معرفة إصابته بمرض قلبي فمات تحت العملية.
فمن القاتل؟ مطلق النار؟ سائق الإسعاف؟ أم الطبيب؟
القانونيون اختلفوا، والمشرع اليمني أخذ بمبدأ "السبب الكافي المؤثر في النتيجة".
بهذا المنطق، فإن سقوط الدولة اليمنية والجمهورية لم يكن وليد لحظة واحدة، بل نتيجة تراكب وتعاقب وتظافر مجموعة من الأسباب المتداخلة التي أدت إلى النتيجة النهائية: سقوط الدولة وعودة الإمامة.
كتاب "الجمهورية الفانية": تشريح موضوعي لانهيار الدولة
أفضل ما كُتب في هذا السياق، في تقديري، هو كتاب "الجمهورية الفانية: مذكرة حول الانهيار والحرب في اليمن" للكاتب والباحث اليمني محمد العلائي جديد ، الصادر عن دار الفارابي عام 2021.
العلائي، بأسلوب علمي رصين وتحليل تاريخي–سياسي، تناول أسباب السقوط لا من زاوية واحدة، بل بتعدد زوايا الرؤية، وباستخدام مقاربة منهجية تُعطي لكل فاعل سياسي دوره في المأساة.
تفكيك الأسباب: من الفاعل الأول إلى القاتل الأخير
إذا طبقنا هذا المنظور على الواقع اليمني، فإن مسلسل الانهيار الوطني يمكن تفصيله كما يلي:
1. السبب الأول: انفراط العصبية المؤسسة
بدأ الانهيار بانشقاق نخبة الحكم نفسها. تمرد قبيلة حاشد بعد وفاة الاحمر الاب،تمرد على دولته وقبيلته الشيخ الطموح حميد الأحمر واللواء علي محسن الأحمر ،كليهما تمردا على الرئيس علي عبدالله صالح، اعتقادًا منهما بأنهما سينجحان في إزاحته والسيطرة على الحكم.
كليهما ينتميان لتنظيم الاخوان المسلمين ،وتم استخدامهما من قبل التنظيم لفرط العقد الاجتماعي للدولة والقبيلة والجيش.
وبهذا الانشقاق، تفككت عصبية الدولة اليمنية الثلاثية: الرئاسة–القبيلة–الجيش.
ومن دون تلك العصبية، انكشفت الجمهورية أمام أول عاصفة.
2. السبب الملائم: احتجاجات فبراير والربيع العربي
عندما اندلعت الاحتجاجات الشعبية عام 2011، ركب حزب الإصلاح وحلفاؤه في اللقاء المشترك موجة الاحتجاجات، دون رؤية واضحة لبناء دولة مدنية، بل بدوافع انتقامية ضد خصومهم التاريخيين.
هذا الحراك غير المنضبط أضعف مؤسسات الدولة، وفتح الباب للميليشيات، وغذّى الشروخ المناطقية والمذهبية.
3. السبب الخارجي والمؤثر: الضوء الأخضر الإقليمي والدولي
كان هناك دور إقليمي ودولي فاعل في انهيار الدولة. التحالف الخليجي، بدعم أمريكي–بريطاني، قدّم الضوء الأخضر للخوثيين للدخول إلى صنعاء، عبر تسويات خفية، هدفها تصفية حسابات مع جماعة الإخوان المسلمين.وتاديب ال الاحمر وعلي محسن.
في هذا السياق، لعب الرئيس الانتقالي عبدربه منصور هادي ووزير دفاعه دورًا بالغ الخطورة؛ إذ حيّد وحدات الجيش، وأعاد تسليم محافظة عمران للخوثيين، ومهّد الطريق لاجتياح صنعاء تحت ذريعة "إسقاط الجرعة"، بل ووجّه المعسكرات بعدم المقاومة!
4. السبب الأخير: التحالف القاتل بين صالح والخوثي
وفي نهاية المطاف، كانت الطلقة الأخيرة من الرئيس السابق علي عبدالله صالح نفسه، الذي تحالف مع الخوثيين ضد خصومه القدامى من "اللقاء المشترك"، والاخوان المسلمين وال الاحمر وعلي محسن .
وسهّل لهم السيطرة على مفاصل الدولة والجيش والأمن، معتقدًا أنه سيسيطر على المشهد من خلف الستار.
لكن النهاية جاءت أسرع مما تصور: قتل الحوثيون صالح، بعد أن استنفدوا غرضهم منه.
الجمهورية: جثة تنهشها السكاكين
سقطت الجمهورية اليمنية لا برصاصة واحدة، بل بعدة رصاصات وسكاكين. وكل طرف من أطراف الصراع كان ممسكًا بمقبض السكين في لحظة ما.
سقطت الجمهورية وسقط الجيش، وسُحقت القبيلة، وانشطرت اليمن إلى كيانات متصارعة طائفية وجهوية ومليشيوية، مرتهنة لمشاريع الخارج.
وكلنا مجرمون وكلنا ضحايا من لم يفهم ذلك فلن يفهم شيئا على الاطلاق !
والأسوأ من ذلك أن النخب اليمنية، حتى اليوم، لا تزال غارقة في تبادل الاتهامات، غير قادرة على الاعتراف الجماعي بأنها جميعًا شريكة في الجريمة.
عدو اليمن الحقيقي
ليس الخوثي وحده هو العدو، ولا الإصلاح، ولا المؤتمر، ولا الجنوب، ولا الشمال.
عدونا الحقيقي هو:
الانقسام والتشظي، والطائفية، والمناطقية، والارتهان للخارج، وخطاب الكراهية، وتقديس العصبيات البديلة عن الدولة.
ما لم نعترف بهذه الحقيقة، فستبقى الحرب مشتعلة، وسيبقى الوطن مفككًا، وسيموت مئات الآلاف دون أن يعرفوا حتى لماذا ماتوا، ولا من قتلهم.
خاتمة:
لن تعود الجمهورية اليمنية إلا بإعادة النظر إلى الأسباب العميقة لانهيارها، والاعتراف الجماعي بالذنب، والبحث عن مشروع وطني جامع لا يستثني أحدًا.
أما أن يظل الجميع يتقاذفون المسؤولية كما يتقاذف الفاشلون كرة النار، فسنظل نغرق أكثر، ونموت أكثر، وتُدفن الجمهورية مرةً بعد مرة… في كل صباح جديد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.