لا معنى للأشياء لا وقع للموت لا معنى للحياة صرنا أشبه بحارس صالة مناسبات بائس. أكثر من عام ونصف من القلق والتوتر.... أكثر من عام ونصف من التشويق والإثارة والأحداث الساخنة، وليس ثمة ما يلبي احتياج مجنون على الرصيف كل ما يريده من هذا العالم واحد شاي وحبة سيجارة. وحدهم السياسيون نجحوا في إدخالنا دوامة لا متناهية، وحشرونا وسط (برميل حلبة) ونحن نلهث خلفهم كمدمني هروين، لقد استطاعوا أن يدوخونا ويجعلوا من واقعنا أشبه برواية من روايات أجاثا كريستي، حيث تبدو الحبكة معقدة وغامضة ومربكة وحيث يحشو السرد عروقك بالقلق والتوتر، إلا أنه لا لحظة انفراجة ولا حل للعقدة... ولا يد يمكن أن تقبض على القاتل وتوصل القارئ إلى مرحلة الإشباع المشابه للإشباع الجنسي... سرد وعرٌ ورواية مفتوحة على مصاريعها ولا سبيل للقارئ إلا أن يصنع نهايته الخاصة... تبدأ الرواية بثورة، سرعان ما تبدو غير مفهومةٍ وغامضةٍ ومعقدة كحبل(مخلبس)، لكن ذلك أمر عادي جداً تجاه أحداث صاعقة كارثية لا يعرف أحد من وراءها: جمعة الكرامة، حرب الحصبة، شارع الزراعة، القناصة، محرقة ساحة الحرية بتعز، شهداء عدن، حضرموت، أبين، رداع، البيضاء، حجة، الحديدة، ميدان السبعين، طلاب كلية الشرطة، حادث النهدين، من القاتل؟ لا أحد يدري! اللعنة!! من وراء كل هذا؟ لا جواب واضح، غموض يقترف غموضاً، فقط أطراف قذرة لديها أصابع ممدودة ومرتعشة يشير كل منها إلى الآخر على أساس أنه القاتل... ولا أحد منها _على الأقل_ يتعامل مع الآخر على أساس أنه قاتل. الأمر يشبه لعب أطفال (غير بريئين) يسخرون من أستاذهم البليد يعبثون بمؤخرته ثم يقسم كل منهم أنه ليس الفاعل بل الآخر.. نوع من (الموغادة) الطفولية اللامسئولة، لكنهم أطفال قد لا يعون ما يفعلون، وهؤلاء سياسيون محترمون، أضع خطاً تحت كلمة محترمين طبعا لأنهم ليسوا كذلك، هذا الضرب من القذارة لا يمكن أن يوجد إلا لدى رجال العصابات، حتى رجال العصابات لديهم أخلاقيات عالية جداً ويلعبون بشرف وبكرامة ونشاهدهم في الأفلام ونحترمهم جداً. ما الذي يجري هنا يا ألله؟! عشرات القتلى بل مئات، جرائم ضد الإنسانية، كرامة مهدورة، لا شيء يسير وفق طبيعته، ولا وفق منطق معروف، حياة قلقة وتشبه فيلم رعبٍ، وحدها الجريمة تمر بسلام، وحده الغموض واضح بما يكفي لأن نلعن كل شيء، لكننا صرنا بلا إحساس وبلا مشاعر، بلداء أجل بلداء، طالما أن هناك قتلاً لا بد أن يكون هناك قتلة، في أحسن الأحوال سيكتب الصحافيون مقالات عن المناسبة، وسيكتب المفسبكون في حوائطهم بعض الكلام حتى تأتي مناسبة أخرى، تستوي في ذلك (جريمة قتل، اغتصاب، مقابلة صحفية مع أحد السياسيين، قرار جمهوري) ألم أقل لكم صرنا أشبه بحارس صالة مناسبات؟؟!! هؤلاء هم الذين يعبثون بالبلاد وأقسم بشرفي _وقولوا عن انفعاليتي ما قلتم_ هؤلاء هم الذين يعبثون بنا، السياسيون، وأصحاب رؤوس الأموال، والصحافيون... هؤلاء هم الطبقة القذرة التي يجب أن نثور عليها، لن يوصلونا إلى برٍّ أبداً، يتبعون خطوات الشيطانة (أجاثا كريستي) إلا في الخطوة الأخيرة، لن يقدموا عليها أبداً، لن يقدموا لنا الحل في هذا الرواية البوليسية النتنة، لا داعي لأن ننتظرها، فقط علينا البحث عن كيف يمكن لكلٍّ منا أن يصنع نهايته بيده، ويخلص من هذا كله: نهاية باليد ولا "هادي" فوق الشجرة.